IMLebanon

بيلينغسليا إلى بيروت… ولا عقوبات جديدة على المصارف

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

 

يصل إلى لبنان عما قريب مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية مارشال بيلينغسليا لبحث أمور تتعلق بالعقوبات المالية المفروضة على لبنان وقضايا أخرى تتعلق بتبييض الأموال وما إلى هناك.
معروف أن مساعد وزير الخزانة الأميركية بيلينغسليا هو من ضمن المجموعة التي تقرر وضع أي من المصارف على لائحة العقوبات الأميركية. وقد تعني زيارته أمراً من اثنين إما زيادة التضييق على لبنان أو الحلحلة في إطار الوضع المالي. لكن المتابعين لأمور لبنان المالية عن قرب يستبعدون مزيداً من العقوبات على المصارف مجدداً على الرغم من كل أجواء التهويل والخوف التي باتت شائعة في نفوس المواطنين.

يبدي المعنيون في الشأن الاقتصادي ثقتهم بأن لا عقوبات إضافية على مصارف لبنانية، وكل الأجواء السلبية التي تشاع مالياً واقتصادياً يضعها المعنيون في إطار ممارسة الضغوطات النفسية لأن لا مصلحة لأي طرف ولو كان خارجياً بفرط البلد الذي بات يرتبط وضعه المالي بالحلحلة في المنطقة.

لعلها من أصعب الظروف التي يمر بها لبنان مالياً ولكن مهما ساءت الظروف فإن هناك من يطمئن إلى أنها لن تصل إلى ما وصلت إليه العام 1992 (يوم أسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي في الشارع) وذلك بسبب أربعة عوامل يوفرها مصرف لبنان وهي الاحتياطات الموجودة، وطريقة معالجة الأمور، ورسملة المصارف، وثبات الليرة.

عوامل عدة تجبر لبنان على الخضوع للعقوبات الأميركية على بعض مصارفه، أهمها أنّ موجودات لبنان بالدولار، حيث يوجد 185 ملياراً منها 73 % بالدولار الأميركي ما يفرض الالتزام بالشروط التي تضعها أميركا وإلا يكون لبنان عرضة لحجز أمواله وليس بعيداً من أن يكون عرضة لفرض عقوبات مماثلة لتلك التي تتعرض لها إيران. وفي آلية فرض العقوبات عادة ما يصار إلى إبلاغ مصرف لبنان الذي يكون له دور في معالجة المسألة والتأكد من سيرة المودعين ومصادر أموالهم بأنها خارج إطار تبييض الأموال وما شاكل.

الوضع مريض

كانت العقوبات على المصارف كفيلة بزعزعة الموضوع الاقتصادي عموماً في بلد يشكو فيه القيمون على شؤون البلد المالية من الوضع السياسي الذي له تأثيره السلبي على الاقتصاد كما المال. ورغم ذلك هناك من يطمئن إلى أنّ الوضع غير ميؤوس منه ولكنه أشبه بمريض كلما حاولنا منحه الدواء أبعدوا الجرعات عنه.

أسباب كثيرة تساعد في رفع وتيرة الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان الذي قد يجد نفسه مضطراً إلى فرض ضرائب جديدة من باب سد العجز حسبما يؤكد بعض المعنيين بالوضع الاقتصادي ممن حضروا وناقشوا الورقة الاقتصادية التي طرحها رئيس الجمهورية ميشال عون خلال جلسة الحوار الاقتصادي في بعبدا. يومها أثير الحديث عن فرض ضرائب جديدة كان من بينها 5 آلاف ليرة على البنزين مع ضرائب على بعض الكماليات لكنها قوبلت برفض من “حزب الله”.

يتحدث المعنيون عن عجز في الدولة يقارب 6 إلى 7 مليارات دولار سنوياً، يستهلك منها قطاع الكهرباء وحده ملياري دولار. وقد ساهم فرض العدادات في إضفاء عامل إيجابي وفي خفض الفاتورة 60 % لكن كان يفترض استتباعه بزيادة التعرفة على فاتورة الكهرباء 30 % لأنّ تسعيرة الكهرباء لا تزال هي ذاتها مذ كان برميل البترول 25 دولاراً.

وإذ يعمل معملا دير عمار والزهراني على الغاز، تم إنجاز مناقصة الغاز أخيراً وهو ما من شأنه أن يوفّر 300 مليون دولار بين سعر الفيول أويل والغاز. كما ان دفتر الشروط لإنشاء المعامل بات جاهزاً في وزارة الطاقة وصدر في شأنه قرار بالإجماع من مجلس الوزراء وأقر في مجلس النواب وتقرر الذهاب بالمشروع إلى المناقصات. هذا المشروع لو أنجز لأمّن خلال عامين حوالى مليارين ونصف المليار دولار.

عامل الثقة

وبينما يتولى مصرف لبنان معالجة موضوع بنك جمال بما يحفظ أموال المودعين بحيث يتم العمل على إعادة هيكلة المصرف خارج إطار دمجه مع بنك التمويل، لا يمكن للبنان أن يواجه أمر العقوبات على المصارف، خصوصاً وأنّ عقوبات كانت قد فُرضت على كبريات المصارف في فرنسا وتم تغريم بعضها مبلغ 11 مليار دولار، فكيف إذاً للبنان أن يواجه قراراً أميركياً والقانون يفرض عليه احترام قرارات الدولة التي يتعاطى بعملتها؟

يؤكد المعنيون أهمية عامل الثقة في بناء الاقتصاد والانتعاش المالي خصوصاً في بلد كلبنان يبلغ حجم تحويلاته 7 مليارات دولار من الخارج بحسب أرقام البنك الدولي، والمعادلة السلبية في الاقتصاد يمكن قلبها إلى إيجابية بفضل توافر عامل الثقة.

حجم نمو لبنان الاقتصادي كان 10 % ولكنه وصل إلى صفر اليوم، ولمواجهة هذا الواقع يجد مصرف لبنان أنّ الأهم هو الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة. وعلى هذا الأساس سيواصل المصرف المركزي دفع كل المتوجبات المالية بالعملات الأجنبية. ولو أنّ الموضوع الاقتصادي ليس بعيداً عن المسار السياسي العالمي والصراع الأميركي – الإيراني وصولاً إلى ضرب مضخات “أرامكو” للنفط.

المطلوب إذاً، توافر عامل الثقة وتنفيذ ما اتفق عليه من قرارات اقتصادية بعيداً من الكيدية السياسية والمحاصصة… وإلا كنا أمام خيارات أكثر من صعبة.