IMLebanon

العقوبات ما بعد بعد الضاحية

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

قبل حوالى الشهر أصدرت الإدارة الأميركية دفعة جديدة من العقويات على “حزب الله”، طاولت كلاً من رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد، والنائب أمين شري، ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا. القرار كان جديداً، ولكنه ليس مفاجئاً، وهو متوقع بشكل أو بآخر. إنما الجديد هو ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات عقابية، لن تبقى محصورة في بنية وبيئة “حزب الله “، إنما ستطاول الحلفاء وتؤثّر في الإقتصاد.

في الوقت الذي يستخف فيه “منظّرو الممانعة” بآثار العقوبات وانعكاساتها، والتي تهدف بشكل أساسي إلى وقف عمليات تبييض الأموال والحد من تمويل الإرهاب، ويجري تسويقها على أنها مجرد إقفال حساب من هنا ومنع تعاملٍ مع مصرف من هناك. تبرز الوقائع والأرقام بأن للعقويات الأميركية آثاراً كبيرة على أي إقتصاد، فكيف إذا كان الإقتصاد اللبناني، الغارق بكل أنواع المشاكل والعجوزات. فمقابل المكابرة التقليدية في وجه العقوبات، يستدل من موقف الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، في آذار الماضي، وجوب التعامل مع العقوبات وكأن “الحزب في حالة حرب”، نتيجة تهيّبهم الموقف وإحساسهم بسخونة العقوبات. وعلى عكس ما يشاع فإن السيد نصرالله، عبّر بوضوح عن صعوبة العقوبات الدولية المفروضة على حزبه، ودعا في ذكرى تأسيس “هيئة دعم المقاومة الإسلامية” إلى “الجهاد بالمال” وأن “المقاومة بحاجة الى المساندة والإحتضان الشعبي”.

الآثار المباشرة

مع شد الخناق بدأت الأزمة المالية في مؤسسات وجمعيات “الحزب” تتظهر إلى العلن، فلم يعد خافياً على أحد السياسة التقشفية التي يتبعها “الحزب”، والتي تمثلت في تخفيض نفقات مؤسسات الخدمة الاجتماعية، وإيقاف العمل بالبطاقات الصحية التي تشبه نظام الضمان الاجتماعي، وكذلك إيقاف العمل في بطاقة “نور”، التي توفر حسومات مالية في بعض المحلات التجارية، واللجوء إلى خفض الرواتب والمخصصات والتعويضات للمنتسبين، واستمرار تأخر صرف الرواتب، في العديد من مؤسسات الحزب الجهادية وحتى الإعلامية. وبالتالي فإن تصاعد العقوبات، وتوسعها سيمدد الأزمة على كامل الوطن، فالمعاقبون لا يعيشون على جزيرة، بل هم مكون أساسي في المجتمع اللبناني، ونشاطهم مكمل للدورة الإقتصادية، والضعف في حلقة سيعرقل سير بقية الحلقات، فتنخفض المداخيل، يتراجع الطلب، ويضعف الإستهلاك وتتباطأ الإستثمارات، ويتوقف التعامل مع الشركات والمؤسسات المصنفة… وهكذا يتمدد الجمود والإنكماش كلما زادت العقوبات وتوسعت. فـ “الأميركيون جديون جداً بهذا الموضوع، وسيسيرون به حتى النهاية. والعقوبات ستأتي تباعاً وفق الأجندة السياسية والتوقيت الإستراتيجي الذي تراه واشنطن مناسباً” يقول مدير “معهد المال والحوكمة التابع لمصرف لبنان”، هادي الأسعد، ويضيف: “ان القرار بتجفيف مصادر تمويل “حزب الله”، يَفرض على الإدارة الأميركية عدم القبول بالإستثناءات، سواء كانت أسماء أو مؤسسات. وعملية إستكمال اللوائح مرتبطة بعامل الوقت ليس أكثر ولا أقل “. وعن الآثار الإقتصادية العامة لهذه العقوبات يقول الأسعد، “إن الخطر الأساسي اليوم هو على سمعة لبنان، وانخفاض مؤشر الثقة فيه، وتراجع تصنيفه الإئتماني من قبل المؤسسات الدولية، وهو ما ينعكس على قابلية لبنان للإستدانة وتلقي الدعم. أما في ما يتعلق بالنظام المصرفي، فرغم كل التعقيدات والإرباكات التي تسببها العقوبات، فإن المصارف تطبق الشروط الدولية بحذافيرها، وإلا فان مصيرها سيكون وقف التعامل معها ومعاقبتها أيضاً”.

وعلى الرغم من أهمية الشق المالي، فإن العقوبات تعني أيضاً تقييداً كاملاً لتنقلات المعاقبين خارج لبنان، وهو ما يضع المسؤولين وتحديداً الوزراء والنواب المشمولين بلائحة العقوبات في موقف حرج، وفي موضع ضعف بالنسبة لعلاقات لبنان الخارجية. فالإدارة الأميركية لن تستثني أحداً ممن يدعم أو يسهل بشكل أو بآخر المصالح المالية والأمنية لـ”حزب الله” ويساهم بتعزيز الأنشطة الإرهابية الإيرانية. وهي كانت قد أدرجت في الماضي القريب على لائحة العقوبات أشخاصاً من خارج التنظيم الحزبي والطائفة الشيعية، مثل وئام وهاب. وعليه فإن تضييق بيكار العقوبات يثير مخاوف من أن “لا تعود العقوبات محصورة في “حزب الله”، بل أن تطاول كل لبنان، وأن يقع الإقتصاد ضحية الكباش الدولي القائم بين الولايات المتحدة وإيران. وهو ما يرتب علينا عاملاً إضافياً مسبباً للإنهيار الإقتصادي والمالي، الذي تتراكم عوامله سريعاً يوماً بعد آخر”. يقول عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص، ويضيف أنه “في الوقت الذي أُعيد فيه وضع ملفات سيدر وموازنة العام 2020 على كفة الميزان الإقتصادي، نتخوف من أن تثقل العقوبات الأميركية الكفة الثانية وتميلها لصالح استمرار التراجع او الإنهيار المالي”. ويقول عقيص، “إن القيود على تعاملات اللبنانيين مع الخارج ستصبح موضع فحص أدق من الجهات الدولية المطبقة والملتزمة بالعقوبات، وهو ما سيخلق المزيد من التعقيدات والضغوط على عمل المؤسسات والإقتصاد، كنا بغنى عنها”.

بالنظر إلى كمية العقوبات التي طاولت مسؤولين ومؤسسات داعمة لـ”حزب الله”، لا تبدو إجراءات الإدارة الأميركية جدية فحسب، إنما سريعة أيضاً، حيث أدرجت خلال عام واحد 40 مؤسسة وشخصية تدور في فلك دعم “الحزب”. ومن هنا فإن ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات ستكون صادمة ومؤذية في آن معاً.