IMLebanon

هل تنفجر النفايات في وجه الحكومة؟

كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:

 

يشبه صيف زغرتا 2019 صيف بيروت 2015، وربما لا ينقص المشهد سوى حراك قد تبدأ تباشيره اليوم. إذ تعاني المدينة منذ أسابيع من أزمة نفايات، لكن رائحتها لم تنبعث بقوة عبر الإعلام إلا بعدما أُعلن الحل بفتح مكب تربل قبل أن يعلن لاحقا اللاحل بإقفاله لأسباب بيئية وغير بيئية منها رفض منطقة الضنية ان تتحمل نفايات الأقضية الأخرى.

النفايات تملأ شوارع مدينة زغرتا التي يقصدها السياح والمغتربون بحثاً عن الراحة والهواء النظيف، فتحولت إلى مكبات بانتظار حل أو اتفاق ما. تحاول البلدية الحد من المخاطر من خلال جمع النفايات في أكياس كبيرة بيضاء ليكون المظهر أقل فظاعة. لكنها أكياس لا تمنع انتشار الروائح الكريهة وتذكير السكان طوال الوقت بمشكلة النفايات المرمية أمام بيوتهم ومحالهم حتى وإن حاولوا الإشاحة بنظرهم عنها.

يعبّر بعض السكان لـ “نداء الوطن” بغضب عن واقع الحال، وعن معاناتهم. يقول أحدهم بتهكّم: “إنه عهد التغيير والإصلاح”. بينما يشكو جاره المعاناة المستمرة منذ شهرين ويؤكد أنهم وُعدوا بحلول لم ينفذ أي منها. يعبّر الرّجل عن خيبته بإيقاف خطة وزير البيئة فادي جريصاتي لحل الأزمة عبر فتح مكب تربل، متهماً رئيس الحكومة سعد الحريري بالعرقلة، ويتساءل: “يقولون إن المكب غير صحي، فهل رمي النفايات بين المنازل صحي؟”. يتابع الرجل كلامه بغضب: “المشكلة أنه لم يعد هناك زعماء في زغرتا، وهؤلاء الموجودون الآن يرضخون بسهولة”. يشير رجل إلى انها المرة الأولى التي تشهد فيها زغرتا أزمة كهذه، “عندما عانت بيروت من أزمة نفايات كانت تنظف طرقات زغرتا من النفايات خمس مرات يومياً”. ويشير بائع القهوة الى أن أحد المغتربين الذين يعرفهم عاد لقضاء الصيف في زغرتا لكن مشهد النفايات جعله يغادر بعد مدة قصيرة من قدومه.

 

تمرّ ضمن نطاق بلديات أخرى تعاني هي أيضاً من أزمة نفايات، لكن لا نفايات تملأ طرقاتها. فبعض البلديات وجدت أماكن تجمع فيها النفايات بعيداً من أعين السكان وأنوفهم. وعن المعالجات الآنية، أبلغنا رئيس بلدية زغرتا أنطونيو فرنجية أن البلدية “سحبت” نحو 60% من النفايات المرمية في الشوارع ونقلتها إلى مكبات وأماكن اخرى لكنها لم تتمكن من نقلها كلها. ويشير فرنجية إلى أن الأقضية المحيطة بزغرتا تقوم أيضاً برمي نفاياتها عندنا”.

وبدأت أزمة النفايات في الشمال مع إقفال مكب “عدوة” ( الضنية) منذ حوالى أربعة أشهر. على الرغم من أنه لم يبلغ الحد الأقصى من قدرته الاستيعابية بل يحتاج إلى سنوات حتى يمتلئ، وهو ما طرح تساؤلات عن توقيت وأسباب إقفاله. فلم تجد بلديات أقضية بشري الضنية المنية وزغرتا مكبات ترمي فيها نفاياتها. الأمر الذي وضع البلديات أمام تحدي إيجاد المكبات بانتظار أن تجد وزارة البيئة الحل المناسب. وما كاد وزير البيئة يعلن “يوماً تاريخياً على مستويات عدة لأننا وصلنا لحل يمكن أن نعلن معه بداية حل أزمة النفايات للأقضية الأربعة في الشمال” وفتح مكب تربل، حتى طلب منه الحريري إغلاق المكب لتستمر الأزمة في الأقضية الأربعة، بعد أن انقلب على المكب نواب كانوا من المؤيدين له.

في اتصال مع “نداء الوطن” يعلن رئيس اتحاد بلديات الضنية، خالد الدهيبي، أنه عمد الى حل أزمة النفايات في الضنية بشكل موقت منذ نحو 20 يوماً عبر نقل النفايات إلى أماكن موقتة. ويشير الدهيبي إلى أن الضنية شهدت أزمة كتلك التي تعاني منها زغرتا اليوم، لكن البلدية حصرت المشكلة في مكان واحد. يعبر الدهيبي عن شعوره بأن مكب تربل لن يفتح، ويقول إن المسؤولين لم يتوقعوا ذلك. ويرى رئيس اتحاد بلديات الضنية أن الحل “الأريح” أن يقوم كل قضاء بمعالجة نفاياته، “وبذلك لا يجد الأهالي ذريعة لرفض المكبات”. ويشير الدهيبي الى أنهم، وكإتحاد بلديات لن ينتظروا، سيسعون لحل خاص بالاتحاد واستشارة خبراء بيئيين. أما معمل الفرز في المنية والذي توقف عن العمل بعد انتهاء عقد تشغيله، فمن المتوقع أن يعاود نشاطه الشهر المقبل ليعالج 80 طناً من النفايات مع توقع بأن تبلغ نسبة العوادم الناتجة عن الفرز نسبة 35%.

في ظل اللاحل، هل ستشكل التحركات قوة ضغط وفي وجه مَن؟

النائب فادي سعد أكد لـ “نداء الوطن” مشاركة القوات اللبنانية في التحركات المطالِبة بحل الأزمة وذلك بالتنسيق مع بقية النواب في أقضية الشمال. ويعبر سعد عن تفاجئه بقرار إقفال المكب لا سيما وأنه حصل فيما العمل جار على خطة ستشمل الإقضية الأربعة بالإضافة إلى قضاء البترون. ويروي سعد أنه زار الرئيس الحريري من أجل فتح المكب، “وأظهر الحريري تجاوباً لكن لا ادري بما اصطدمت الأمور بعدها”. ويدرك سعد وجود إشكالية بيئية حول المكب، “بالتأكيد ليس مطمراً صحياً ولا مكباً، لكنه شيء بين الإثنين، ولا يحترم البيئة بشكل كاف”، لكنه وعلى الرغم من ذلك يشدد على ضرورة إعادة فتحه موقتاً، “لأن هناك السيئ والأسوأ”. ويرفض النائب سعد الطرح القائل بأن يهتم كل قضاء بنفاياته ،”في لبنان لا حل واحداً لكل المشاكل، ولكل قضاء خصوصيته الجغرافية والديموغرافية، ويجب أن يتناسب الحل مع هذه الخصوصية. كذلك هناك صعوبة بأن تقنع قضاء بقبول نفايات غيره من الأقضية، لكن زغرتا والكورة وجبيل والبترون لا تملك أراضي شاسعة لمعالجة نفاياتها. أما عن قرار الحريري إقفال المكب فيعتبر بأنه صدر من منطلق بيئي ولكن أيضا محلي، “فعادة تكون المواقف متناسقة مع توجهات الرأي العام”.

من جهته يؤكد جورج وهبة، من لجنة متابعة مكب تربل، أن معظم المسؤولين الذين أيدوا حل المشكلة عبر فتح مكب تربل تراجعوا عن قرارهم وباتوا معارضين للمكب. ويُرجع وهبة السبب في تراجعهم إلى تأكيد دراسات جيولوجية أن إقامة المكب في تربل سيؤدي إلى تلويث المياه الجوفية في مناطق واسعة، “فالمكبات المزمع إنشاؤها وباعتراف وزير البيئة هي مكبات عشوائية”. ويطرح وهبة شكوكاً، “أعلنت وزارة البيئة أن 100 ألف متر كافية لإقامة المكب، بينما تبلغ مساحة مكب تربل نحو 650 ألف متر، ويجاوره نحو 150 ألف متر من المشاعات. أي خصصت له مساحة 800 ألف متر، ما يعني أنهم يريدونه مكباً لكل لبنان لا للأقضية الأربعة”. ويتوقع وهبة أن تفرض المحرقة كواقع بعد جمع نفايات لبنان في تربل. ويتحدى وهبة المؤيدين للمكب بأن يثبتوا علمياً صلاحية الموقع، “فلا وثيقة علمية تثبت ذلك”.

في طرح الشكوك أيضاً، يروي وهبة أن ملكية الأرض التي أعلن وزير البيئة إنشاء المكب عليها في تربل تعود إلى أحد رجال الأعمال “الطامح سياسياً والمقرب من الحريري، كذلك وتجمع بين إبنه وبين النائب طوني فرنجية علاقة صداقة”. ويرى وهبة في إبقاء النفايات في شوارع زغرتا بدل نقلها إلى مواقع أخرى محاولة من البلدية للضغط عبر الناس الغاضبين من أجل فتح المكب. ويعتبر وهبة أن الأقضية الأربعة متشابهة جغرافياً وتملك جميعها المشاعات ما يمكنها من إيجاد حل لنفاياتها، ويؤكد أنهم وفي حال أعيد فتح المكب سيضغطون هم أيضاً عبر الشارع لإعادة إغلاقه.

أما على صعيد أزمة النفايات في طرابلس الأقل حدة من سواها، وبحسب مسؤولة لجنة متابعة مشاريع طرابلس، ناريمان الشمعة، فالأزمة غير ظاهرة اليوم. ففي طرابلس مكبان للنفايات، وكان من المفترض أن يقفل المكب العشوائي في العام 2010. “وبدل ان يقفل ابتُدع مكب ثان بعدما حكي عن احتمال انفجار المكب الأول نتيجة احتباس الغازات، وقد بلغ طوله نحو 50 متراً أي ما يفوق المعدلات”.

وتروي الشمعة أن وزارة البيئة في عهد الوزير السابق طارق الخطيب، لم تكن على علم بإنشاء المطمر الذي بدأ العمل فيه قبل إجراء دراسات الأثر البيئي. وكشفت أنهم وعندما طرحوا الموضوع مع وزيرة التنمية الإدارية في حينها،عناية عز الدين، أخبرتهم أن مجلس الوزراء وافق على إنشاء سنسول بحري وليس مطمراً. وتشير الشمعة إلى أن كميات النفايات التي تدخل إلى المطمر فاقت التوقعات بنحو 60% من الكمية، ما يشير إلى احتمال أن يمتلئ بعد سنة، بينما كان من المتوقع أن يبلغ قدرته الاستيعابية بعد نحو ثلاث سنوات.

“أما معمل الفرز والتسبيخ المجاور للمكب والذي أعيد تأهيله منذ مدة، فقد توقف عن التسبيخ بسبب ضيق المساحة. ورغم أنه مجهز جيداً لكنه يعاني من سوء إدارة بسبب تشغيله من قبل شركة لا تملك الخبرة”، وفق الشمعة. مضيفة: “إن مسؤول الشركة وبعد تأهيل المعمل من قبل الاتحاد الأوروبي عمد إلى إقامة شراكة مع شركة فرنسية متخصصة كي يطابق الشروط اللازمة ليتمكن من الفوز بالمناقصة، وبعد فوزه بها عمد إلى فسخ عقد الشراكة. وتتقاضى الشركة اليوم من الاتحاد الأوروبي مبلغ 4 ملايين دولار سنوياً ومن المرجح أن يسدد الصندوق البلدي المستقل هذا المبلغ في ما بعد”.

أما بالنسبة إلى مكب تربل فلا ترى الشمعة ان طرابلس بمنأى عنه، وتعبر عن استعدادها لتنظيم التحركات للمطالبة بإقفاله في حال أعيد فتحه. “ففتح مكب تربل يهدد بتلويث مياهنا”، تقول. وترى الناشطة أن مكب تربل سبب موضوعي للتحرك لكن الأمر يستغل سياسياً “والأزمة الحالية مفتعلة بهدف الضغط في ما بعد لإنشاء محرقة، خصوصاً وأن المكب سينشأ على نطاق جغرافي كبير، وقد تنشأ مكانه محرقة لنحو 1000 طن يومياً”. وتنقل الشمعة عن النائب محمد كبارة انه توجه إليهم في أحد اللقاءات بالقول: “المحرقة حتصير حتصير ما تتعبوا حالكن، وادعو الله أن يتأمن مبلغ 440 مليون دولار اللازم لإنشائها”.