IMLebanon

“القوات” خارج “الدستوري”… إبحثوا عن بصمات باسيل!

كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:

من دون أن يرفّ له جفن، “تخلى” رئيس الحكومة سعد الحريري عن “حليفه العتيق” رئيس حزب “القوات” سمير جعجع. لم ينفع “التعهد” الذي قطعه رئيس الحكومة أمام ممثلي “حكيم معراب” وكرره أكثر من مرة على مسامع هؤلاء، في دعم مرشح “القوات” سعيد مالك لضمّه إلى “اللائحة التوافقية” التي ستكمل عقد المجلس الدستوري، بإلزام الرجل بكلمته. فكانت النتيجة: “القوات” خارج المجلس الدستوري.

أقله هكذا تبدو الصورة من “النافذة القواتية”.

ببساطة، عاد الاختلال من جديد إلى العلاقة الثنائية بين بيت الوسط ومعراب، ليضربها في الصميم. وقد تكون المرة الأولى التي يقرر فيها القواتيون “بق البحصة” لقول ما لم يقولوه في أي محطة خلافية: “نأسف لعدم وجود أخلاقيات في السياسة”. كما عبرّ الوزير ريشارد قيوميجيان بعد خروجه من الجلسة.

ليست المرة الأولى التي يهتزّ فيها عرش الثقة بين الطرفين. سبق لهما أن تذوقا كأس الشكوك المتبادلة لفترة طويلة، وتحديداً بعد عودة الحريري من السعودية واستقالته من هناك. وعشية اقرار القانون الانتخابي كان الحليفان يلعبان في ملعبين مختلفين أيضاً.

كما طاولت شظايا الغضب القواتي، رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لطالما شكّل “ملجأ” لـ “القوات” حين يشتد الحصار السياسي من حولها. حتى الأمس القريب، لا يزال القواتيون يذكرون كيف وقف الرئيس بري إلى جانبهم في معركتهم الحكومية، حين سعى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى محاصرتهم واحراجهم لاخراجهم من جنّة سعد الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون. بري، بدوره، ترك معراب تغرق في مستنقع وحدتها.

وحدها المختارة أمسكت بيد “القوات”، ولكنّ يدين اثنتين فقط ليس بمقدورهما تأمين أكثرية حكومية تكسر الطوق، فكانت النتيجة أن اكتفى وزراء “القوات” بتسجيل موقف والخروج خالي الوفاض.

ومع ذلك، لم يكن السيناريو الانقلابي بمثابة صدمة للقواتيين الذين دخلوا الجلسة وهم يعرفون أنّ “اللائحة المسقطة بالباراشوت” لن تسمح بهبوط مرشحهم بشكل آمن، لا بل تمّ تطييره قبل ساعات من موعد الجلسة.

تعود أصول الرواية إلى المحطة الأولى من محطتي انتخاب أعضاء المجلس الدستوري، حين توزّعت سلّة مجلس النواب من التعيينات بين “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل” و”تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، في حين بقيت “القوات” خارج “المنطقة المحظية” على أمل “تعويضها” في الحكومة، كما وعدها كل من الحريري الذي أمّن تأييد باسيل كما أبلغهم، وبري الذي وعد كلّاً من الوزير السابق ملحم رياشي والنائب جورج عدوان بدعم ترشيح سعيد مالك.

ولهذا هضمت “القوات” الجولة الأولى من الاستبعاد وتجنّبت خوض إشكال مع الرئيس بري على خلفية إخراجها من “صفقة” سلّة المجلس، لأنها حرصت على عدم استفزازه. وإذ بها توضع خارج أسوار المجلس الدستوري.

وفق المطلعين على العلاقة بين بيت الوسط ومعراب، المسألة أكبر من قصة تعيين عضو في المجلس الدستوري. ثمة مسار طويل يثير استياء رئيس الحكومة منذ مدة وقد عبّر عنه بهذه الطريقة.

وفق هؤلاء، لم ينس الحريري كيف صوّتت “القوات” ضدّ قانون الموازنة و”تنطّح” نوابها اعتراضاً على أداء الحكومة التي تضم أربعة وزراء قواتيين، كما لم “يبلع” حملات “النقّ”، لا بل التشويه، التي تمارسها “القوات” إزاء الوضعين المالي والاقتصادي على نحو يزيد من الضغط على رئيس الحكومة ومن جهوده لمحاصرة مفاعيل هذه الحملات وتطويق كلفتها على الخزينة العامة، فضلاً عن التأثير السلبي على مشاريع “سيدر” ومانحي قروضها.

بالنسبة لهؤلاء، كان موقف الحريري بالتخلي عن دعم “القوات” منسجماً مع “استيائه” من أداء معراب خلال المرحلة الأخيرة. إذ تفيد المعلومات بأنّ رئيس الحكومة لا يزال يحاول لملمة آثار “الانتفاضة” التي سببها وزير العمل كميل أبو سليمان في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، فيما الأخير لا يبدي أي ليونة من شأنها أن تعيد الوضع إلى هدوئه.

الرواية الحريرية

ولكن بالنسبة لأوساط رئيس الحكومة، الرواية مختلفة كلياً: “تيار المستقبل” تعهد دعم مرشح “القوات” خلال الجولة الأولى في مجلس النواب، إلا أنّ قيادة “القوات” أبلغت رئيس الحكومة عشية الجلسة التشريعية أنها اتفقت مع الرئيس بري على ترحيل حصتها من التعيينات إلى الحكومة. وتبيّن بالأمس أنّ “التيار الوطني الحر” وحلفاءه بمن فيهم حركة “أمل” متفقون على ماروني غير سعيد مالك.

تتابع الرواية الحريرية أنّ رئيس الحكومة سعى إلى اقناع “التيار” بمنح “القوات” مرشحاً كاثوليكياً أو أرثوذكسياً، ونجح في ذلك، لكن موقف معراب كان حاسماً: إما ماروني وإما لا شيء. ولذا ترفض أوساط رئيس الحكومة تحميل القضية أكثر مما تحتمل.

ومع ذلك، حين يُسأل “القواتيون” عن تعليقهم على مجريات جلسة مجلس الوزراء يجيبون: “ابحثوا عن بصمات جبران باسيل!”.

ويلمحون إلى أنّ الحريري تراجع عن كلمته على نحو غير مسؤول. هذا توصيف محسوم بنظرهم. أما تبريراته التي وضعها على طاولة معراب، فـ “لا تفي بالغرض”، وتفيد أنّ باسيل هو من وضع فيتو على مرشح “القوات”، ولو دعم “تيار المستقبل” المرشح سعيد مالك لكان تسبب باصطفاف عمودي في مجلس الوزراء لا طائل منه لأنه لن ينتهي لمصلحة معراب. ولهذا قرر الحريري إخراج مرشح “القوات” من “لائحة الشرف”.

ويشيرون إلى أنه “اذا كان تصرف الحريري ناجماً عن ردة فعل على معارضتنا الموازنة، فهذا يعني أنه تصرف في غير محله لأنّ الاعتراض على الموازنة لم يكن موجهاً ضدّ رئاسة الحكومة وإنما لحمايتها”.

ومع ذلك، يؤكدون أنّ “ما يجمعنا بـ”تيار المستقبل” هو حلف استراتيجي. ومن المؤسف أن يكون الحريري قد تركنا في منتصف الطريق وقطع الحبل فينا”.