IMLebanon

“الشحّ” ينهش البلد… بجيشه وشعبه وقوت يومه

يوماً بعد آخر تتفشى أزمة شحّ السيولة في البلد، حتى باتت كالشبح المخيّم فوق مختلف القطاعات الحيوية يتهددها ويتهدد معها اللبنانيين بنهش مواد حياتهم الأولية من المحروقات إلى القمح والدواء، في ما يشبه الحصار الآخذ بالتمدد ليطال على حدّ سواء قوت يوم المدنيين واحتياجاتهم ومعيشة العسكريين ومعنوياتهم، لا سيما في ضوء ما تكشف لـ”نداء الوطن” عن اضطرار الجيش في الآونة الأخيرة للجوء الى احتياطه من المحروقات بعدما لم يتم توقيع الاعتماد السنوي المخصص لذلك، في وقت أضحى كذلك مخزونه من الأدوية مهدداً بالنفاد في تشرين الثاني المقبل، فضلاً عن عدم توقيع المحاضر الجديدة لتأمين المواد الغذائية للعسكريين.

هي كرة شح السيولة تتدحرج على الساحة الوطنية جارفةً في طريقها مختلف جوانب البلد الاقتصادية والحيوية والحياتية…

فبعدما بدأت ندرة “العملة الخضراء” تقضّ مضاجع المستوردين والصناعيين وقطاع الإنتاج برمته، دارت الدوائر بالأمس على “رغيف” اللبنانيين مع تحذير تجمع المطاحن من أنّ “الاحتياط التمويني من القمح انخفض إلى مستوى يشكل خطراً وقد يعرض البلاد الى أزمة تموينية إذا لم تحل مشكلة الدولار الأميركي الذي تتم بواسطته عملية الاستيراد”. وإزاء تعالي صرخات القطاعات من هذا الموضوع كان لا بد للمعنيين من أن يتداركوا الأسوأ فجاء بيان حاكم المصرف المركزي رياض سلامه مساءً ليؤكد أنّ المصرف بصدد إصدار تعميم ينظم تمويل استيراد القمح والدواء والبنزين بالدولار الاميركي. وهو ما وضعه خبراء اقتصاديون لـ”نداء الوطن” في إطار تنظيمي يعمل على ضبط السوق ومنع تفلته، موضحين أنّ من بين الخيارات المتاحة في هذا المجال رصد المصرف المركزي مبلغاً مالياً بالدولار الأميركي مقروناً بآلية منع مضاربة وحصر أذونات الصرف بالدولار بعمليات تمويل استيراد الاحتياجات الأساسية من محروقات ودواء وقمح فقط.

ومواكبةً لمستجدات ظاهرة الفارق في التداول بين سعر الدولار والليرة، أوضح رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ”نداء الوطن” أنّ هذه الظاهرة كانت قد طفت على السطح مع مادة المحروقات لأنها المادة الأكثر عرضة لإبراز الخلل في الفارق بسعر الصرف، لافتاً في هذا السياق إلى أنّ “نسبة 40% من اللبنانيين كانوا يسددون كلفة تعبئة المحروقات بالعملة الوطنية، لكن نتيجة الهواجس التي سيطرت على المواطنين وإقدامهم على الإحتفاظ بالدولار تغيّرت هذه المعادلة وباتت نسبة 94% من المستهلكين يسددون بالليرة اللبنانية، ما خفّض من مقبوضات أصحاب محطات المحروقات بالدولار وانعكس بدوره على تسديد فواتيرهم لأصحاب الصهاريج وبالتالي للشركات الموزعة”.

وإذ كشف أنّ “الخوف الذي خيّم على الناس جعلهم يلجأون إلى تخزين “دولاراتهم” في المنازل حيث قيمة هذه الدولارات بحسب التقديرات باتت تقدّر بنحو مليار ونصف المليار دولار”، أكد حمود أنّ “كل هذه الأمور أدت الى شحّ التداول بعملة الدولار في الأسواق، بالإضافة إلى عمليات التهريب من لبنان إلى سوريا”، مضيفاً أنّ “هذا الوضع الذي بدأ مع قطاع المحروقات عاد فانسحب على المواد الغذائية والإستهلاكية بشكل بدأ يطاول رغيف الخبز والدواء الذي يستورد بالدولار ويتم بيعه بالليرة اللبنانية “. ورداً على سؤال، شدد حمود على أنّ “مصرف لبنان لن يفرّط بالدولارات الموجودة لديه لكي يخزّنها المواطنون في منازلهم أو يتمّ تهريبها إلى الخارج، إنما هو مستعدّ للحفاظ على أموال الناس وودائعهم”، معرباً في المقابل عن ثقته بأنّ “الحكومة ستتدارك هذه الأزمة وستصدر سندات يوروبوندز بقيمة تتراوح بين مليار ونصف المليار والملياري دولار الأمر الذي سيريح السوق”، مع إشارته إلى أنّ المصرف المركزي سيحاول الإكتتاب في تلك السندات ويبيعها ما سيعزز مخزونه من العملات الأجنبية.

وفي خضمّ هذا المشهد، بدا نواب الأمة بالأمس في كوكب منفصم عن الواقع المأسوي الذي يعايشه اللبنانيون بمختلف طوائفهم ليعودوا إلى التمرّس والتمترس في مربعات طائفية لا تسمن ولا تغني من جوع. إذ شهدت الهيئة العامة بالأمس اصطفافاً طائفياً تحت قبة البرلمان على خلفيات “إنمائية” دفعت برئيس الحكومة سعد الحريري إلى مغادرة القاعة التشريعية لدقائق رداً على محاولات الوزير الياس بو صعب، مؤازراً بنواب “الوطني الحر”، الانتقاص من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء بسحب المشاريع واستردادها، الأمر الذي سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائبه إيلي الفرزلي الذي غرّد خارج “السرب العوني” في هذا الموضوع، إلى استدراكه وسط تحذير صريح عبّر عنه بري لنواب “التيار الوطني” بأنهم يتمادون في لعبة المسّ بالصلاحيات التي نصّ عليها الدستور.