IMLebanon

إصبع دوكان على الجرح… “وضعُكم حرج”

لم يقل المبعوث الفرنسي المكلف متابعة مؤتمر “سيدر” بيار دوكان، ما لم تقله وكالات التصنيف الدولية حينما خفضت التصنيف الإئتماني. تخلى عن دبلوماسيته للحظة حينما قال: “لا يمكن إيجاد مؤشر إقتصادي واحد ليس سيئاً”. نزع قفازيه ليضع الإصبع على الجرح اللبناني النازف والمستنزف مواجهاً اللبنانيين بحقيقة “وضعهم الحرج”. كلام فج وواقعي أراد من خلاله الإضاءة على خطورة الوضع وقطع الطريق أمام استمرار محاولات تخدير الرأي العام من قبل بعض المنظّرين الساعين إلى استنباط مؤشرات إيجابية والإيحاء بأنّ “الأمور ليست على هذا القدر من الخطورة”، واتهام من سبق دوكان و”ستاندارد أند بورز” و”فيتش” في التحذير من حراجة الوضع الاقتصادي بأنهم يمارسون “صناعة اليأس”.

رسائل دوكان الواضحة في الدلالة على خطورة الوضعين المالي والإقتصادي، أتى بعضها “مشفّراً” باتجاه المسؤولين ومقاربتهم للعملية الإصلاحية. فالإصلاحات “لا تعني إرضاء جهة أو دولة بل يجب أن تشمل موضوع النفقات”، وبهذا الكلام قطع الطريق على كل ما يقال في العلن أو في الغرف المغلقة، من أنّ لبنان ليس مضطراً للأخذ بكل ما نص عليه “سيدر” من إصلاحات وبخاصة في قطاع الكهرباء، وأنه بالإمكان التعاطي مع هذه الإصلاحات “À la carte” نأخذ ما يناسبنا منها ونرفض منها ما لا يناسبنا. فبحسب دوكان فإنّ ما يطالب به المانحون: “هو ما تقتضيه قواعد الحوكمة الرشيدة وفق المعايير الدولية وليس إرضاءً لأشخاص أو دول”.

أما النقطة الثانية والتي عناها الموفد الفرنسي بشكل واضح، فهي أنّ الإصلاحات تمر إلزاماً بقطع النفقات وحصرها بشكل دائم ومستدام، وبالتالي لا يمكن التعويل فقط على رفع الضرائب كما هو الحال اليوم. من خلال ذلك وضع دوكان كامل مقاربة الحكومة لإعداد الموازنات والإصلاحات على المشرحة، وقال بتعبير آخر ما مفاده إنّ الضرائب وحدها ليست إصلاحات… عليكم تقليص النفقات، و”ألف باء” هذا التقليص إنما ينطلق بدايةً من عجز الكهرباء الذي يشكل 60% من عجز الخزينة.

وإلى عبارة “النفط ليس بالحل السحري”، أتت الرسالة المشفّرة الأخيرة للموفد الفرنسي برسم كل من يعتلي منصات التنظير والترويج لمقولة “البلد بألف خير وبعيد من الإفلاس لأنه يمتلك ثروة نفطية”. وهذا أيضاً أتى في صلب المنطق التخديري عينه الذي صوّب عليه دوكان ووضعه في مرمى أهداف زيارته… فنعمة النفط سرعان ما قد تتحول إلى نقمة إن لم يسارع اللبنانيون أنفسهم إلى سد مزاريب الهدر والفساد كي لا تنتهي الموارد النفطية القومية في جيوب الكبار من أركان نظام المحاصصة.

وفي سياق متقاطع مع تحذيرات المبعوث الفرنسي، برز أمس تشديد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على كوننا “نعيش فترة صعبة وعلينا أن نغيّر طريقة العمل المعتمدة في البلد”، حيث أضاء على مشكلة مستحكمة بالدولة وتتمحور حول وجود “من يريد أن يقرر بدلاً عن كل الناس”. في حين رُصدت عملية “تناغم” لافتة للانتباه خلال جلسة مجلس الوزراء في السراي بين الحريري ووزراء “القوات اللبنانية” حول مسألة الحدود ووجوب احترام القرارات الدولية وفي طليعتها القرار 1701، فضلاً عن ارتياح “قواتي” لطريقة مقاربة رئيس الحكومة لمسألة التعيينات عبر إصراره على اتباع آلية ناظمة لها، سواء لناحية أصول وضع السِّير الذاتية للمرشحين وتقديمها للوزراء قبل بتّها، مع إشارته إلى أنّ أقل من نسبة 30% من التعيينات المرتقبة ستتمّ من خارج هذه الآلية.

وفي التفاصيل، علمت “نداء الوطن” أن رئيس الحكومة أفسح في المجال واسعاً أمام وزير “القوات”ريشار قيومجيان للإضاءة في مستهل الجلسة على الوضع الحدودي في الجنوب، لا سيما في أعقاب كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن إسقاط “الخطوط الحمر”، بحيث توجّه قيومجيان إلى الحريري قائلاً: “دولة الرئيس حصلت مواقف خطيرة جداً في الأيام الأخيرة أشارت إلى إزالة الحدود الدولية وأنّ كل شيء أصبح مباحاً، ما أعطى انطباعاً وكأنّ الدولة موافقة على هذا الكلام، وبالتالي نرغب في أن نؤكد وأن تؤكد الحكومة التمسك بالخط الأزرق وبالقرار 1701 وعدم إلغاء مفاعيله بتثبيت حدودنا الدولية”، وأضاف: “مع إدانتنا الكاملة للاعتداءات الإسرائيلية، نعتبر أنّ الخرق الإسرائيلي المتواصل لهذا القرار لا يعفينا من مسؤولية التمسك بهذا القرار”.

وبعد أن توقف الوزراء عند دلالات إعطاء الحريري قيومجيان متسعاً من الوقت للاسترسال في التعبير عن الموقف إزاء مسألة الحدود وبدت عليه علامات الرضى على إثارة هذا الموضوع، ردّ الحريري بالتذكير بما صرح به لقناة “CNBC” لجهة موقفه كرئيس للحكومة وتمسكه بالقرار 1701، وأردف: “نعم هناك هواجس لدى البعض وأنا أتفهمها لكننا لا نزال متمسكين بالقرار 1701”.

وإذ سارع وزير المالية علي حسن خليل إلى الإِشارة إلى كون ما أثير في الآونة الأخيرة إنما يتعلق بـ”خرق الحدود وليس فتح الحدود”، أخذ الوزير محمد فنيش دفة الكلام موضحاً موقف “حزب الله” بالقول: “لا نريد الدخول في سجال مع أحد ولكنني أرغب في التوضيح أنّ هناك من يقرأ بشكل مجتزأ هذا الموضوع، فالموضوع لا يتصل بخرق الخط الأزرق الحدودي بل هو مقتصر على أنه عندما يحصل أي اعتداء سنرد على هذا الاعتداء”.

ولدى استيضاحها عن مجريات النقاش “الحدودي” الذي حصل في مجلس الوزراء، أكدت الوزيرة مي شدياق أنّ “القوات” اللبنانية إنما أرادت التشديد على ضرورة حصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة، وقالت لـ”نداء الوطن”: “خلال مناقشة البيان الوزاري كنا قد أكدنا على هذا الموضوع، واليوم وبينما الجميع يتحدث عن صعوبة وضعنا الاقتصادي لم يعد بالتالي بإمكان البلد أن يعود إلى ما حلّ به من خراب في حرب تموز 2006″، مضيفةً: “نحن بكل تأكيد ندين الاعتداءات الإسرائيلية لكن لا يجوز لأي فريق أن يتفرد بقرار الحرب والسلم في لبنان”.

ومساءً، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر ديبلوماسية أنّ الولايات المتحدة حالت دون صدور إعلان عن مجلس الأمن الدولي حول التوتر الأخير على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية بعدما رفضت تضمين هذا الإعلان أي انتقاد لإسرائيل. وتضمنت الصياغة الأولى لمشروع الإعلان، التي تمّ التفاوض بشأنها منذ مطلع الأسبوع وحصلت “فرانس برس” على نسخة منها، ست نقاط تعبر عن “قلق مجلس الأمن العميق” إزاء الخروقات على الحدود بين لبنان واسرائيل، مع إدانة “كل الخروقات للخط الأزرق أكانت من الجو أو من الأرض” ما اعتبرته أميركا مساواة في المسؤولية عما حصل بين إسرائيل و”حزب الله”، وعملت على منع إقرار البيان بهذه الصيغة بعدما رفض معدّوه إدخال أي تعديل عليها.