IMLebanon

جنبلاط إلى روسيا قريباً: زيارة للزيارة؟

كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:

تجرى التحضيرات لزيارة قريبة يقوم بها زعيم “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ونجله تيمور إلى روسيا. زيارة مهّد لها القيادي في “الحزب الاشتراكي” حليم أبو فخر الدين، الذي قصد موسكو قبل أسبوعين موفداً من جنبلاط والتقى المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الاوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف. ونقل أبو فخر الدين ترحيب روسيا بالزيارة، وهي لم تعد مستبعدة بل باتت قيد الدرس من ناحية التوقيت.

لكن كلاماً آخر رافق زيارة أبو فخر الدين إلى موسكو مفاده أنه طلب من بوغدانوف تدخل الروس لدى سوريا لفك محاولات تطويق جنبلاط في لبنان. في المقابل، أوضحت مصادر مقرّبة من “الاشتراكي” ان الموضوع لم يطرح على هذا النحو، وان الزيارة كان هدفها استكمال التواصل بين الطرفين، تحديداً في هذه الفترة التي يشعر فيها جنبلاط بأنه محاصر أكثر من أي وقت مضى، ويرغب في استعادة علاقته التاريخية بطرف أبعدته عنه خياراته السياسية الأخيرة.

فلطالما كانت العلاقة التي ربطت المختارة بالكرملين أيّام الاتحاد السوفياتي مميزة وتعود إلى فترة الانتداب، عندما بحث الدروز عن بديل للدور الإنكليزي في لبنان، في مقابل ثبات الدعم الفرنسي للموارنة، فكان الاتحاد السوفياتي. لم تكن الولايات المتحدة هي العضد والسند يومها، وإن تبدّل المشهد بعدما رعت الأخيرة حركة “14 آذار” التي كان وليد جنبلاط عمادها الفعلي.

الطرفان تغيرا: وليد جنبلاط وروسيا. الاتحاد السوفياتي لم يعد موجوداً، وروسيا الجديدة هي غيرها سابقاً. سوريا ثابتة في سياساتها، وهذا ما يجعل العلاقة بين المختارة والكرملين تمرّ على وقع البرودة الروسية التي لا تتخلى عن حلفائها، لكن أولوياتها تختلف حكماً، فيتحوّل جنبلاط من حليف “صدوق” واستراتيجي إلى حليف موجود على الساحة اللبنانية له حضوره ما يفرض العلاقة معه. غير أن الحليفين لم يعودا يلتقيان على العناوين نفسها. اختلفت الظروف والمصالح. باتت روسيا قوة عظمى تؤيد تحالف الأقليات الذي يعارضه جنبلاط بقوة، كما يختلف الطرفان في الموقف من النظام السوري الذي يعاديه جنبلاط وتعتبره روسيا حليفاً أساسياً. من تحالف استراتيجي انتقلت العلاقة الى اشبه ما يكون بتحالف “على القطعة”.

ظروف كثيرة استجدّت على هذه العلاقة التاريخية وعدّلت فيها. روسيا اليوم لم تعد هي ذاتها روسيا القديمة. باتت أقرب ما تكون الى روسيا الارثوذكس والتحالف مع الأقليات، وما هذا الطارئ الا بسبب أحد مؤثرات الكنيسة على السياسة الروسية، وربما هذا الذي دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى أن يقول لرئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط خلال احدى زياراته الى روسيا “لا تعتقد أنه بالإمكان أن يحكم سوريا رئيس جمهورية من الطائفة السنية”.

لروسيا علاقة تاريخية مع جنبلاط، لكن المسؤولين الروس يريدون من الأخير الإلتحاق بتحالف الأقليات ويرفضون التحالف الاستراتيجي الدرزي مع السنّة. بدوره يرفض جنبلاط السير في تحالف الأقليات، ويقول إن هذا أمر تصدّى له سابقاً الزعيم كمال جنبلاط والسيد موسى الصدر ومن قبلهما سلطان باشا الأطرش.

توافق مصادر “الحزب الاشتراكي” على القول إن العلاقة مع الروس لا تزال مستمرة انما الدينامية اختلفت، “متفقان على الصداقة ومختلفان على عنصر اساسي وهو سوريا”. وعادة ما تتقدم مصالح الدول على العلاقة مع الاشخاص اياً كانت هذه العلاقة .

ويؤكد “الاشتراكي” ان جنبلاط لا يزال صديقاً للروس وهو خلال زياراته أو زيارات من يمثله من الموفدين لا يزال يسمع عبارات حميمة، غير أن سياق العلاقة اختلف مع روسيا عما كان عليه مع الاتحاد السوفياتي، من دون أن يعني ذلك اهتزازاً كاملاً في العلاقة بدليل التفهم الروسي لمسألة رفض خدمة دروز سوريا إلا في الفرقة التي يشرف عليها الروس في سوريا.

كما تلفت المصادر إلى مسارعة السفارة الروسية في لبنان إلى نفي خبر تسرّب عن رسالة بعث بها جنبلاط إلى نتنياهو، نسب إلى عميل روسي في الموساد الاسرائيلي، ما تقرأ فيه مصادر “الاشتراكي”، “دلالة على عمق العلاقة الاستراتيجية مع روسيا”. نافية أي كلام يقال عن تردّ في العلاقة، وأن ما يتعرّض له وليد جنبلاط اليوم ما كان ليحصل لولا غضّ طرف روسي.

في ظلّ هذه المعطيات، ما الذي يبحث عنه جنبلاط في روسيا؟

إجمالاً، لن تكون أي زيارة لجنبلاط أو من يمثله إلى روسيا سيئة، ولكن لا يمكن تحصيل أي مكسب من الروس في المرحلة الراهنة خصوصاً في ظلّ التزامها في سوريا.

باختصار، لم يعد جنبلاط يحظى بدلال الروس، استنتاج يخلص اليه البعض في ضوء وضع جنبلاط الراهن والأزمة التي تواجه بيته الدرزي، مستبعداً أن يكون بإمكان الروسي مساعدته في تخطي الأزمة انطلاقاً من محدودية تأثير الدور الروسي في هذا الموضوع مهما كان حضورهم قوياً. ويرى أن جنبلاط وصل إلى حدود لم تعد مقبولة، ما يصعّب على أي حليف مساعدته بمن فيهم الروس، “لم يترك جنبلاط للصلح مطرح”، لافتاً إلى أنه سبق للروس التحدّث بشأنه مع السوريين لكن “الطريق على المبادرة قطعت خصوصاً في ضوء الحديث السوري عن دور سلبي للغاية لجنبلاط في السويداء”.