IMLebanon

بري لنواب “التيار”: وصلتم حتى إلى صلاحياتي!

كتب أكرم حمدان في جريدة “نداء الوطن”:

كادت الجلسة التشريعية أن تتحول إلى حلبة مصارعة نيابية ثم مواجهة خطابية حادة على خلفية المس بالصلاحيات، خصوصاً صلاحيات رئيس الحكومة سعد الحريري، ما كاد أن يهدد التسوية السياسية الرئاسية نظراً إلى أن طرفي المواجهة كانا، الرئيس الحريري ونواب كتلته بمساندة من كتل أخرى في مواجهة نواب تكتل “لبنان القوي”، فيما تميز نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي بموقفه عن نواب “التكتل” لجهة مساندة رئيس الحكومة وصلاحياته الدستورية. مشهد استدعى تدخل “الإطفائي” الرئيس نبيه بري منذ اللحظة الأولى للتوتر فمنع تفاقم الأمور وتطورها بمساندة ودعم من نائبه الفرزلي ونواب آخرين لا سيما من كتلتي “اللقاء الديموقراطي” وتكتل “الجمهورية القوية” وأيضاً “الوفاء للمقاومة” ونواب مستقلين.

بدا منذ لحظات الجلسة الأولى وبدء البحث في جدول التشريع، أن الأجواء على غير عادتها من الهدوء، وبعد تلاوة أسماء النواب المتغيبين بعذر وكتاب وزارة الداخلية حول نتائج الانتخابات النيابية الفرعية في دائرة صور الصغرى والوقوف دقيقة صمت على روح النائب السابق جورج ديب نعمة وبعدما تحدث في الأوراق الواردة 18 نائباً، جاء المشروع رقم (1) في ترتيب جدول الأعمال ليفجر الخلاف.

المشروع الخلاف

المشروع مرسل من الحكومة ويتعلق بفتح إعتماد إضافي في موازنة العام 2018 بقيمة 94 مليون دولار لاستكمال تنفيذ بعض المشاريع التي كان بدئ العمل بها سابقاً وتوقف بسبب عدم توافر التمويل وصودف أن غالبية هذه المشاريع في مناطق جبل لبنان ولا سيما المتن الشمالي وغيره ما فرض تفسيرات وتحليلات مناطقية وطائفية وغيرها. وطلب رئيس الحكومة سحب المشروع واسترداده عندما طُرح بحجة أنه لا يوجد تمويل وأموال لتغطيته، فما كان من نواب تكتل “لبنان القوي” لا سيما إبراهيم كنعان وسيزار أبي خليل الا أن اعترضا فوراً ومباشرة على موقف الحريري الذي بادرهم بالقول: “لا يوجد أموال….إذا كان لديكم أمنوها” وهنا طلب كنعان الكلام شارحاً خطورة عدم إقرار هذا المشروع من وجهة نظره وأنه سيكبد الخزينة خسائر كبيرة لأن هذه المشاريع قديمة وليست جديدة وغالبيتها في جبل لبنان.

وحاول بري إمتصاص الموضوع من خلال تأكيد حق رئيس الحكومة الدستوري في سحب أي مشروع قانون وعلى رئيس مجلس النواب أن يلبي طلبه. ورفض بري إعطاء الكلام لأي من النواب الآخرين المعترضين كالنائبين سامي الجميل وأدي أبي اللمع الذي أكد أن المشاريع هي قديمة وليست جديدة وهي بحاجة إلى استكمال وإلا ستكلف الدولة لاحقاً مبالغ إضافية.

إنتهى النقاش العلني في الأمر وبدأت المشاورات الجانبية لا سيما بين نواب جبل لبنان، خصوصاً المتن وكسروان وانتقل المجلس إلى مناقشة البنود: (2) الذي تأجل إلى جلسة أخرى وصادق على (3 و4 و5) وبدأ مناقشة البند السادس الذي يتحدث عن قرض من الصندوق الكويتي بقيمة نحو 10 ملايين دولار من أجل إصلاح أرضية سد بريصة في الضنية ومد شبكة مياه للشرب في المنطقة.

وقد أثار النائب حسن فضل الله ضرورة فتح تحقيق لتحديد الجهات المسؤولة عن تنفيذ السد في مراحل سابقة ولماذا لم يكن حسب الشروط والأصول ولكي لا نضطر إلى صرف مبالغ جديدة لاحقاً في حال لم يتم التنفيذ بشكل صحيح.

وبدأ النواب أخذ الكلام حول هذا المشروع وأهميته وكيف يمكن أن يتم التنفيذ وغيره من الملاحظات وأعلن الحريري التمسك بالمشروع وأهميته وعدم اعتراضه على إجراء تحقيق قضائي لتبيان الأخطاء التي حصلت في السابق.

الحريري ينسحب والفرزلي يُدافع

وخلال النقاش طلب وزير الدفاع الياس بوصعب الكلام وبدأ بما حرفيته: “أتمنى على الرئيس الحريري أن يأخذ ما سأقوله برحابة صدر، فنحن اتفقنا في مجلس الوزراء أن نأتي بموقف موحد إلى مجلس النواب للدفاع عن المشاريع التي أقرتها الحكومة وأحالتها إلى المجلس…”.

وقبل أن يُتـابع بو صعب مداخلته، همّ الحريري مغادراً القاعة إعتراضاً على معارضة بوصعب لموقفه.

فتدخل بري قائلاً: “نزعتها يا الياس”.

بوصعب: “بعد ما حكيت”.

بري: ما حكيت وغادر رئيس الحكومة… كيف بدكم نحلها… هل تريدون أن يكون رئيس المجلس متحيزاً أم لا؟ لقد قلنا ونُكرر… هذا أمر دستوري وهو من صلاحيات رئيس الحكومة…

وبينما كان وزير المالية وبعض النواب يُحاولون تهدئة خواطر رئيس الحكومة خارج القاعة ليعود إلى الداخل، تابع بوصعب متحدثاً عن وجود 10 مشاريع مرسلة من الحكومة ومتفق عليها وربما كان الأجدر التشاور قبل سحب المشروع. ودخل على خط النقاش مجدداً النائب كنعان وزميله سيزار أبي خليل وعدد آخر من النواب، إلا أن الرئيس بري حاول إيقاف النقاش وأعطى الكلام لنائبه الفرزلي الذي أعلن صراحة معارضته لموقف كنعان وبوصعب مما يُطرح منتقداً ما أسماه بالممارسة غير الدستورية لأن حق رئيس الحكومة مقدس في طلب استرداد أي مشروع قانون أو سحبه ويجب وقف الممارسات هذه وليكن هناك تحقيق في موضوع إستكمال السد في الضنية.

وساند الفرزلي وزير المالية علي حسن خليل الذي دعا إلى الحديث بهدوء عما يجري ولتكن توصية من مجلس النواب للحكومة بفتح تحقيق حول ما جرى سابقاً في موضوع السد.

كذلك تحدث النائب مروان حمادة عن استعادة إنتظام الجلسة وعدم المس بصلاحيات رئيس الحكومة خصوصاً في هذه المرحلة بالذات.

مشادة كلامية بين كنعان والحجار

وقبل أن يُتابع حمادة أخذ الكلام النائب كنعان محاولاً شرح ما قاله وزير الدفاع كنائب عن المتن ومستطرداً في شرح كيفية وصول المشاريع من الحكومة، مشيراً إلى أن أحداً لم يُقارب صلاحيات رئيس الحكومة، فقاطعه عضو كتلة “المستقبل” النائب محمد الحجار طالباً منه التوقف عن الكلام في هذا الأمر. وهنا تطور النقاش بين كنعان والحجار إلى إستخدام عبارات من مثل…”أقعد… إخرس… أسكت… إطلع لبرا” وغيرها فتدخل عدد من النواب لوقف السجال وضرب بري مطرقته متوجهاً إلى النواب، خصوصاً نواب تكتل “لبنان القوي” بالقول: “صرلنا ساعة عم نحكي ونقول لا يجوز هذا الأمر، نحن في الكتلة مع هذا القانون، وهناك أمر دستوري يجب احترامه، لقد احترنا معكم تُريدون وتُطالبون باحترام الدستور ولا تُطبقون، لقد وصلتم إلى الصلاحيات وحتى إلى صلاحياتي… أنصحكم ككتلة كبيرة نُقدر ونحترم وهي كتلة داعمة لرئيس الجمهورية، هذا لا يجوز. رئيس الحكومة يمثل الحكومة ويتحدث باسمها بمعزل عن وجودها ورئيس المجلس النيابي يُمثل المجلس ويتحدث باسمه أيضاً ورئيس الجمهورية يمثل كل لبنان ويتحدث باسمه. هذه أمور لا يجوز التعاطي معها بهذه الطريقة”. وأقفل بري النقاش عند هذا الحد وتابع مشروع سد بريصة الذي أقر مع توصية بالتحقيق في ما جرى سابقاً.

وعاد الرئيس الحريري إلى القاعة وتابع المجلس مناقشة جدول الأعمال وإقراره حيث سقطت، كما كانت قد توقعت “نداء الوطن”، كل الإقتراحات المعجلة المكررة بالتصويت على صفة العجلة ولا سيما منها إقتراح إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة 80 من قانون موازنة الـ2019 المتعلقة بحق الناجحين بمباريات مجلس الخدمة المدنية وكذلك الإقتراح الرامي إلى تعليق العمل بقانون الإيجارات وكذلك إقتراح تحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامة وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة والمقدم من النائب جورج عدوان باسم تكتل “الجمهورية القوية” وقد أحيل إلى لجنة الإدارة والعدل لإعادة درسه ورفعه مجدداً للهيئة العامة للمجلس خلال فترة شهر.

إقرار 35 مليار ليرة للمؤسسات الإجتماعية

كذلك أقر المجلس إقتراح قانون معجلاً مكرراً قضى بنقل اعتماد من فصل إلى آخر في موازنة وزارة الشؤون الإجتماعية بقيمة 35 مليار ليرة لبنانية لمصلحة الجمعيات والمؤسسات الإجتماعية التي تُعنى بالحالات الإنسانية، وقد أُخذ المبلغ من الفصل المخصص للمؤسسة العامة للإسكان ما أثار نقاشاً وجدلاً إنتهى إلى إقرار الإقتراح.

وكررت أجواء الجلسة مشاهد سابقة لجهة الإنقسام غير المنسق والمدروس وكأنه بالفطرة بين غالبية مسلمة وأخرى مسيحية خصوصاً خلال التصويت على مشروع قانون تصفية المعاش التقاعدي لأساتذة الجامعة اللبنانية، ما خلا قلة قليلة من النواب الحاضرين أم الغائبين.

الأوراق الواردة وتهديد عراجي بالإستقالة

وكانت الجلسة سجلت 18 مداخلة في الأوراق الواردة للنواب على التوالي: حسن فضل الله، جميل السيد، أنور الخليل، جورج عقيص، أسامة سعد، ياسين جابر، سامي الجميل، بولا يعقوبيان، نقولا نحاس، محمد الحجار، علي عمار، علي فياض، عدنان طرابلسي، أنطوان حبشي، إبراهيم الموسوي، نديم الجميل، زياد حواط وقد تنوعت مداخلات النواب بين السياسي والإقتصادي والمطلبي ولم تخلُ من بعض الرسائل في أكثر من اتجاه، لكن المداخلة الأكثر تأثيراً كانت للنائب عاصم عراجي الذي تحدث متأخراً عن جدول طالبي الكلام حيث طالب بعقد جلسة خاصة للتحقيق بما قامت وتقوم به الحكومة ووزارة الطاقة تجاه الكارثة لا بل النكبة التي حلت ببلدة بر الياس البقاعية التي تُسجل أعلى معدل عالمي في نسب الإصابة بالسرطان حيث بلغ عدد الإصابات 600 حالة، وهدد عراجي باتخاذ موقف ملوحاً بالإستقالة من مجلس النواب في حال لم يتخذ المجلس والحكومة أي خطوات للمعالجة لأن “الخيار بين صحة الناس وبين النيابة يجعلني حكماً أختار صحة ناسي وأهلي في بر الياس”.