IMLebanon

التعيينات الدرزية: “صراع الأحجام” خارج الحكومة

كتبت كلير شكرفي صحيفة “نداء الوطن”:

تشحذ القوى السياسية سكاكينها تمهيداً لدخول “سوق” التعيينات الإدارية. تعد الحكومة، ومن خلفها العهد، بالشروع في أكبر ورشة تعيينات تشهدها الإدارة اللبنانية منذ عقود، إذا ما نجحت مكوناتها في عبور معمودية الخلافات والصراعات على “حبة” عضو من هنا، و”ورقة لوتو” مدير عام، من هناك.

حتى الآن، تبدو الأولوية للتعيينات القضائية حيث ينتظر أن تكمل الحكومة ما بدأه مجلس النواب في اختيار حصّته من تعيينات المجلس الدستوري، على أن تكون الخطوة التالية مخصصة لتعيينات نواب حاكم مصرف لبنان، خصوصاً اذا ما استمر الخلاف حول النائب الدرزي مقابل عدم ممانعة بقية القوى في التمديد للأعضاء الثلاثة الآخرين.

إلا أنّ تكريس التغيير في المركز الدرزي، كما يقول أحد الوزراء المتابعين للملف، سيفرض تغييراً في هوية شاغلي المواقع الثلاثة الأخرى: النائب الأرمني، النائب السني والنائب الشيعي. وبالتالي، القاعدة التي ستسري على أحدهم، ستسري حكماً على البقية.

من هذا المدخل بالذات، بدأ البحث في بعض الغرف المغلقة بشأن التعيينات الدرزية، حيث، “شهية” خصوم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، أي رئيس “الحزب الديموقراطي” طلال ارسلان ورئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب، مفتوحة على مشاركة المختارة في تسمية “رجالات” الدروز في الادارة العامة.

من واشنطن، علا صوت رئيس الحكومة سعد الحريري محذّراً من “الدق” بجنبلاط، مع أنّ أزمة البساتين انتهت إلى مصالحة خرج منها الزعيم الدرزي أقوى مما كان. ولم يفهم من كلام الحريري الآتي من خلف المحيط، إلا كونه تحذيراً استباقياً لما يمكن أن تنتجه طبخة التعيينات، خصوصاً وأنّ ارسلان ووهاب ينتظران الزعيم الدرزي على الكوع وسيبذلان جهداً استثنائياً لكي لا يفوتا فرصة يعتقدان أنّها “ذهبية”.

عملياً، يعد ارسلان ووهاب نفسيهما بثلث التعيينات الادارية، تكريساً لما يعتقدانه تمثيلاً لهما في الحكومة والذي يعبّر عنه الوزير صالح الغريب. ومع اختتام مسلسل أحداث الجبل على مصالحة حملت في طياتها تسوية مكتومة الصوت، يسعى خصوم جنبلاط إلى استثمار “مشهد النهاية” لأزمة البساتين، على نحو يدعم موقفهم على طاولة مجلس الوزراء حين ستشرّع أبوابها لاستضافة أطباق التعيينات، الواحد تلو الآخر.

في هذا السياق، يؤكد مصدر بارز في قوى الثامن من آذار أنّ ارسلان ووهاب محصنان بدعم حلفائهما، وتحديداً رئيس الجمهورية، “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”. فيما تضيف المعلومات انّ الوزير السابق وئام وهاب سبق له أن التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وفاتحه في المسألة أكثر من مرة، وقد وعده بري في الوقوف إلى جانبه وجانب ارسلان في حصتيهما من كعكة التعيينات.

ومقابل تأكيد خصوم جنبلاط تأمينهم أكثرية عددية في مجلس الوزراء تسمح لهم “بشطر” الكوتا الدرزية بينهم وبين “الحزب التقدمي الاشتراكي”، إلا أنّهم يشددون، كما تشدد مصادر قوى الثامن من آذار، على أنّ أيّاً من التعيينات لن يبتّ إلا بالتفاهم بين مكونات الحكومة، خصوصاً وأنّ الحريري حريص على إبعاد كأس التصويت المرّ عن مجلس الوزراء، وهو بالتالي سيعمل على حياكة التفاهمات قبل ولوج عتبة مجلس الوزراء.

ما يعني، أنّ طاولة مجلس الوزراء لن يسمح لها بأن تشهد معركة غالب ومغلوب في هذا الشأن، مهما تعاظمت دفاعات خصوم جنبلاط.

حتى الآن، لا تزال الصورة ضبابية، بمعنى أنّ ارسلان ووهاب لم يحددا المواقع التي سيحاولان اقتناصها من درب جنبلاط. كل ما قاما به حتى الآن هو وضع جردة بالمواقع المستهدفة: ستة مواقع فئة أولى، وأكثر من عشرين عضواً في مجالس الإدارة والهيئات الناظمة.

بالنتيجة، سيحاولان الخروج من مولد التعيينات بموقعيْن اثنين من الفئة الأولى وما يمكن تحصيله من أعضاء مجالس الإدارة. أما أبرز الشواغر في الفئة الأولى فهي: قاضي التحقيق العسكري في المحكمة العسكرية (شاغر بعد استقالة القاضي رياض ابو غيدا)، نائب حاكم مصرف لبنان، المدير العام للجلسات واللجان في مجلس النواب، المدير العام لوزارة الصحة، المدير العام للمهجرين (يشغله بالوكالة أحمد محمود منذ العام 2002)، قائد الشرطة القضائية (سيحال نهاية العام إلى التقاعد).

حتى الآن، لا ضمانة في أنّ ارسلان ووهاب سيتمكنان من إدارة هذا الملف تفاهمياً، ولا ضمانة أيضاَ في تسلحهما بتصلّب حلفائهما. كل ما يمكن الإشارة إليه في هذه اللحظة هو محاولتهما لتجيير نيابة حاكم مصرف لبنان إلى حصّتهما، وعدم السماح بتعيين قائد جديد للشرطة القضائية بلا توافق. مقابل الحماسة التي يبديها دروز الثامن من آذار لاقتحام ساحة التعيينات، لم يقل جنبلاط كلمته. لا اعتراضاً ولا قبولاً. لكن مصادر قوى الثامن من آذار تفيد أنّ ثمة موافقة ضمنية أبداها “البيك” خلال مفاوضات أحداث الجبل، بالسماح لخصومه بمشاركته “كعكة التعيينات”. لكن نسبة المشاركة لا تزال قيد الدرس والنقاش.