IMLebanon

“رادار” التقشّف حلٌّ لإحداث صدمة إيجابية

كتبت باتريسيا جلاد في صحيفة “نداء الوطن”:

لم تفلح التطمينات التي تصدر عن السياسيين في لجم حالة القلق التي تسيطر على الأسواق المالية والإقتصادية في البلاد. فالقدرة على حيازة الدولار تصعب أكثر وأكثر وتبدو جلية من خلال صعوبة إيجاد حلّ لمعضلة الشركات المستوردة للنفط التي تقبض بالليرة وتستورد بالدولار، وإقدام بعض المدارس والجامعات على فرض تحصيل الأقساط بالعملة الخضراء، حتى المدَرّسين الخصوصيين باتوا يصرّون على تقاضي حصتهم بالدولار. فما هي الحلول للمعضلة الإقتصادية ومعها السيولة وجذب الودائع خارج إطار النظام الضرائبي؟

التعويل اليوم، كما قال رئيس الحكومة سعد الحريري في “مؤتمرالإقتصاد الرقمي” الذي عقد منذ يومين، على مؤتمر”سيدر” الذي ستدخل ترجمته حيّز التطبيق بعد زيارته الى باريس المرتقبة خلال ايام. قروض قد تحدث صدمة ثقة ايجابية ولو جاءت عملية تنفيذها تدريجية.

فالحلول التي تقدّمها الحكومة لخفض العجز المالي من خلال زيادة الإيرادات، التزاماً منها أمام المجتمع الدولي بسلّة الإصلاحات لم تأت كما يشتهيها القطاع الإقتصادي. فمالية الدولة تشكّل أولوية الإهتمامات التي تنكب عليها الحكومة حالياً بغية تفادي التعثّر واضطرار مصرف لبنان الى التدخّل من خلال احتياطاته للمحافظة على الليرة. فالحكومة اللبنانية تجهد لخفض عجزها “مهما كان الثمن” سالكة الطريق الأسهل والأقصر الا وهو فرض الضرائب على الطبقات الفقيرة وإصدار سندات يوروبوندز والإقتراض وزيادة في خدمة الدين ما يعني زيادة في الأعباء على ماليتها.

أما القطاع الإقتصادي، فيرزح تحت ضعف السيولة ووقف التسليفات ودوامة الإفلاس واقفال الشركات والمحال التجارية وتراجع القدرة الشرائية وتفاقم الأعباء المالية جراء فرض ضرائب جديدة اضافة الى العقوبات الأميركية التي تشكّل الفزاعة التي ستعيد تنظيم القطاع المصرفي والمؤسساتي في البلاد وتعود عليه بالفائدة على المدى الطويل اذا ما سلّطنا الضوء على النقطة الإيجابية من الإمتثال، أما النقطة السلبية فهي الضغوط التي تمارس على الدولة وماليتها واقتصادها وثقة المجتمع الدولي بها.

فالإتجاه اليوم نحو الدمج لا يقتصر فقط على القطاع المصرفي بغية زيادة رؤوس الأموال لمواجهة المخاطر التي تتزايد والتي تؤكدها الوكالات الدولية في التقارير الدورية التي تصدرعنها كل ستة أشهر والتي تخفّض من خلالها تصنيفها الإئتماني للبنان، بل بات يطاول المؤسسات المالية الصغيرة التي فرض عليها مصرف لبنان شروطاً جديدة للعمل، ما استدعى تسريع الدمج أو الإستحواذ وإقدام أخريات على الإقفال التدريجي بعد تصفية حساباتها.

البداية من رأس الهرم
يعتبر البروفيسور والخبير الإقتصادي والمالي روك أنطوان مهنا في حديث الى “نداء الوطن”: “أن خفض العجز لا يبدأ من الحلقة الأضعف بل من الحلقة الأقوى، وأعني بذلك من رأس الهرم وأولها رواتب السياسيين ومخصصاتهم من مفروشات وتذاكر سفر بالدرجة الأولى… تكبّد خزينة الدولة أموالاً طائلة، والسيارات التي تُجَند لهم يمكن أن تكون عادية وليست فخمة… فحكومة تنزانيا على سبيل المثال عندما أعلنت انطلاق سياسة التقشّف، باعت كل سيارات الوزراء والنواب الفخمة وخصصت لهم سيارات أخرى رسمية تعود ملكيتها للدولة. هكذا تكون سياسة التقشّف وليس كما يحصل في لبنان يسافر زعماؤنا في طائرات خاصة لحضور مؤتمر “سيدر” بغية طلب الإستحصال على أكبر قيمة ممكنة من القروض والدعم المالي”.

ويضيف مهنا الذي كان من بين الخبراء السبعة الذين شاركوا في اجتماع اللجنة الإقتصادية التي انعقدت منذ سنوات للبحث في مسألة “سلسلة الرتب والرواتب” أن السلسلة “تشكّل اليوم العبء الأكبر على المالية العامة والإقتصاد”، فكان من الذين عارضوا فكرة إقرارها لأنها ستكبّد الدولة 1،6 مليار دولار وليس 800 مليون دولار كما كانوا يتوقعون وذلك قبل احتساب كلفة التوظيفات في القطاع العام التي تفشّت في ما بعد وتخطى عدد الموظفين الجدد فيها الـ5000 موظفاً.

تضخّم القطاع العام

ولا تكمن المشكلة في السلسلة فحسب، بل يضيف: إن “حجم القطاع العام أكبر بـ3 مرات من الحجم الذي يجب أن يكون عليه فهو يشكل نسبة 30 % من مجموع العمالة في البلاد، في حين أن النسبة يجب ألا تتخطى نسبة الـ10%. أما الرواتب والأجور فتشكّل نسبة 37% من نفقات الموازنة العامة ويأتي ذلك بسبب اعتماد السياسيين منظومة المحاصصة وتوظيف أشخاص تابعين لهم في القطاعات العامة، ما أدى الى فائض في العمالة وعدم فعالية أداء القطاع العام”. فعدد الأساتذة الرسميين على سبيل المثال هائل، من هنا ضرورة إعادة توزيعهم في الأماكن الشاغرة. ويسأل مهنا هل يعقل على سبيل المثال ان يحصل أستاذ مدرسة رسمية على مخصصات ليعلّم أولاده في مدارس خاصة؟.

وهل يعقل أن يتقاضى الضابط أو العسكري الموجود في المنزل مثلاً راتباً يعادل ذلك الموجود على الحدود وأن يحظى بالمخصصات نفسها؟ علماً أن الضباط يقبضون حصتهم من نهاية الخدمة ومعاش تقاعدي، فهل يجوز ذلك؟ الحلول

من هنا يعتبر أن “الحلّ اليوم مع تفاقم كلفة السلسلة يكمن في تقسيطها على ثلاث سنوات”، علماً أنه في ورقة بعبدا الإقتصادية الأخيرة تم التوافق على تأجيل السلسلة من دون تحديد أي تفصيل آخر.

اما الحلّ الثاني فيكمن في أهمية المحافظة على الليرة اللبنانية وعدم المسّ بها، باعتبار أن تحرير سعر الصرف “يضرب” القطاعين العام والخاص.

ثالثاً، تجدر خصخصة بعض مرافق إدارات الدولة مع الحفاظ على نسبة 51 % من الإكتتاب للقطاع العام.

رابعاً، تشكيل خليّة إقتصادية طارئة من المتخصصين المشهود لهم بالكفاءة.

خامساً، مساهمة المصارف في خدمة الدين العام، اذ من الممكن تخصيص 10 مليارات دولار على سبيل المثال بفائدة 1 % لتغطية خدمة الدين العام”.

باختصار المطلوب كما يوضح، إحداث صدمة ايجابية يصل صداها الى المجتمع الدولي قوامها إعلان سياسة تقشفية تبدأ من رأس الهرم أي من السياسيين انفسهم ومخصصاتهم ورواتب تقاعدهم. ويتابع: كل ذلك يأتي عدا البدء بمناقصة إنشاء معامل إنتاج الكهرباء لحلّ مشكلة الكهرباء خصوصاً وأنه لدينا معامل يمكن أن تُشغّل على الغاز الطبيعي، والبدء بالتنقيب عن النفط الذي يستغرق فترة 7 سنوات لتبدأ عملية استخراجه، ووضع حد لمزاريب الهدر والفساد والتهريب عبر الحدود، وتشكيل وتفعيل الهيئات الناظمة في الإدارات العامة التي تكمن مهمتها في المساءلة والمحاسبة ومراقبة المداخيل والمصاريف الأمر الذي لا يلائم سياسة الإحتكار التي يعتمدها الوزراء في الوزارات.

وحول أهمية الهيئة الناظمة في المؤسسات العامة قال مهنا، “كل مؤسسة غير خاضعة للنظام التنافسي الحرّ بل للإحتكار الطبيعي Natural monopoly مثل مؤسسة كهرباء لبنان، شركة الهاتف أو مؤسسة المياه أو المطار او مشغلتي الخلوي، وشركة طيران الشرق الأوسط… يجب أن يُعيّن لها هيئة ناظمة regulatory body تضبط الإيقاع وتراقب مثلاً عملية الجباية والإحتكار ولكن في لبنان كل وزير سلطان ويتفادى الخضوع للمراقبة والمساءلة. وحذّر مما يقترحه البعض، أن يتم تجميد الودائع في مصرف لبنان واعطاؤها للمودعين على شكل سندات على أن يتم منحهم فائدة عليها بعد 4 سنوات، باعتبار هذا الأمر تجميداً جزئياً يكون بمثابة إنتحار إقتصادي. وأضاف خاتماً: “هذه الوقائع المذكورة لم تعد بالأمر الجديد وخفيّة على أحد، من هنا ضرورة استلحاق الواقع المرير قبل أن ندخل خانة الإفلاس”.