IMLebanon

“حرّية سيادة إستقلال”… حتى قيام الدولة!

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

 

هو اليوم السابع من الشهر الثامن من السنة الثامنة عشرة! وفي الثامنة عشرة يبلغ الإنسان سنّ الرشد ويُصبح قادراً على التعبير أكثر والتحليل أكثر وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فماذا عن تلك اللحظة، قبل 18 عاماً، في 7 آب 2001؟ وهل اليوم يُشبه أمس؟ هل وليد جنبلاط نفسه؟ وهل سعد الحريري يعيش ظروف رفيق الحريري؟ وهل يحقّ لجميل السيّد الذي حاك أمس ملامح سيناريو 7 آب 2001 أن يُحاكي اليوم أفراد الشعب ويقول لهم: “إذا لم تتحركوا رح ياكلوكم ويشربوكم”!

قبل 18 عاماَ، إثر أحداث 7 آب، إختار رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري أن يغادر في إجازة الى سردينيا، في محاولةٍ منه لتبريد الوضع السياسي ونزع فتيل التوتر داخل الحكومة. واليوم، صودف وجود الرئيس سعد الحريري في عطلة خارج البلاد قد تنتهي اليوم أو غداً. إختار الإبن اتباع نهج والده في أسلوب “تبريد” الشحنات السلبية التي تحوط “السلطة” وأدواتها. لكن، هل الظروف السياسية ما زالت نفسها؟ اللبنانيون ثاروا وسوريا خرجت وبيت الأسد منهمكون في شؤونهم والعالم العربي تغير وهتاف “حرية سيادة إستقلال” صدح ذات يوم بقوة واعتقل مئات الشباب وعادوا وخرجوا برؤوس مرفوعة… فلماذا نستمرّ معلقين في عنق زجاجة؟

 

فلنراجع الأحداث لنتعلم منها. فلنراجع بعض من دفعوا الثمن في 7 آب 2001 ضرباً مبرحاً واعتقالاً واتهاماً ويراقبون 7 آب 2019؟

“القوات اللبنانية” دفعت أثماناً متلاحقة في الحرب وفي السلم وفي السابع من آب ذاك سُجن منها من سُجن. سلمان سماحة (المسؤول آنذاك عن أوّل مصلحة لطلاب القوات) كان من بين الموقوفين في ذاك النهار. نسأله: وماذا تتذكر من ذاك النهار؟ يجيب: كلّ شيء.

ومثل سماحة يتذكر توفيق هندي كُلّ شيء، ورمزي كنج مثلهما، وإدوار شمعون وحبيب يونس وإيلي كيروز وطوني يزبك وفادي عصام أبو جمرا وشربل أبي عقل ونديم لطيف وسعود أبي شبل وشربل مسلّم وفادي الشاماتي وجورج حداد وميشال متني وآلان عون وحكمت ديب… وكثيرون كثيرون… كان الشباب (والشابات) على اختلاف انتماءاتهم الحزبية ينادون بثلاث مسلمات: حرية وسيادة واستقلال.

 

قبل أن ندق أبواب بعض الشباب، ونعود معهم 18 عاماً الى الوراء، قرعنا باب “القوات اللبنانية” عبر شاهد منها على ما فات من أحداث، وسألناه عن الشبه بين أمس واليوم. يعتبر القواتي ما حصل في 7 آب 2001 “ردّ فعل” هجومي من النظام السوري والنظام الأمني اللبناني – السوري على زيارة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الى الجبل، والمصالحات اللبنانية – اللبنانية وقرار وليد جنبلاط أن يتقاطع مع البطريرك وبيان المطارنة في 2000 والخطاب المسيحي الذي عبّر عنه البطريرك السيادي وشكّل انقلاباً على نظام الوصاية. هذا التقاطع بين بكركي والمختارة هناك من اعتبره رسالة لا بُدّ من الإنقلاب السريع عليها وهذا ما تمثل بأحداث 7 آب 2001. واليوم في 2019 نشهد محاولة إنقلابية أخرى تهدف أيضاً الى ضرب وليد جنبلاط، إنطلاقاً من حادثة قبرشمون ونشر قراءة مغلوطة عن أن المقصود من الحادث هو جبران باسيل نفسه وهذا ما قد يؤدي الى ضرب المصالحة المسيحية – الدرزية وتحوير الحادث من درزي- درزي الى درزي- مسيحي. ما يحصل اليوم من “خطابات رنانة” واتهامات تُساق ونبش الذاكرة، هي محاولات لضرب المصالحة التي حققها بطريرك الإستقلال. ويستطرد: محاولات إلغاء المصالحة المسيحية – الدرزية ليست أبداً سهلة، كما أن ظروف نجاح أي محاولة لـ “زرك” أو “إلغاء” حيثية وليد جنبلاط غير متاحة لعدة أسباب بينها أن وضع جنبلاط اليوم ليس كما وضع سمير جعجع في 1994. وهو غير متروك.

محاولات قضم البعض بعض “المصالحات” مستمرة في 2019 كما في 2001. توفيق هندي كان في عداد من أوقفوا واتهموا وسجنوا في 2001. لكن، لماذا هو؟ يعود هندي الى الوراء معلّلاً في الأسباب: الحركة السيادية بعد الإنسحاب الإسرائيلي كانت في عزها وانطلقت في التحضير، في حركة بدأت “خفية” باسم قرنة شهوان، لإخراج القوات السورية من لبنان. وكانت تتشكّل من ثلاثة أطراف: “القوات” و”العونيون” و”الأحرار”. وفي 30 نيسان 2001 أعلنا رسمياً عن ولادة لقاء قرنة شهوان. وتبعتها مصالحة الجبل. تصاعد كلّ هذا الحراك أزعج السلطة اللبنانية الأمنية التي سارعت لضربِ عصبه وكلّ فرد يُشكّل خطراً على النظام الأمني السوري – اللبناني. واختاروني لسببين، اولهما أني لست مارونياً بل من مذهب السريان الكاثوليك وبالتالي لا مرجعية طائفية قوية تحميني. وثاني الأسباب أني لست لبنانياً بالدم بل سورياً، حلبياً. وكنتُ منتمياً الى “منظمة العمل الشيوعي” قبل “القوات اللبنانية”، وشعروا أن إلصاق تهمة العمالة بي، لكل هذه الأسباب، سهل. وفي المقابل كنت منفتحاً على زعامات إسلامية مثل سليم الحص وحسين الحسيني وتمام سلام. والتنسيق بين الطوائف يُخيف من يريد أن يبقى ملكاً متوجاً على عرشِ الإنقسام.

ماذا عن رمزي كنج الذي أوقف في التاسع من آب، بعد يومين على توقيفات 7 آب؟ يجيب كنج من ضفاف شواطئ قبرص، بعد أيام على إصدار قيادة “التيار الوطني الحرّ” قراراً بفصله، مشيراً الى أن 7 آب هو مرحلة من مراحل النضال الطويل الذي بدأ في 1999 وانتهى في 2005. ويشرح: أملنا بعد 2005 أن “يقوم الوطن” وتتحقق الدولة القوية والمؤسسات لكن تأكدنا لاحقاً أن بعض اللبنانيين رواد في الفساد أكثر من الغرباء. ويستطرد: كان النشاط محصوراً بيننا (العونيين) وبين “القوات” بين عامي 1991 و2001، مع فارق الهموم بين الإثنين. وبدأت الأصوات تطالب، وبإلحاح، بخروج الجيش السوري وكنا طليعيين في كسرِ الخوف. وأتت أحداث 7 آب “لتربية الناس فينا”.

وماذا عنهم اليوم؟ ماذا عنهم بعد 18عاما؟ يجيب: أصبح جزء كبير من “التيار الوطني الحرّ” تنظيمياً خارج التيار، بعدما كانوا أركانه وأعمدته، لكنهم ما زالوا داخل الحلم والمبادئ. والأيام جايي…

ماذا يقصد بالأيام جايي؟ يجيب: ضعي ثلاث نقاط…

كان رمزي كنج أحد الأشخاص الخمسة الذين أوقفوا في 9 آب وهم يرفعون صور “الجنرال” ويهتفون: حريّة سيادة إستقلال. و”خمستهم” باتوا اليوم خارج “التيار”. فمثلما ليست هناك “حبوس بتساع كل الناس” يبدو أن “التيار” لا يتسع لكل الناس”!

المناضل في حزب الأحرار إدي شمعون أصبح اليوم المحامي الأستاذ إدوار شمعون. مرّت 18 عاماً في حياة الشاب فهل أثرت “الخبرة المضافة” على آرائه من سير أحداث 7 آب؟ يجيب: لم نكن نُفكر أن هذا صحّ وهذا خطأ. كلّ تفكيرنا ذهب في اتجاه النضال من أجل لبنان. أوقفونا ونحن نوزع المناشير. كانت أيام، على رغم قساوتها، جميلة. كانت لدينا “وحدة حال”. كنا نتحرك في اتجاه المدارس والجامعات ونعمل من أجل تحرير لبنان من “السوري”. كنا حين يقترب الخطر منا نهتف: “يا سوري يا… شو اللي جابك ع بيروت”؟ فيفهم الشباب أنهم يقتربون منا. كنا نحلم بلبنان وكان هذا يجعلنا نتخطى كُلّ التحديات.

ما رأي سلمان سماحة؟ هل اختلفت قراءته في 18 عاماً؟ يجيب: لا معطيات جديدة ظهرت لنغيّر قراءتنا. ويستطرد: هناك سؤال أساسي طرحته على نفسي: لماذا طلاب “القوات”؟ وجوابه كان: لم يكن هناك أي مبرر حتى يُصار الى تطويق طلاب القوات، كوننا لم نشارك شعبياً في زيارة البطريرك الى الجبل. لكنهم كانوا يريدون قطع الطريق أمام “مدّ الجسور” بين “القوات” و”التيار” و”الأحرار” و”المعارضة الكتائبية”. طلاب القوات حافظوا على خطابهم وثوابتهم وهذا ما أخاف السلطة.

نمرّ أمام ساحة 7 آب في محيط منطقة العدلية ونقرأ عبارة مذيلة بتوقيع إدوار حنين: لا غوغائية في الدولة! نستمع الى جميل السيّد (النائب) وهو يدعو الناس الى التحرك والثورة كي “لا يأكلوهم ويشربوهم”. نراجع كتاب يوسف الحكيم الذي قرأه نديم لطيف في الإعتقال. نتذكر رفيق الحريري ونربط بين الأحداث وننظر الى المستقبل ونتمعن في عيون الشباب، ولا ننسى مطلقاً مقولة بطريرك الإستقلال: “خروج السوريين من لبنان أبقى على نفوذهم نتيجة تقيّد البعض بوصايتهم، لكن النضال يجب أن يستمر من أجل قيام الدولة”. كلامٌ يجعل الكثيرين يصرخون من جديد: حريّة سيادة واستقلال.

دفع السياديون الثمن باهظاً وما زالوا يدفعون. وبين 2001 و2019 الكثير من القواسم والجوامع المشتركة ومن “المطبّات” والأحلام والعمل.