IMLebanon

كي لا يأتي “سيدر” غير صديق للبيئة

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

 

مطلع نيسان من العام الماضي، حزم لبنان الرسمي أوراقه ولفّ خرائط مشاريعه، وانطلق إلى مؤتمر “سيدر”، الذي خصّص لدعمه بما يشبه المزايدة على تمويل المشاريع الإنمائية. فالبنية التحتية “أرهقتها” بحسب المسؤولين، كثافة النزوح وتزايد أعداد اللاجئين. فبلغ ما حصّله لبنان عن المرحلة الأولى ما يقارب الـ 11 ملياراً و800 مليون دولار، وحوالى 6 مليارات في المرحلة الثانية. “الطنة والرنة”، التي رافقت المؤتمر بدأت تخفت، ليس لعدم تقيّد لبنان بالإصلاحات المطلوبة والجدول الزمني فحسب، إنما بسبب ضعف الإستراتيجية التنموية التي اعتمدت، والتي يُشكل العنصر البيئي عمودها الفقري، وأيضاً لإمعان لبنان عن قصد، في إهمال آلياتٍ وطرق تمويلية أسهل وأسرع وأقل كلفة، في الكثير من المشاريع الحيوية.

“سيدر” ترافق مع تجميد وزارة الخارجية والمغتربين، بقرار من رئيس وحدة الارتباط والتنيسق في “حزب الله” الحاج وفيق صفا، طلب ترشيح الخبيرة في التنمية البيئية، الدكتورة ريما طربيه، إلى مركز نائب الامين العام لـ “الاتحاد من اجل المتوسط”، الذي يعنى بتعزيز الشراكة الأورومتوسطية. و”لو قّدر لي أو لأي لبناني الوصول إلى هذا المركز، لكانت إمكانية حصولنا على تمويل للمشاريع الإنمائية سهلة جداً، وتغنينا عن مؤتمرات الدعم” تقول ريما طربيه، في حديث إلى “نداء الوطن”، وتضيف “أن لبنان ضّيع فرصة أساسية في منع تبوئه موقع مسؤولية في الاتحاد من أجل المتوسط، لأسباب واهية وحجج غير منطقية. فمسموح لنا أن نشارك ونحضر الإجتماعات بشكل طبيعي، إنما أن نصل إلى سدة القرار فهذا ممنوع. وذلك بحجة وجود إسرائيل في هذا الإتحاد. ونتيجة الأمر كان ذهاب هذا المركز إلى تركيا، وتضييع لبنان فرصة حقيقية في نيل التمويل على المشاريع مباشرة من الإتحاد الاوروبي”.ضياع الأثر البيئي

أمام استمرار تضييع الفرص داخلياً وخارجياً، يصبح مؤتمر “سيدر”، خشبة الخلاص بالنسبة للإقتصاد. وعلى الرغم من أهميته وحيوية مشاريعه لتحقيق التوازن الإنمائي وصيانة وتجديد البنى التحتية المتهالكة والمهملة منذ العام 2004، فإن البيئيين يأخذون على “سيدر” عدم إيلائه الإهتمام المطلوب في القضايا البيئية. و”بنظرة واسعة على المشاريع المطلوب تمويلها من “سيدر”، نرى تداخلاً كبيراً مع البيئة سواء كان في شق الطرقات أو معالجة الصرف الصحي أو بإيصال وصيانة مصادر مياه الشفة أو معالجة النفايات أو إقامة السدود والمشاريع وغيرها الكثير”، تقول طربيه. وهنا يصبح النظر إلى الأثر البيئي بالغ الأهمية لسببين أساسيين: الأول، حماية لما تبقى من مقدّرات طبيعية جبلاً وبحراً. وثانياً، مراعاة للشروط الدولية، التي تعتبر حماية الطبيعة، وعدم ضرب النظام الإيكولوجي، من أولوياتها. فعدم التفريط بالمقدرات الطبيعية يعتبر أمراً بالغ الأهمية لتأمين سلامة الأفراد، وضمان استمرار التنوع البيولوجي. ومن هنا فإن نقاط ضعف “سيدر” بيئياً برزت في هذه النقاط، بحسب طربيه:

التكرير غير دقيق

معالجة المياه المبتذلة واحدة من أكثر المشاكل البيئية التي يعاني منها لبنان تاريخياً. فمحطات التكرير التي أنشئت في القرى والأرياف، وحتى في بيروت والمدن الكبرى كانت “أولية”، افتقرت إلى التقنيات الحديثة والمتطورة في تنقية المياه الآسنة بشكل كامل. والذي يُشغّل منها بطريقة فعالة، لا يمنع وصول المياه المشبّعة بالبكتيريا والملوثات العضوية إلى مصبات الأنهر ومن ثم إلى البحر. ومشكلة هذه المحطات عدا عن أنها قديمة، فهي غير قابلة للتجديد. وفي الوقت الذي أصبحت فيه المعامل الثلاثية هي المعتمدة لكونها الأكثر دقة في تصفية المياه المبتذلة، ومنع وصول مخلفات أدوية التنظيف والمبيدات المعقدة الى مصادر المياه، فإن المشاريع التي قدمت في “سيدر” ترتكز على المحطات الثنائية. وبالرغم من كونها مقبولة، إلا أنه لم يجر تحديد نوعها بدقة، وما إذا كانت من الجيل الحديث والمتطور أو الجيل القديم. ومن غير الواضح إن كانت المعامل الجديدة المراد إنشاؤها ستلحظ استبدال المحطات الاولية القديمة، وإن لم تفعل فان النتيجة لن تتغير وتكون هدراً للأموال.

ريما طربيه

“الشفّة” مبهمة

يعاني لبنان من نقص كبير، وتلوث أكبر في مياه الشفّة. وهو ما لحظه سيدر أيضاً، وأوصى من خلال مقرراته بمعالجة المياه بطريقة مستدامة من أجل تأمينها للمواطنين بشكل فعّال. وبالرغم من توزيع الخطة على المناطق إلا انه بيئياً لم يكن هناك تفصيل وافٍ. ليبقى المهم في هذه المشاريع أن يجري تنفيذها على قدر المسؤولية، وبالطرق الحديثة التي تكفل استمراريتها لفترة طويلة. فليس باستطاعة لبنان تأمين التمويل واقامة المشاريع ساعة يشاء. فهي تتطلب الكثير من الوقت والمال.زوال الشاطئ

تكبير وتوسعة مرفأ صيدا من مشاريع البنى التحتية في “سيدر”، وهو مشروع بالغ الأهمية. إلا أنه لم يلحظ حرفياً الأثر البيئي المدمر الذي سينتج عنه. فردم البحر سيؤدي إلى تعرية الشاطئ اللبناني، وإيقاف الرمل الذي يصعد من الناقورة إلى الشمال. وبالتالي ستبدأ الشواطئ الرملية نتيجة الإستمرار بردم البحر في العديد من النقاط بالانحسار تدريجياً، حتى نصل إلى مرحلة يختفي فيها الشاطئ الساحلي.النفايات مهمشة

تقع خطة معالجة النفايات الصلبة في مشروع “سيدر” في صفحة يتيمة رقم 125، وعلى الرغم من غرق لبنان بالنفايات، واعتبارها واحدة من أهم المشاكل التي نواجهها، لا تزال طريقة التعامل معها غير مجدية. فتم توسيع المطامر الشاطئية وغابت النية في إجراء عمليات الفرز من المصدر.. فلبنان ينتج 2.4 مليون طن من النفايات سنوياً، تشكل العضوية منها حوالى 55 في المئة. ومن هنا لا يوجد أي توجه فعلي أو جدي لكيفية المعالجة، سواء كانت بالتفكك الحراري أم المطامر ام حتى الفرز من المصدر. هذا وعلم أن لجنة معنية بالنفايات داخل مجلس الوزراء ما زالت تدرس الإقتراحات التي سترفعها إلى “سيدر” في المرحلة المقبلة.

الحديث عن تنفيذ المشاريع البيئية واحترام الأثر البيئي تقابله مشكلة توزيع الخطط على الوزارات، وعدم حصرها في مرجعية واحدة تضمن حسن التنفيذ، الأمر الذي يعرّض هذه المشاريع إلى إيقاف التمويل. فالمطلوب من “سيدر” أن يكون صديقاً للبيئة، فلا يكفي سرد المواضيع أو إدراج المشاريع الإستثمارية على اللوائح، إنما المطلوب رؤية شاملة تأخذ في الإعتبار ثروة لبنان البيئية، وأن تكون المشاريع منخرطة في إطار التنمية المستدامة.