IMLebanon

تخفيض تمويل المصارف يقوّض القدرة التمويلية

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

 

في الوقت الذي تعتمد فيه الدولة في موازنة 2020 على اكتتاب المصارف اللبنانية بسندات “اليوروبوندز”، لضمان استمرار تمويل عجز الخزينة، أتى تقرير “فيتش” بتخفيض تصنيف المصدر الائتماني طويل الأجل (IDR) لكل من مصرفي “عوده” و”بيبلوس” من درجة -B إلى درجة CCC، ليهدم كل الآمال. فالتصنيف بحدّ ذاته يقوّض الى أقصى حد إمكانية إكتتاب المصارف بسندات الخزينة. فالمصرفان المذكوران يُعدّان من أكبر حاملي سندات الدولة اللبنانية التي سبق للوكالة ان خفّضت تصنيفها الى سلبي ومشكوك بقدرتها على الايفاء بالتزاماتها.
من الممكن أن يدفع هذا التصنيف بقية المصارف الى الإحجام عن الاكتتاب بسندات الدولة التي لم تعد تُجري في الآونة الاخيرة غير التصنيفات السلبية. فتصنيف القطاع المصرفي لا يتعلق بالهدر والفساد مثل المؤسسات العامة، وتقييمه مرتبط بالسندات التي يحملها والمشكوك بتصنيفها.

وبالاضافة الى المخاطر على القطاع المصرفي اللبناني الذي وصفت “فيتش” أكبر مصرفين فيه بأنهما ضعيفان في الوقت الحالي، ويعتمدان على الظروف الاقتصادية المواتية للوفاء بالالتزامات، وبأنهما يواجهان بيئة تشغيلية صعبة وضعفاً في رسملتهما، فإن السؤال المطروح اليوم من أين ستأتي الدولة بالتمويل؟ ومن الذي سيكتتب بسنداتها السيادية إذا أحجمت المصارف؟ وهل يلقى الحمل كله على مصرف لبنان الذي يعاني، بحسب التقارير، من عجز في الاحتياطي، وبقدرة ضعيفة على التمويل، لن تتجاوز الاشهر في حال استمرار الوضع على ما هو عليه؟

لا قروض لـ”الخاص”

الخبير الاقتصادي روي بدارو يرى “أن النتائج عن هذا التصنيف قد تكون أخطر من عملية اقراض الدولة على اهميتها، فهذا التصنيف سيدفع المصارف الى اتخاذ ثلاثة اجراءات للحفاظ على قدرة تمويلها المربحة جداً للدولة وهي: زيادة سيولتها من خلال وقف اقراض القطاع الخاص. الطلب من القطاع الخاص إقفال حساباته، وإرغام القطاع الخاص سواء كان مؤسسات أم افراداً على وقف الطلب في ظل معدل فائدة 12.5 في المئة يضاف عليها 2 في الألف لتصبح 14 في المئة.

وماذا عن مخاطر التصنيف؟

يجيب بدارو: “ماذا تستطيع أن تفعل المصارف في ودائعها واين ممكن ان توظفها؟ هل توظفها في اوروربا بفائدة 1.5 في المئة أم تستجدي اقراضها للقطاع الخاص المحجم والفاقد للرغبة بفوائد أقل؟ في حين تستطيع ان توظف هذه الاموال بفوائد خيالية تجاوزت فعليا الـ 18 في المئة في سندات مصرف لبنان. وذلك بغض النظر عن عنصر الامان، الذي ينحصر فقط بتوظيف الاموال خارج لبنان. هذا عدا عن أن أكبر 500 مودع هم اساس النظام الذي إن سقط سقطوا معه”.

الاقتصاد في خطر

إنطلاقاّ من مبدأ انه “من المستحيل أن يكون تصنيف الاسهم المتداولة أفضل من تصنيف البلد، فإن تصنيف “فيتش” لمصرفي “عوده” و”بيبلوس” يؤثر فقط على سيولة المصارف ويدفعها الى تعزيز ملاءتها أكثر”، يقول رئيس تجمع رجال الاعمال فؤاد رحمة. ويضيف: “صحيح أن تراجع التصنيف الائتماني يخفض نسبة الملاءة من 16 الى 12 في المئة نتيجة تثقيل السندات، الا ان نسبة الملاءة لا تزال أعلى بكثير من المعدل العالمي المحدد بـ 8 في المئة. وذلك يعود الى كبر حجم رساميل المصارف من جهة، وهندسات مصرف لبنان التي تجبر المصارف على زيادة الارباح على الرساميل من جهة أخرى”.

سلامة القطاع المصرفي على أهميتها لا تشمل كل الاقتصاد، وتحديداً القطاع الخاص. فمرة جديدة يتلقى القطاع الخاص اللبناني، بوصفه محرك النمو الاساسي، لكمات سياسة الدولة الاقتصادية والمالية، من خلال استمرار ارتفاع أسعار الفوائد وزيادة الجمود والمزيد من اقفالات القطاع الخاص وفقدان الدولار، لتأمين المستلزمات الاساسية من نفط، طحين ودواء وغيرها.

طيلة السنوات الماضية فشلت السياسات في تخفيض عجز الموازنة أو حتى القيام بأي خطوات جدية وجذرية. فكل ما كان يحصل لم يتعد التوصيفات الكلامية التي لم ولن تنفع في ظل كل المشاكل الجوهرية التي يواجهها لبنان، ليبقى الحل في الاصلاحات الجذرية وليست التبرجية كما يحصل الآن، وإلا فإن الهاوية في الانتظار.