IMLebanon

هل يقع جنبلاط في فخ “الحزب” وأرسلان؟

كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:

“يتخوّف جنبلاط من أن تصوِّت الأكثرية في مجلس الوزراء على الإحالة للمجلس العدلي  فيكون وقع في فخ «حزب الله» وأرسلان»

حفلت الساعات القليلة الماضية، بحركة اتصالات كثيفة بين القيادات السياسية والرسمية، وفي المقدمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإيجاد تسوية لأزمة حادثة البساتين التي تسببت في تعطيل عمل الحكومة بما يعني ذلك من تداعيات سلبية على مجمل الأوضاع الداخلية من اقتصادية واجتماعية، في ظل التردي الاقتصادي الذي يحتاج إلى متابعة حثيثة من مجلس الوزراء، وقد اشاعت هذه الاتصالات موجة من التفاؤل المحدود في إيجاد التسوية التي ترضي الطرفين، وتعيد عجلة الدولة المتوقفة منذ أكثر من شهر إلى الدوران. وكان البارز في هذه الحركة الاجتماع الذي عقده أمس الرئيس عون مع النائب طلال أرسلان وهو الاجتماع الثالث منذ انفجار الأزمة، والاجتماع الآخر الذي عقده مع مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم المكلف من قبل جميع المعنيين بإيجاد حل بهذه الأزمة، وأشيع بعد هذين الاجتماعين عن أجواء تفاؤلية بقرب الوصول إلى التسوية المنشودة والتي من شأنها ان تطوي هذه الصفحة السوداء التي يمر بها لبنان منذ المصالحة التاريخية في الجبل والتي أرساها البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط.

وبالتزامن مع الحركة الناشطة التي شهدها القصر الجمهوري بحثاً عن تسوية مقبولة من الفريقين المعنيين شهدت السراي الحكومي حركة مماثلة حيث زارها وزير الخارجية جبران باسيل واللواء إبراهيم ولم يرشح أية معلومات عن النتائج التي أسفرت عنها هاتين الزيارتين، ولا سيما في الشق المتعلق بالمبادرة التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه برّي والتي تقوم على دعوة مجلس الوزراء إلى عقد جلسة قريبة يتم في أوّلها طرح مشروع إحالة حادثة البساتين على التصويت، فلا تحظى بالاكثرية المطلقة التي تضمن احالتها، وعندها يعود مجلس الوزراء إلى التصويت ليس على إحالة حادثة البساتين وحدها على التصويت بل مع حادثة الشويفات وفق ما اقترح رئيس الحزب التقدمي وعندها يصوت مجلس الوزراء بالإجماع على إحالة الحادثتين إلى المجلس العدلي وتطوى بذلك صفحة سوداء في تاريخ لبنان لتفتح صفحة بيضاء جديدة عمادها تجاوز كل تداعيات الأزمة الناشبة عن حادثة البساتين.

غير ان مصادر مطلعة على هذه الاتصالات تفيد بأن هذه المبادرة التي أطلقت من عين التينة على اثر زيارة الرئيس سعد الحريري لا تحظى بقبول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتوجس من ان تصوت الأكثرية المطلقة في مجلس الوزراء على إحالة ملف حادثة البساتين إلى المجلس العدلي، ويكون بذلك قد سقط في الفخ الذي نصبه له حزب الله، وحقق النائب أرسلان كل ما يريده.

لكن مصادر أخرى مطلعة أيضاً على سير الاتصالات الجارية تقول بأن اجتماع القصر الذي حضره إلى جانب النائب أرسلان الوزيران سليم جريصاتي والياس بوصعب واللواء عباس إبراهيم تجاوز مبادرة الرئيس برّي، وركز على اقتراح مدير عام الأمن العام والقاضي بإحالة الملف إلى القضاء العسكري وتسليم المطلوبين من الفريقين على ان يتخذ القرار بالاحالة إلى المجلس العدلي وعدمه في ضوء نتائج التحقيقات العسكرية مع ادعاء مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم على 21 شخصاً في حادثة البساتين بينهم أربعة موقوفين من الحزب التقدمي الاشتراكي بجرم إطلاق النار من أسلحة حربية غير مرخصة وقتل ومحاولة قتل مدنيين، وأحال الملف والموقوفين إلى قاضي التحقيق العسكري  الأول بالإنابة فادي صوان طالباً استجواب المدعى عليهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة في حقهم.

وتميل هذه المصادر إلى الاعتقاد بأن هذا الحل قد يحظى بقبول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في حال تجاوب أرسلان وسلّم جميع المطلوبين من فريقه إلى القضاء العسكري، كذلك الأمر بالنسبة إلى حزب الله بعدما عكس أمس نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم صورة مغايرة للصورة التي عكسها الأمين العام عمادها الاحتكام إلى القانون في حال تعذر على الطرفين المعنيين التوافق، على اعتبار ان (القانون) هو الإطار الذي يجب أن نحتكم  إليه عندما لا نتمكن من الوصول إلى توافق.

وترى هذه المصادر ان ما طرحه نائب الأمين العام من شأنه أن يسهل عملية الوصول إلى تسوية مقبولة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كونه طرح منذ البداية مسألة  الاحتكام إلى القانون، وأكد مراراً انه تحت سقف القانون، وما تقتضيه الأصول القضائية، وليس وفق ما يريده حزب الله، والذي يدل على نوايا تخالف هذه الأصول وعلى محاولة  إقامة أحكام شبه عرفية تجاه بعض الأحزاب والشخصيات والنشاطات، وإلى اتجاه لإصدار قانون عفو عن العملاء المقيمين في اسرائيل على حساب تضحيات الوطنيين من كل الأحزاب والتيارات الذين قاوموا الاحتلال وعذبوا في الخيام.

وفي تأكيد على صحة رؤية جنبلاط إزاء ما يجري تستبعد المصادر المطلعة ان تنتج حركة الاتصالات الناشطة التسوية المرضية، لأن مكمن العقدة الحقيقية، بالنسبة إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ليس في حادثة البساتين، بل في الهدف من وراء المطالبة بالاحالة إلى المجلس العدلي والاصرار على محاصرته وكسره لفرض زعامة درزية بديلة ترجح كفة الميزان في أي قرار لمصلحة حزب الله وفريقه السياسي وتحالفاته الإقليمية.