IMLebanon

أزمة الجبل: جنبلاط “يولّع الجو”… و”الحزب” ينكفئ

كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:

قبل نحو أسبوع، قال رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في احدى تغريداته “إنّ اجتماع بعبدا غير مفيد اذا ما أصحاب العلاقة المباشرون وليس أبواق النعيق اليومي، وضّحوا لنا لماذا هذا العداء الجديد والذي كنا اطلقنا عليه تنظيم الخلاف. وأخيراً أين الطائف؟”.

العاملون على خطّ فكّ شيفرة “الأبجدية الجنبلاطية”، يدركون جيداً أنّ ملائكة “حزب الله” حضرت في تلك التغريدة مع إشارة مدوّنها إلى “تنظيم الخلاف” وهو التوصيف الذي كان يطلق على وضعية العلاقة الثنائية بين الضاحية الجنوبية والمختارة.

يقول خصوم جنبلاط، إنّه مارس خلال الأيام القليلة الماضية لعبة البلياردو. وجّه طاباته في أكثر من اتجاه، لكن المقصود كان دوماً “حزب الله”، إلى أن أبلغها بالحرف الواحد إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم: “هاتني مصالحة مع “حزب الله” وخذ مني تقليعة الحكومة!”.

قبل “الاجتماع السداسي” الذي عقد في بعبدا كان رفض الارسلانيين التنازل عن ورقة المجلس العدلي، هو الذي يحول دون استعادة حكومة الرئيس سعد الحريري “روحها المخطوفة”.

في الاجتماع، تمكّن الموجودون من اقناع رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” طلال ارسلان، كما تقول أوساط الثامن من آذار، من التقدّم خطوة إلى الأمام بحثاً عن مخرج يبعث الحياة في جسد الحكومة الآخذ في التآكل. وبالفعل، قبِل ارسلان في السير بحل يقضي بالتخلي أولاً عن معادلة “المجلس العدلي أو الفراغ”، ليجلس إلى طاولة مجلس الوزراء على أن تكون أحداث الجبل بنداً على جدول الأعمال لمناقشته من دون البتّ بمصيره، بعد اجراء مصالحة مع جنبلاط، مقابل أن تتولى المحكمة العسكرية البتّ بمصير القضية، بمعنى أن تقرر بنفسها الإحالة إلى المجلس العدلي من عدمه.

هكذا، وضع رئيس الجمهورية ورقة تخلي ارسلان عن المجلس العدلي في جيبه، بشكل بدت فيه الأمور أقرب إلى النهاية السعيدة خصوصاً وأنّ الجبهة العونية راحت تلين مع الوقت وباتت أقرب إلى خيارات التسوية بعد اقتناعها أنّ العهد هو أكثر المتضررين من هذا الشلل ولا بدّ بالتالي من ايجاد تخريجة على طريقة “لا يفنى الديب ولا يموت الغنم”.

على هذا الأساس، سارع اللواء ابراهيم للقاء جنبلاط معتبراً أنّ الحلّ صار في جيبه بعدما تمّت تلبية طلب جنبلاط بتجاوز “العدلي”. إلّا أنّ المفاجأة وقعت حين ردّ سيد المختارة ضيفه خائباً برفضه الطرح برمته بحجة أنّ المطلوب هو مصالحة مع “حزب الله” وليس مع ارسلان.

تقول أوساط الثامن من آذار إنّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” اشتكى أمام ضيفه من أنّ قيادة “حزب الله” والسوريين يعدّون له كميناً سياسياً وبالتالي إنّ التفاهم على صياغات قانونية لا يعفيه من الوقوع في فخّ سياسي يعدّه خصومه. وبالتالي اذا لم يضع جنبلاط يده على ضمانات واضحة وجدية تثبت له بالوجه السياسي أنّ التجاوب مع مطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء، لا يخفي في طياته نوايا مبيتة قد “تقتص” من حزبه سياسياً، فهو لن يقابل سياسة اليد الممدودة، بيد أخرى.

وفق الأوساط ذاتها، حاول اللواء ابراهيم اقناع جنبلاط أنّ “حزب الله” لم يكن طرفاً في أحداث الجبل وهو بالتالي ليس طرفاً في الحل لكي يطالب بضمانات سياسية أو قضائية، إلا أنّ جنبلاط تمسك برفضه الحلول الموضوعة على طاولته.

تشير الأوساط إلى أنّ جنبلاط مسكون بالهواجس والمخاوف، الأمر الذي يدفعه إلى الاطاحة بكل الحلول التي توضع أمامه بحجة أنّ “رأسه مطلوب” سياسياً. فهو على سبيل المثال رفض طرح التصويت في مجلس الوزراء لأنه غير مقتنع، أو بالأحرى لا يصدق أنّ النتيجة ستكون لمصلحته أي 15 ضدّ 15، وهو يخشى من تفلّت أحد الوزراء الحلفاء ليصب في خانة المؤيدين لخيار المجلس العدلي، ولهذا تصدى لهذا السيناريو.

كما تلفت إلى أنّ خشية جنبلاط من تورط حزبه قضائياً تنبع من وجود تسجيلات لدى الأجهزة الأمنية قد تدين الوزير أكرم شهيب حتى لو لم يُتهم بتهمة تدبير كمين.

هكذا، تقول الأوساط إنّ لغة الكلام تعطلت في الوقت الراهن بعدما قدم ارسلان كل التنازلات الممكنة، وبالتالي باتت الكرة في ملعب جنبلاط. أما “حزب الله” فلا يبدو أنّه بصدد الردّ على الرسالة “المشفّرة” ويدير أذنه الطرشاء على قاعدة أنه لم يكن معنياً بالحادثة ولن يكون معنياً بالحل.

عملياً، تقول الأوساط ذاتها إنّ الأمور عادت إلى نقطة الصفر كون الرئيس الحريري يأخذ جانباً مع جنبلاط ويرفض الدعوة إلى جلسة للحكومة، اذا لم تكن محصّنة بتفاهم سياسي.

على الضفة الجنبلاطية، المسألة لا تتصل بضمانات، وإنما بنوايا مبيّتة من جانب العهد من خلال تحريف عمل المحكمة العسكرية، حيث تقول المعلومات إنّ الاشتراكيين مستاؤون من الكلام الذي يصلهم على لسان “رجال” العهد والذي يتضمن “مخططات تحجيمية” بحق الفريق الجنبلاطي، وقد لمسوا هذا الأمر من خلال “التدخل” بعمل المحكمة العسكرية كما يرى الاشتراكيون الذين باتوا مقتنعين أنّ كل الترتيبات القضائية التي يعمل عليها “العهد” ستوصل في النهاية إلى طاحونة “تطويق” جنبلاط. ولهذا سيعملون على التصدي للأمر على المستويات السياسية، القضائية والنيابية.

عملياً، يشير بعض المتابعين إلى أنّ جنبلاط مرتاح للتفاعل الشعبي مع خطابه، وهو غير منزعج أبداً من الارباك الذي أصاب العهد، وبالتالي هو ليس مستعجلاً لتقديم حبل النجاة من خلال اعادة احياء الحكومة. ولهذا كبّر حجر المعالجة، وطالب بترتيب سياسي مباشر مع “حزب الله”.

في هذه الأثناء، يحاول الرئيس بري تجاوز جبل الجليد الذي تكوّم بفعل الفيتوات المتبادلة، من خلال القيام بقفزة نوعية تتخطى الخلاف على المرجعية القضائية وعلى “تقليعة” الحكومة، وتقوم على أساس المصالحة الموسّعة. ولكن حتى الآن، تشي المعطيات أنّ الأزمة لا تزال تدور في حلقة مفرغة.