IMLebanon

شحّ الدولار يهدّد المؤسسات

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

إنتقل الدولار “$” في لبنان من موقع العملة، إلى محرك للإضرابات والإعتصامات، مثله مثل عدم توفر فرص العمل والإنقطاع عن دفع الرواتب في المستشفيات الحكومية، وغياب النية عن تسديد مستحقات المقاولين والمتعاملين مع الدولة وغيرها. وإن كان هناك قاسم مشترك بين العملة الخضراء ومسببات المشاكل فهو، عنصر الندرة.

ما يحصل من رفض بعض المؤسسات التعامل بالليرة اللبنانية، وفوضى تسعير صرف الدولار في بعض القطاعات، واحتجاج أصحاب المحطات على عدم قدرتهم على تحويل الليرة الى دولار، وإعلانهم الإضراب، وصولاً اليوم إلى امتعاض نقابة الصرافين من الممارسات التي تطاولهم جراء عدم الإلتزام بسعر الصرف الرسمي، واتخاذهم قراراً بالإضراب المفتوح إبتداءً من نهار الجمعة 30 آب الحالي، كلها مؤشرات تنذر بواقع خطير، السكوت عنه مشكلة وتقييده بالأطر القانونية مشكلة أكبر.

أزمة نقدية

أمام محل بيع الأجهزة الخلوية الذي يخصص جزء منه لشركة تحويل الأموال العالمية “ويسترن يونيون”، تقف سيدة خمسينية حائرة، وإمارات الإستغراب على وجهها. وبجواب على سؤال بسيط عن مشكلتها، لخصت السيدة الأزمة النقدية التي تعصف بمعظم العائلات والشركات اللبنانية، فقالت: “يحوّل أبني شهرياً من إحدى الدول الخليجية مبلغ الفي دولار أميركي، لسداد بعض القروض، وكإعانة لي على شراء الأدوية وبعض المتطلبات الحياتية الأساسية. لكن ما يحوّله بالدولار أتقاضاه بالليرة، الأمر الذي يضطرني للجوء الى محلات الصيرفة لتحويل العملة إلى الدولار من جديد بهامش صرف مرتفع، كي أستطيع تسديد السندات المقيّمة بالدولار. وبالإضافة الى فرق العملة فهذه العملية تسبب الإرباك والإزعاج”.

القطاعات تترنّح

هذا الواقع المستجد هو المحنة التي تعصف بالعائلات والقطاعات التجارية والإنتاجية التي تشتري المواد الأولية بالدولار، وذلك منذ توقف المصارف عن تبديل العملة من الليرة إلى الدولار بالسعر الرسمي المحدد بـ 1513، واضطرار شركات الصيرفة إلى اعتماد سعر صرف أعلى وصل إلى 1560، نتيجة ارتفاع الطلب على الدولار أو نتيجة استغلال وضع السوق. وإن كانت خسارة الأفراد جراء عمليات تحويل العملة بسيطة نسبياً ومقدوراً عليها، فقد تضخمت في القطاعات التجارية والإنتاجية، إلى درجة إمتصاص ربح أصحاب محطات بيع المحروقات بحسب مصادر النقابة، وتكبيد مستوردي مختلف السلع والخدمات أكلافاً باهظة.فقدان الدواء

المشكلة بدأت تأخذ منحًى خطيراً في قطاع بيع الأدوية، فإذا كانت متاجر الملبوسات والإلكترونيات وقطع السيارات وحتى السلع الغذائية تستطيع التسعير والبيع بالدولار فإن “شركات بيع الأدوية المستوردة تعتبر من القطاعات القليلة المحكومة بالتسعير والبيع بالليرة اللبنانية، وعلى أساس سعر الصرف الرسمي المحدد من وزارة الصحة بـ 1507,5، ذلك مقابل شرائها الأدوية والمنتجات الطبية بالعملات الأجنبية وبالدولار الأميركي بالتحديد”، يقول نقيب مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات كريم جبارة.

ويضيف: “نواجه منذ حوالى الشهرين صعوبة كبيرة في الحصول على الدولار من المصارف التجارية لتأمين أسعار المستوردات الأجنبية من الدواء، الأمر الذي يدفعنا مكرهين إلى الصرافين، الذين بدأوا يتعاملون بسعر صرف مرتفع جداً عن السعر الرسمي المعمول به، وهو ما يؤدي إلى أمرين: الأول، عدم القدرة على تأمين الأدوية من الخارج، إذا استمر الوضع على هذه الحال في المستقبل القريب، والثاني، تكبد المستوردين خسائر كبيرة نتيجة ارتفاع سعر الصرف، والتهديد بإقفال هذه الشركات وتعريض القطاع الصحي الى نقص كبير في الأدوية”. وبرأي جبارة، “إن الذي يحصل لم يعد مزحة، وهو يتطلب تدخلاً جدياً من المسؤولين لتأمين الدولار بسعر الصرف الرسمي، أو تحديد “كوتا” من الدولار لاستيراد الادوية، كونها سلعة استراتيجية، لها الأولوية على بقية السلع والمنتجات المستوردة من الخارج. إذ في ظل سعر الصرف الحالي، تستطيع بعض الشركات الصمود لأشهر معدودة، أما إذا ارتفع معدل الصرف 9 او 10 نقاط فإن الكثير من الشركات ستغلق أبوابها في غضون أسابيع قليلة”.

قطع الدولار

كل ما يجري لم يؤدِ إلى حلحلة الأمور. بل أتت مقررات نقابة الصرافين لتضيف المزيد من التعقديات، حيث أعربت النقابة عن نيتها في الإضراب والتوقف عن تأمين صرف الدولار إحتجاجاً على ما وصفته بـ “الممارسات التعسّفية بحق الصرّافين”.

وأكدت في بيان لها أن الإضراب سيكون مفتوحاً وسيستمر “لحين استتباب التعامل مع شركات ومؤسسات الصرافة على نحو قانوني وسليم، لا سيما أن مهنة الصيرفة منظمة بقانون، ومؤسساتها مرخصة من مصرف لبنان وتخضع لرقابته”. وبناءً على المعلن فإن شركات الصيرفة لن تعود إلى عملها المعتاد إلا حين يعود سعر الصرف الى المعدلات الطبيعية المعمول بها سابقا. فبحسب رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي د.بول مرقص “هناك إشكاليتان تواجهان عمل الصرافين: الأولى، ان الصرافين ملزمون من جهة باعتماد سعر صرف العملة كما يحدده مصرف لبنان، على اعتبار أنهم يخضعون لسلطته ورقابته، وما مدى توافق ذلك من جهة أخرى مع مبادئ الإقتصاد الليبرالي الحر المكفول في الدستور، والذي ينص على حرية التبادل والقطع وتحويل الاموال. أما الإشكالية الثانية فتكمن في القدرة العملية على الإلتزام من قبلهم بالسعر المحدد، كونهم يعتبرون أنهم يشترون الدولار بسعر أعلى من السعر الرسمي”.

وبناءً على ذلك يصبح السؤال المطروح، إلى أي مدى ممكن أن تكون الإجراءات والتدابير الإصطناعية التي يتخذها المعنيون لضبط ميزان المدفوعات والحد من الدولرة فعالة، وألا تعطي نتيجة عكسية من خلال إسهامها في خلق حالة من الهلع في السوق، ومزيد من الطلب على الدولار، كما يحدث اليوم؟ فيكون عندها إنقلب السحر على الساحر. وبحسب الخبراء فإن “الثقة لا تخلق بالقوة، إنما تبنى، وكل ما يجري اليوم، يضعف الثقة بالليرة اللبنانية ويعمّق الحاجة الى الدولار”.