IMLebanon

الجيش الذي في خاطري وفي دمي

كتب د. هشام جابر في صحيفة “اللواء”:

كانت المؤسسة العسكرية بالنسبة اليّ مدرستي الكبرى منها تعلمت وبها علّمت. وكانت ولا تزال عائلتي, حيث كانت رتبتي العسكرية وانتمائي إليها تسبق دائماً إسمي وإسم عائلتي.

تركت هذه المؤسسة جسدياً وتقاعداً. ولكني لم أشأ أن أموت قاعداً, وبقيت متعلقاً بها فكراً وروحاً وعقيدةً.

استضافني الإعلامي البارز جورج صليبا في عيد الجيش 2017 في مقابلة مباشرة بثّت من سراي بعبدا, وسألني عما أتمناه بهذه المناسبة، فقلت أتمنى, وأرجو, أن يقام جدار فاصل بين الجيش والسياسة. الجيش بإمرة السلطة السياسية نقطة على السطر. هكذا الدستور. أما أن تمتد أيادي السياسيين إليه، ويتسكع أفراده على أدراج السياسيين، فهذا خطأ بل وخطيئة. فالموزاييك اللبناني أصبح نقمة على الوطن, بينما هو في الجيش نعمة، فهي تمثل الوطن بمختلف فئاته وطوائفه، مناطقه وألوانه وأطيافه.

سألني هل يمكن للضابط أن يرقّى أو يتسلّم مركزاً دون شفاعة, أو وساطة, من مرجع سياسي؟ قلت نعم وتابعت بكل صدق وفخر واعتزاز بأن تجربتي الشخصية تؤكد ذلك.

لقد بلغت أعلى الرتب، وتسلمت أهم المراكز، وتابعت دورات دراسية عديدة في الخارج، دون وساطة, أو شفاعة, أو دعم من أي سياسي أو زعيم, أو حتى من أقرب الناس إليّ منهم. ولست الوحيد من الضباط الذي له الفخر في ذلك حتماً.

كلما التقي العماد جوزف عون قائد الجيش، كلما ازددت أيماناً بأن المؤسسة العسكرية بأيدٍ أمينة. فقد حقق خلال أشهر من توليه المنصب ما لم يحققه سلفه خلال سنوات، فالجرود تشهد على التحرير. والكلية الحربية تشهد على معيار الكفاءة، وقطع دابر الوساطات، والسمسرة، والرشوة. فهو قائد مقدام يرشح نزاهة، وتجرّد. واعد يستمع ويقرأ، ليس لديه مطامع سياسية أو مادية.

يقولون إن الجيش هو درع الوطن، صحيح ولكنني أقول أنه عامود الخيمة، فإذا سقط العامود انهارت تلك الخيمة المسماة وطناً.

قال لي صديق تولى يوماً وزارة الدفاع، إن ما أقوله صحيح إنما الى متى تصمد هذه المؤسسة في ظل الدولة المهترئة؟ والأخطار التي تحيط بالوطن من الداخل والخارج؟

لقد تفككت المؤسسة العسكرية أكثر من مرة خلال العقود الماضية وأُعيد بناؤها. ندعو الى الله ونأمل أن لا يدخلنا بالتجارب مرة أخرى.

عندما يصبح الجيش قادراً على صدّ العدو الدائم الذي هو إسرائيل، وكما استطاع دحر العدو الداهم، الذي هو الإرهاب، ويعتمد استراتيجية دفاعية وطنية نواتها الجيش، ينتفي الكلام عن سلاح آخر لا يزال ضرورياً لردع العدو، أقصد سلاح المقاومة.

لا يزال أمام هذه المؤسسة الوطنية التي هي في خاطر ودم كل لبناني مخلص، تحديات جمّة. يلزمها بكلمة واحدة سلاح الدفاع الجوي الرادع. وإن كانت هبة أو شراءً وليرضى من يرضى، وليغضب من يغضب. فلديها العديد الكافي، والمعنويات العالية، والكفاءة القتالية، والعقيدة القتالية، لديها القيادة الحكيمة ومعها الشعب الذي انقسم سياسيا،ً وطائفياً، إلاّ أنه اتحد واتفق على دعمها، وتأييدها، والثقة بها.

فلا تجعلوا هذا الرصيد يضيع هباءً. فيا أيها السياسيون «العُظام» الذين سيدخلون التاريخ، اتقّوا الله في وطنكم وارفعوا أياديكم عن الجيش. فهذا التاريخ سيحاسب. سيخلّد من أحسن وسيلعن من أساء.

وأخيراً وليس آخراً . ان الوطن الذي لا يحميه سلاحه، يستباح ساحه، والمطلوب قليل من الوطنية، وقليل من الجدل السياسي، والمهاترات، وتقاسم الجبنه الفاسدة.

«فالوطنية هي شعور ينمو ويزداد، كلما كبرت هموم الوطن وعظمت مصائبه» كما يقول مصطفى كامل، فهل هنالك هموم ومصائب في وطننا أكثر مما نواجه من تحديات؟ كفى جدلاً بيزنطياً امام عدو متربص. لا يفرق في عدوانه بين طائفة وأخرى….. مهما ادعي.