IMLebanon

سفير سيدر يَبُقّ البحصة: تعهُّدات الدول المانحة مشروطة!

كتب عمر البردان في صحيفة “اللواء”:

كانت الرسالة واضحة من الموفد الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مؤتمر «سيدر» بيار دوكان، بأن الوضع الاقتصادي في لبنان شارف الخطوط الحمراء، ولا بد من أن تستلحق الحكومة نفسها وتبادر إلى المسارعة في اتخاذ خطوات إصلاحية، لإخراج لبنان من هذا الواقع الأليم الذي يعيشه، في ظل تراجع الأرقام الاقتصادية في الأشهر الأخيرة على نحو لا يطمئن. وهذا ما أشار إليه دوكان في مؤتمره الصحافي المطول الذي عقده، الخميس، والذي تعمد إطالته للإضاءة على المخاطر الحقيقية التي تتهدد الإقتصاد اللبناني، من أجل حث المسؤولين على المباشرة باتخاذ إجراءات سريعة، لناحية التركيز بصورة أساسية على ملف الكهرباء الذي أكد الموفد الفرنسي للذين التقاهم، على وجوب أن تكون له الأولوية في أي عمل إصلاحي في المرحلة المقبلة .

وعلمت «اللواء» من مصاد وزارية، أن السفير دوكان، وإن أعرب عن أمله بأن يتجاوز لبنان هذه الأزمة التي يمر بها، بعدما لمس إصراراً من المسؤولين الذين اجتمع إليهم بأن الحكومة عازمة على استكمال توصيات «سيدر»، إلا أنه لم يكن مرتاحاً لما أنجز حتى الآن، وأنه كان يأمل بتحقيق إنجازات أكبر من تلك التي تحققت، بالنظر إلى حراجة الظروف الصعبة التي تواجه لبنان، ما يستدعي المباشرة بخطوات أشمل وأفعل للخروج من عنق الزجاجة، باعتبار أن مهلة الستة أشهر التي أعطيت للبنان من جانب مؤسسات التصنيف الدولية، قد لا تكون كافية للبلد لتحسين صورته المالية، الأمر الذي يفرض على الحكومة أن تكون فاعلة أكثر في إجراءاتها الإصلاحية التي تعهدت بها للدول المانحة.

والأمر الذي أخذ حيِّزاً من محادثات دوكان مع وزير المال علي حسن خليل، كان موضوع موازنة الـ2020 التي أصر الموفد الفرنسي على أهمية وضرورة أن تقر في وقتها الدستوري، لأنها تعكس رغبة الحكومة على تنظيم أمورها المالية، شريطة أن تكون موازنة تقشفية إلى أقصى الحدود، وأكثر من موازنة العام الحالي، وقد كان رئيس الحكومة سعد الحريري واضحاً وصريحاً في كلامه مع السفير دوكان، أن حكومته ملتزمة إقرار الموازنة وإحالتها إلى مجلس النواب، دون تأخير، كما أن الأمر نفسه سمعه المبعوث الفرنسي من وزير المال علي حسن خليل الذي أبلغ ضيفه أن الأمور بما يتعلق بموازنة العام المقبل، سائرة على الطريق الصحيح، خاصة وأن مجلس الوزراء سيبدأ الأسبوع المقبل في البدء بمناقشة مشروع موازنة السنة المقبل، التزاماً بما تعهدت به الحكومة على هذا الصعيد.

وكشفت المصادر، أن التحذيرات التي أطلقها «ناظر» مؤتمر «سيدر»، ستدفع نحو مزيد من بذل جهود مضاعفة، للالتزام أكثر بشروط المانحين من أجل تخفيف العبء عن كاهل الاقتصاد الذي يعاني كثيراً، على أن يصار إلى وضع الورقة الاقتصادية التي تم التوافق عليها في لقاء بعبدا، موضع التنفيذ في أقرب فرصة، من أجل تعزيز مناخات الثقة لدى المجتمع الدولي الذي يريد مساعدة لبنان، وهو ما أكد عليه السفير دوكان الذي أبلغ المسؤولين اللبنانيين، أن المساعدة الدولية مشروطة بما يمكن أن يساعد اللبنانيون أنفسهم. وذهب أبعد من ذلك، بالتأكيد على أن لبنان لن يكون محظوظاً بالحصول على مساعدات، إذا لم تظهر نتائج المعالجات الإصلاحية في أقرب فرصة.

وفي تقدير مصادر سياسية ان الموفد الفرنسي وضع نقاط الإصلاح على حروف الخلل، موجهاً رسائل كثيرة، وأكّد مما توقع البعض، متحدثاً عن علاجات بنيوية يفترض الاقدام عليها بعيدا من الاطار الشكلي المعتمد حتى الساعة، ما يعني عمليا ان كل المقاربات اللبنانية لم تلامس الهدف المنشود من اجل اخراج لبنان من الازمة، واذا بقيت السياسات المعتمدة على حالها فإن لبنان سيكون عاجزا عن تجاوزها.

وبحسب هذه المصادر فإن دوكان  الذي «بق البحصة» للمرة الأولى على هذا النحو، أبلغ رسائله الى «من يعنيهم الامر»، حدد مكمن الخلل الاساسي باعلانه «ان  60 في المئة من العجز يأتي من كهرباء لبنان، وبالتالي لا بد من التصرف إزاء هذا الأمر»، واراد بإعلانه هذا الاشارة ولو بطريقة غير مباشرة الى ان السياسات المعتمدة في هذا القطاع غير مجدية ولا بد من تغييرها. وتذكّر بأن ملف الكهرباء لطالما شكل عنوان اشتباك اساسيا بين القوى التي كانت منضوية في حكومة «استعادة الثقة» التي لم تستعدها يوما لا بل فقدت ما تبقى منها مع بلوغ الاوضاع ما بلغته بفعل المعالجات غير المجدية المرتكزة الى قاعدة التنفيعات وتقاسم الحصص وجني الارباح على حساب خزينة الدولة.

ورأت المصادر، انه يفترض ان يُشكّل كلام دوكان الضغط الكافي على طرفين في الحكومة يرفضان الاعتراف بالواقع الكهربائي المرير والاتجاه الى المعالجات الجدية.

وفي تعويل بعض المسؤولين على النفط والغاز لانقاذ البلاد من براثن السقوط، قال دوكان ايضا كلمته التي يمكن اعتبارها بمثابة حث على اعادتهم الى الواقع والنزول عن شجر «الاوهام» او على الاقل الآمال غير المقرونة بأفعال اقله حتى الساعة. قال المسؤول الفرنسي صراحة «ان اكتشاف النفط ليس الحل السحري الذي سيحل كل الصعوبات التي واجهها لبنان، هذا أمر إيجابي لكننا لم نصل إليه بعد، وهذا أمل خاطئ وليس الطريق المناسب الى الأمام».