IMLebanon

اقتصاد لبنان يترنح مع استمرار الشلل الحكومي

تواجه حكومة لبنان حالة من الشلل تجاوزت الشهر، ما يوحي بأن دوافعها تتجاوز السبب المعلن أي ما حدث في بلدة قبرشمون من جبل لبنان، إلى صراع إرادات بين محورين متضادين يحاول كل طرف منهما فرض سيطرته على المشهد.

وينبه مسؤولون واقتصاديون من استمرار هذا الشلل في ظل وضع اقتصادي متدهور يتهدد الدولة، مع فرضية كبيرة لأن تقدم المؤسسات الدولية على فرض شروط صعبة.

وحذر الخميس الرئيس اللبناني ميشال عون شعبه من مغبة ما يمكن أن تفرضه المؤسسات الدولية المقرضة على لبنان من خطط اقتصادية ومالية قاسية ما لم يقدم تضحيات لإنقاذ البلد من أزمته الاقتصادية.

جاءت هذه التصريحات خلال كلمة ألقاها عون بمناسبة عيد الجيش، وهي تثير على ما يبدو احتمال توجه لبنان إلى صندوق النقد الدولي لطلب المساعدة إذا فشلت جهود الحكومة في تحسين الموارد المالية للدولة بالقدر الكافي.

ويعاني لبنان من أحد أثقل معدلات الدين العام في العالم ومن انخفاض معدل النمو الاقتصادي على مدى أعوام. وزادت الحاجة إلى تطبيق إصلاحات تأجلت لمدة طويلة، وذلك في ظل تباطؤ الودائع في القطاع المصرفي وهي مصدر مهم لتمويل الدولة.

وانكمشت الودائع قليلا في الشهور الخمسة الأولى من العام. كما تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي على الرغم من أنها لا تزال كبيرة نسبيا مقارنة بحجم الاقتصاد.

وقال عون إن لبنان يمر بأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية قاسية “لكننا قادرون على تجاوزها وإنقاذ الوطن من براثنها إذا عقدنا العزم على ذلك”.

وأضاف “التضحية المرحلية مطلوبة من كل اللبنانيين دون استثناء لتنجح عملية الإنقاذ، فإن لم نضح اليوم جميعا ونرضى بالتخلي عن بعض مكتسباتنا فإننا نخاطر بفقدها كلها حين يصبح وطننا على طاولة المؤسسات الدولية المقرضة وما يمكن أن تفرضه علينا من خطط اقتصادية ومالية قاسية”.

صندوق النقد الدولي قال في الشهر الماضي إن العجز سيكون أعلى بكثير من الهدف الذي حددته الحكومة وهو 7.6 بالمئة من أكثر من 11 بالمئة في عام 2018
واعتمدت الحكومة اللبنانية موازنة لعام 2019 تهدف إلى خفض العجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي. وقال صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي إن العجز سيكون أعلى بكثير من الهدف الذي حددته الحكومة وهو 7.6 بالمئة من أكثر من 11 بالمئة في عام 2018.

وشملت الميزانية إجراءات مثل تجميد التعيين الحكومي لمدة ثلاثة أعوام. لكن تم رفض أفكار أصعب مثل خفض رواتب العاملين في القطاع العام. ويقول منتقدون للحكومة إنها تجاهلت المشكلة الرئيسية وهي الفساد.

وتشمل إجراءات خفض العجز الرئيسية زيادة الضرائب على فائدة الودائع المصرفية والسندات الحكومية وضريبة جديدة على الواردات وخطة لخفض تكاليف خدمة الدين، وإن كان لم يتضح كيفية تحقيق ذلك. وصادق البرلمان على الموازنة قبل أسابيع، بيد أن تنفيذها يواجه تعثرا لجهة الشلل الحكومي المستمر بسبب حادثة قبرشمون والتي لا يوجد على ما يبدو حل في الأفق لها على خلفية تمسك كل طرف بمطالبه ذات السقف العالي.

وتعود الحادثة إلى 31 يونيو الماضي حيث قتل اثنان من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، في اشتباك مع أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي، الذين كانوا يحتجون آنذاك على زيارة لوزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

والغريب، محسوب على النائب طلال أرسلان، زعيم الحزب الديمقراطي، الموالي للنظام السوري وحزب الله، والطرف الآخر محسوب على خصمه بالطائفة الدرزية الزعيم وليد جنبلاط.

وفشل رئيس الحكومة سعد الحريري في 2 يوليو في عقد جلسة الحكومة بعد مقاطعة وزراء محسوبين على التيار الوطني الحر بينهم الغريب. ويصر أرسلان (خصم جنبلاط بالطائفة الدرزية) ومعه حزب الله والتيار الحر على إحالة الواقعة إلى المجلس العدلي (المختص بقضايا تمس أمن الدولة).

وفي المقابل يرفض جنبلاط الأمر ويدعمه فيه تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع. كما رفض جنبلاط، في تغريدة على حسابه بتويتر، اقتراح عقد لقاء مع أرسلان في قصر الرئاسة لإتمام مصالحة برعاية رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان.

ورد أرسلان على جنبلاط قائلا “لن ألتقي جنبلاط على حساب دم الشهداء (قتلى المواجهات)… وزمن اللعب بدم الأبرياء قد ولّى وسنكون بالمرصاد لأي تحرك مشبوه مهما كلّف الثمن”.

ويقول التيار الوطني الحر إنه ليس ضد انعقاد جلسة مجلس الوزراء بيد أنه يصر على فرض طرح قضية قبرشمون كبند أول، الأمر الذي يعترض عليه الحريري الذي يرى في المسألة محاولة لضرب صلاحياته.

وشددت كتلة المستقبل، التي يتزعمها الحريري في بيان، على أن “الأصول الدستورية والوطنية تفترض التوقف عن توجيه الرسائل المشروطة لرئاسة مجلس الوزراء”. وأكدت أن رئاسة مجلس الوزراء “الجهة الوحيدة المعنية حصرا بدعوة المجلس إلى الانعقاد، والمسؤولة عن إعداد جدول الأعمال”.

هذا الوضع القاتم، والمقفل على الحلول في الأجواء يبعث على القلق من استمراره، وخصوصا إذا ما تلاقى مع سلبيات شديدة الخطورة على الوضع الداخلي خاصة في بعده الاقتصادي.

وقال النائب محمد الحجار إن المشهد الذي يمر به لبنان هو “توتر متعدد الأطراف والأوجه”. ورأى أنه بدل أن تكون الحكومة في حالة عمل لمواكبة إقرار الموازنة نجد تعطيلا لاجتماعاتها.