IMLebanon

جعجع: الوضع على صوص ونقطة.. ونقاتل ألف مرّة داخل الحكومة

كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:

القوات ستصوِّت ضد موازنة 2020 إذا سارت كسابقتها.. وتوقيت قانون بري للانتخابات غير مناسب

ثمة قلق كبير يعتري رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ربما هي من المرات النادرة التي تكون فيها مقاربة جعجع للأمور على هذا القدر من السوداوية. فالوضع في البلد ليس على ما يرام، ما يفترض معه أن تكون الرؤية والمعالجة والحلول مختلفة تماماً. تلفته محاولة الإعلام الايحاء بأن «القوات» فشلت، لأنها لم تحصل على حصة في التعيينات مثلا، وسعي البعض إلى تعميم هذا المفهوم الذي يستند إلى مقاييس خاطئة تؤول بالنتيجة إلى استنتاجات غير صحيحة.

«القوات» بالنسبة إليه تدفع ثمن «مبدئيتها»، ولو كانت تريد أن تدير المسائل بشطارة على الطريق اللبنانية لكانت فعلت. قد يكون من الصعب على الآخرين أن يقتنعوا بأن جعجع لا يطمح إلى نيل حصة من التعيينات في الإدارة ومؤسسات الدولة التي يتم الرهان عليها، على أقله من المجتمع الدولي في انقاذ ما تبقى من الهيكل اللبناني الذي قد يقع على رؤوس كل اللبنانيين بفعل عدم الكفاية من جهة، والفساد من جهة ثانية، وغياب الحد الأدنى من قواعد وآليات والمبادئ المعتمدة في عمل الدولة.

سأله قبل نحو شهرين رئيس الحكومة سعد الحريري: «شو بدك بالتعيينات»؟ رد جعجع بأن نعتمد آلية علمية وشفافة. فعلق الحريري: عم بتمزح! من الصعب على أحد أن يقتنع ان «القوات» لا تريد ان تكون جزءاَ من هذه اللعبة التي ستؤدي إلى الهلاك. ما يطمح إليه أن يكون مشاركاً في نقل البلد من الوضع السيئ إلى الوضع الأفضل، وليس أن يزيد على ما هو قائم. الذي يُطرح راهناً، اقتراحات عادية لوضع عادي لا تتلاءم مع الوضع المالي لوقف التدهور.

كان يتوقع ان يسأل أحد المشاركين في اللقاء الذي دعا إليه مجموعة من الصحافيين: لماذا تبقى القوات في الحكومة؟ فاستبق السؤال: ستقولون اتركوا الحكومة. لا، نحن متمسكون بالحكومة والبقاء فيها. من خلال موقعنا داخلها نستطيع أن نقاتل ألف مرة، وأن نؤثر بمسار الأمور. صحيح أن لا أكثرية عندنا، ولكن كثير من الفرقاء يتلطى وراءنا حين نطرح مسألة ما. هذه حكومة وحدة وطنية، حين يطرحون حكومة أكثرية وأقلية، لكل حادث حديث.

في مشروع موازنة 2019، كان هناك طرح لمجموعة من التدابير من شأنها لو اعتُمدت أن تُشكّل بداية جيدة، لكن جرى التراجع عنها، الأمر الذي دفع بـ«القوات» إلى التصويت ضد الموازنة. واليوم في مشروع موازنة 2020، لا شيء يختلف عن الموازنة السابقة، ولن يكون لها تأثير إيجابي إذا لم ترفق بخطوات إصلاحية للتطبيق فوراً. الوضع «واقف على صوص ونقطة، والناس مخنوقة، ولم تمر في أيام الحرب زمن انهيار الليرة بما تمر به اليوم في وقت أن سعر صرف الليرة على حاله. ربما ينجح الحريري في الاتيان بوديعة تؤخر الانزلاق».

ولكن لا بد من حالة طوارئ ومن تغيير جذري في طريقة العمل، إذ لا أحد سواء في الداخل أو الخارج لديه ثقة بالدولة، والاستمرار على هذا المنحى لن يأتي بأي استثمار اقتصادي. بالنسبة إليه، المرحلة تستدعي تشكيل حكومة مصغرة من 14 الى 18 وزيراً من تقنيين وتركهم يعملون بمهنية. هذا الطرح لم يلق أذاناً صاغية في اجتماع بعيدا الاقتصادي – المالي، فذهب إلى خارطة طريق لخطوات إصلاحية تتضمن إجراءات علمية في الملفات المطروحة وحيث هناك مخالفات للقانون وثغرات في التنفيذ وتقصير متعمّد في تطبيق القانون والمراسيم التنظيمية. وهي خارطة لا بد من بحثها وإقرارها إذا كان هناك بعد جدي في المعالجة. وإذا سارت موازنة 2020 كسابقتها، فـ«القوات» ستصوّت ضدها، لأن لا فعالية لمثل هكذا موازنة. مع انعقاد مجلس الوزراء عصر أمس، طرح وزراء القوات وجهة نظرهم. خرجت الجلسة بأجواء إيجابية لجهة تشكيل لجنة برئاسة الحريري لبحث كيفية وضع الخطوات الإصلاحية على سكة التنفيذ، ولكن تبقى العبرة في التطبيق.

ما تشتمل عليه خارطة الطريق من طروحات ليست معقدة أو تعجيزية. فهي تتضمن اقتراحات في مجالات الطاقة والاتصالات والمؤسسات العامة والإدارات، وهناك ما يجب فعله على مستوى الإدارة والقوانين بدءاً من الغاء كافة العقود الموقعة خلافاً للقانون 46 المتعلق بسلسة الرتب والرواتب حيث تم توظيف 5300 شخص لدواعي انتخابية، وهناك ضرورة لإقرار قانون المناقصات العامة لتنفيذ الإصلاحات والمشاريع، وإقرار النظام التقاعدي وقانون الالتزام الضريبي وتعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة وإطلاق آلية ولجنة متابعة مقررات «سيدر» لتنفيذ الإصلاحات والمشاريع. وفضلا عن ذلك، هناك قرارات لا بد من اتخاذها في القطاع الجمركي واقفال المعابر غير الشرعية لوقف التهريب. هنا يميز جعجع بين المعابر الاستراتيجية لـ«حزب الله» التي يمرر عبرها السلاح والمرتبطة بحل موضوع الحزب المرتبط بالوضع الإقليمي وبين المعابر الاقتصادية التي لا تتعدى اثني عشر معبراً وبالإمكان ضبطها.

لبنان ليس متروكاً من أصدقائه، ولا مؤامرات ضده. هذا ما يؤكد عليه رئيس «القوات». فليست مزحة ان يحصل لبنان على أكثر من 11 مليار دولار من مؤتمر «سيدر»، شرط ان نقف على رِجلينا. المصيبة الأساسية داخلية، فمشكلة «حزب الله» ومنظومته تعطل نصف حيوية الدولة، وللأسف تقاطع ذلك مع ظروف جعلت النصف الآخر الذي يفترض ان يكون لديه حس الدولة مضروباً بالكامل.

لكن القلق الذي يُعبِّر عنه جعجع لا ينحصر في الشأن المالي – الاقتصادي والمعالجات السطحية البعيدة عن عمق الأزمة. الحال تصل إلى الأداء السياسي الرسمي في ما خص المواقف التي يطلقها أمين عام «حزب الله» والتي أعلن فيها بصراحة ووضوح إننا لن نسكت إذا شنت حرب على إيران. وسأل: «في لبنان رئيس جمهورية ورئيس حكومة وحكومة، هل يسمعون ما يُقال؟ تصوّروا الى جانب كل مشاكلنا ان يتم إدخالنا في ورطة عسكرية، فما الذي سيقيمنا بعدها؟ ولماذا يُزج بلبنان في حرب من اجل إيران؟ لا أحد يمكنه إلزام الشعب اللبناني بما لا علاقة له به. رئيس البلاد لديه مسؤولية دستورية على هذا الصعيد. أين هو؟ وأين رئيس الحكومة؟ يشعر المرء وكأن الدولة لا وجود لها، وهذه أكثر مرحلة يسيد فيها «حزب الله» ويميد، والدولة تساهم في تغطية مبادرات وخيارات الحزب. المطلوب القول لقيادة «حزب الله» ان الأمر غير مقبول، وأنه لا يمكن التصرف بمصير اللبنانيين، ولا يجوز أن يبقى قرار الحرب والسلم خارج الحكومة».

حين تقول له إنها نتائج التسوية التي أتت بـ«الرئيس القوي»، يرى جعجع أنه «لم يبق شيء في البلد على المستوى السيادي، وأيام الرئيس ميشال سليمان كان الأمر أفضل على هذا المستوى، وعلى الأقل كان يسعى».

هو يرى أن «الوضع في المنطقة يغلي، ولا نعرف ماذا سيحصل، ومن الآن الى ستة أشهر او سنة لن تبقى موازين القوى على حالها». لا يوافق كثيراً على أن محور إيران متماسك بل هو في حال انقباض. فكل يوم يضرب في سوريا والعراق. هناك مَن لا يرى الأزمات الكبرى، يقول جعجع، ولا بد من «عمل ما» داخلياً لمنع الأسوأ. لم يسبق أن سمعناه من قبل يقول «مش قادر شوف لبعيد صراحة». ليس واضحاً الإطار الذي لا بد من الانطلاق منه. هنا يمرر ما يفكر به عن أهمية تقوية فريق «الأوادم»، دون التقليل من التحالفات مع الحلفاء من تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي الراسخة والثابتة في الملفات الاستراتيجية.

يتوقف جعجع عند دعوة رئيس المجلس نبيه بري اللجان المشتركة الى جلسة يوم غد الأربعاء لدراسة اقتراح قانون للانتخابات النيابية (تقدمت به كتلة بري النيابية). يتساءل: بعد مخاض طويل قارب العشر سنوات، جرى إقرار قانون للانتخاب، فما هو سبب الإلحاح اليوم لإقرار قانون جديد، والذهاب مباشرة إلى اللجان المشتركة من دون ان يمر في اللجان المعنية أولا، وما هي المرامي الكامنة وراء ذلك، معتبراً أن التوقيت غير مناسب.