IMLebanon

حزب الله ينتقل من المهادنة إلى الصدام مع خصوم الداخل

كشفت التطورات الأخيرة على الساحة اللبنانية بدءا بقضية معمل آل فتوش مرورا بحادثة قبرشمون وما استتبعها من تعطيل لا يزال متواصلا لمجلس الوزراء وصولا إلى استهداف وزير العمل “القواتي”، عن تغير في توجه حزب الله الذي كان لوقت قريب يميل إلى سياسة النأي بالنفس قدر الإمكان عن التجاذبات وترك الباب مواربا للتهدئة مع الخصوم.

تعتبر أوساط سياسية لبنانية أن الحزب أصبح يتبنى نهجا صداميا في مسعى لإخضاع القوى المناوئة له أو تلك التي لديها تحفظات على سياساته، وفق القاعدة الذهبية “من ليس معي فهو ضدي”، لافتة إلى أن هناك بالواضح استهدافا ممنهجا من الحزب وحلفائه لرئيس الحكومة سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط وأيضا حزب القوات اللبنانية من خلال محاولة اغتيال معنوية لوزيره سليمان أبوكميل من البوابة الفلسطينية.

وتساءل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تغريدة على موقعه على “تويتر” “ماذا تريد الممانعة من الحكومة ومن لبنان؟”. وأضاف “التعطيل الكامل على ما يبدو والشلل وتحطيم القضاء على طريقة الجريصاتيات وتنصيب المحاكم العرفية”. وتابع “غريب هذا النهج العبثي لكن لا عجب فهم يعيشون في عالمهم المعزول المغلق ويتصورون المؤامرات في كل مكان. على أي حال الله يهديهم لطريق الصواب والمنطق”.

ويشير جنبلاط في تلميحاته إلى إصرار الحزب الديمقراطي بقيادة طلال أرسلان ومن خلفه حزب الله والتيار الوطني الحر على إحالة المتورطين في قضية قبرشمون إلى المجلس العدلي الذي ينظر في الجرائم الكبرى، ويتخذون من إعاقة انعقاد مجلس الوزراء للأسبوع الثالث على التوالي ورقة ضغط لفرض هذا الطرح الذي يرفضه بشدة كل من جنبلاط والحريري على السواء لإدراك الطرفين أن المسألة تتجاوز إحلال العدالة إلى محاولة ضربهما وإخضاعهما معا لتكريس هيمنة هذا المحور الذي تدعمه إيران على لبنان.

مصلحة حزب الله في السابق تقتضي تهدئة الجبهة الداخلية قدر الإمكان والابتعاد عن أي منغصات سياسية
واقترح الزعيم الدرزي في وقت لاحق الأربعاء حلا لإنهاء أزمة قبرشمون بضم حادثة الشويفات التي سقط فيها الشاب علاء أبي فرج على يد عناصر تابعة للحزب الديمقراطي للنظر في القضيتين من قبل السلطات المختصة التي تقرر على إثر ذلك إحالة الملفين للمجلس العدلي. وتعود حادثة قبرشمون إلى 30 يونيو الماضي، حينما اصطدم موكب لوزير المهجرين بمجموعة من الغاضبين من أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي كانوا يحتجون على زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لجبل لبنان، ما أدّى إلى اشتباك بين الطرفين سقط خلاله اثنان من مرافقي الغريب قتلى، وهما من عناصر الحزب الديمقراطي.

وكادت أن تفجّر الحادثة فتنة درزية درزية في الجبل، لكن تحركات رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري نجحت في امتصاص فتيلها الأمني، بيد أن مفاعيلها السياسية لا تزال قائمة من خلال عرقلة جلسات مجلس الوزراء، إلى حين تسليم جنبلاط للمطلوبين وإحالتهم إلى المجلس العدلي.

وفي السابق كان حزب الله يتعاطى مع مثل قضايا قبرشمون وغيرها بمرونة، بل كان في كثير من الأحيان يعمد إلى تهدئة الحلفاء، وإيجاد حلول توافقية، ويربط مراقبون هذا التحول في سياسة الحزب بالمتغيرات على الساحة الداخلية والإقليمية، مشيرين إلى أن الظرفية هي المحدد الأساس لكيفية تعاطي الحزب ذلك أنه في السابق وخاصة مع انخراط الحزب في الأزمة السورية في العام 2013، كانت مصلحته تقتضي تهدئة الجبهة الداخلية قدر الإمكان والابتعاد عن أي منغصات.

واليوم الظرفية الداخلية والإقليمية تغيرت، فالحزب نجح في تعزيز نفوذه السياسي إلى جانب ترسانته المسلحة، فأصبح الفاعل رقم واحد على المسرح اللبناني.

ويلفت المراقبون إلى أن حزب الله تعامل مع الانتخابات النيابية الماضية على أنها مصيرية وحرص على تعزيز تموقعه على الخارطة النيابية داخل البرلمان، وكفلت له النتائج التي حققها وحلفاؤه في ذلك الاستحقاق موقعا متقدما في مجلس الوزراء.

وللمرة الأولى أصر الحزب على أن تكون له حقيبة وزارية أساسية (الصحة) رغم المعارضة الأميركية، والأهم بالنسبة له أن الغلبة العددية داخل المجلس هي لحلفائه، وبالتالي عمليا هو وضع يده على الحكومة وصار متحكما بها، ويتعمد اليوم والتيار الوطني الحر على ضرب صلاحيات رئاسة الحكومة الذي هو من نصيب السنة وتحويل دور رئيس الوزراء إلى مجرد موظف.

ولا يمكن قراءة إصرار الحزب على السيطرة على المشهد الداخلي في لبنان بعيدا عن الوضع الإقليمي والدولي عموما ذلك أنه مع صعود دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة وتبني الأخير نهجا راديكاليا في التعاطي مع سياسات إيران وأذرعها في المنطقة، بدا للحزب أنه من الضرورة تعزيز المظلة الداخلية.

وهذا التمشي لحزب الله تكرس خاصة مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع في العام 2015 مع طهران وما استتبعه من فرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران، طالته هو أيضا بوتيرة ملفتة في الفترة الأخيرة.

ويستشعر الحزب وطأة الوضعين الإقليمي والدولي الضاغطين عليه وعلى حليفته، وبالتالي يعتقد أن من الضروري تفعيل تلك القاعدة “من ليس معي فهو ضدي” وترى قيادات الحزب أن منطق أنصاف المواقف أو الرمادية لم يعد من الممكن السماح به وعليه فإنه يرجح أن يصعد حملته ضد جنبلاط كما الحريري.

ويلفت المراقبون إلى أنه بغض النظر عن مآلات قضية قبرشمون والتي يرجح أن تنتهي قريبا في ظل وجود ملفات ضاغطة اقتصاديا تتطلب انعقاد جلسات مجلس الوزراء، لكن الواضح أن حزب الله ليس بوارد التراجع عن سياسته الصدامية بغية إضعاف الأطراف المقابلة.