IMLebanon

قانون بري “العجائبيّ”… يوحّد “القوّات” و”التيّار”

كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

في وقت تغرق البلاد بعدد كبير من المشكلات التي لا تُعدّ ولا تُحصى وسط طغيان الهمّ الإقتصادي، تحرّكت رمال القانون الإنتخابي مجدداً عبر اقتراح قانون جديد لكتلة “التنمية والتحرير”، ما فتح سجالاً جديداً في البلاد.

تناقش اللجان النيابية المشتركة اليوم إقتراح قانون الإنتخاب الذي طرحه رئيس مجلس النواب نبيه برّي وتقدّمت به كتلته “التنمية والتحرير”، بعدما جالت في الأشهر الماضية على الكتل النيابية لإطلاعها عليه وشرح غاياته وأهدافه.

والجدير ذكره، أنه في 6 آب الماضي قدّمت “التنمية والتحرير” إقتراح قانون يتعلق بتعديل قانون الإنتخاب الحالي إلى مجلس النواب. ويجعل هذا القانون لبنان دائرة إنتخابية واحدة على أساس النسبيّة، ويكون عدد النواب 128 نائباً يُضاف إليهم 6 نواب للإغتراب ليصبح العدد 134 نائباً، وينصّ إقتراح القانون على تخفيض سن الإقتراع إلى 18 سنة بدل 21، وتمّ وضع كوتا نسائية ملزمة، كما تصبح البطاقة الإلكترونية جزءاً من هذا القانون ليتمكّن الناخب من الانتخاب في المنطقة المتواجد فيها. ولم يعتمد القانون الصوت التفضيلي، وتمّ ترك عملية توزيع النواب مناصفة ما بين المسيحيين والمسلمين.

وفي وقت لا يزال موعد الإنتخابات النيابية بعيداً، حيث من المقرّر أن تجرى في أيار من العام 2022 إذا لم يتمّ التمديد للمجلس الحالي على غرار مجلس 2009، ترك تحريك ملف قانون الإنتخاب في هذا الوقت بالذات علامات استفهام كبرى، خصوصاً أنه يوجد عدد من الملفات المهمة التي يجب أن تحظى بأولوية البحث، على رغم تبرير الرئيس بري بأنه لن يترك البحث في هذا الموضوع مؤجّلاً وطرحه قبل أشهر قليلة من الإنتخابات مثلما كان يحصل سابقاً.

لكن المفاجأة كانت بمرور إقتراح قانون برّي مباشرة إلى اللجان المشتركة، علماً أن قانون الإنتخاب يجب أن يمرّ قبل اللجان في لجنة الإدارة والعدل، وتعتبر خطوة اللجان ما قبل الأخيرة قبل الوصول إلى الهيئة العامة للمجلس للتصويت عليه، إلاّ أن برّي أدخل اقتراحه “خطاً عسكرياً” إلى اللجان.

ويعلم الجميع أن قانون الإنتخاب هو المعضلة التي واجهت لبنان منذ تأسيس دولة لبنان الكبير، وقد بدأت المشكلة منذ ثلاثينات القرن الماضي حيث كادت أن تؤدّي إلى حرب أهلية لولا تدخّل الفرنسيين، وذلك بسبب الخلاف على تقسيم المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين.

وفي العام 1949 تمّ تزوير الإنتخابات لتأمين التمديد للرئيس بشارة الخوري ليسقط بعد 3 سنوات بثورة بيضاء، ومن ثمّ تمّ افتعال إشكالات في انتخابات 1957 حيث اتهمت المعارضة الرئيس كميل شمعون بتفصيل قانون لإسقاطها.

وكان قانون العام 1960 الذي خيضت على أساسه إنتخابات 2009 كحل وسط يُرضي الجميع، وبعد العام 1990 كانت سلطة الإحتلال السوري هي التي “تخيّط” قوانين الإنتخاب التي كانت مجحفة بحق المسيحيين، إلى أن تمّ الإتفاق بين “القوات” و”التيار الوطني الحرّ” قبل إنتخابات 2018 على قانون النسبية مع 15 دائرة ووافقت عليه المكونات الأخرى بعدما استعمل رئيس الجمهورية ميشال عون حقّه الدستوري بتعليق عمل المجلس النيابي شهراً للإتفاق على قانون جديد.

وبعد تدهور العلاقة بين “القوات” و”التيار” أخيراً، يبدو الفريقان المسيحيان أمام استحقاق جديد، وهو الحفاظ على المكتسبات التي تحققت في قانون 2018، خصوصاً أن لبنان دائرة واحدة يُخيف المسيحيين.

وفي السياق، فإن “القوات” تعتبر أنّ ما يحصل في اللجان أمر خطير جداً، فكيف يمكن أن يمرّ إقتراح قانون برّي بهذه الطريقة من دون درسه في اللجان المختصة بقانون الإنتخاب؟

وترى “القوات” أن الأولوية اليوم هي لمعالجة الوضع الإقتصادي، وليس لطرح قانون الإنتخاب، “فقانون الإنتخاب موضوع ميثاقي بامتياز، وتمّ تجاوز هذه الميثاقية في زمن الإحتلال السوري، وقد نجحت “القوات” و”التيار” قبل الإنتخابات الأخيرة في الوصول إلى قانون يؤمّن صحة التمثيل المسيحي”.

وتجزم “القوات” بأنها “لن تتهاون في محاولة فرض قوانين شبيهة بقوانين غازي كنعان، لأن أي قانون جديد يجب أن يؤمّن صحة التمثيل”. وترى “أن قانون الإنتخاب هو الذي يؤمّن الإستقرار السياسي، وأي لعب في هذا الأمر غير مسموح لأن زمن تخطّي التمثيل المسيحي قد ولّى إلى غير رجعة”.

لم تُجرَ إتصالات بين “القوات” و”التيار الوطني” قبل جلسة اليوم لتنسيق المواقف، لكنّ موقف “التيار” ليس بعيداً من “القوات”، إذ يؤكّد أنه “منفتح على أي بحث في قوانين الإنتخاب، وقد زارت كتلة “التنمية والتحرير” تكتل “لبنان القويّ” وقلنا موقفنا بوضوح، فنحن نربط أي قانون إنتخاب بصحة التمثيل، لذلك فموقفنا هو الحفاظ على صحة التمثيل”.

وفي السياق، يؤكّد “التيار الوطني” أن “الإلتقاء مع “القوّات” موجود في قانون الإنتخاب لأنه لا تراجع عن صحة التمثيل المسيحي أو أي مكوّن آخر”.

ويعتبر “التيار” أن وجود الرئيس عون على رأس الجمهوريّة قد ساعد في الوصول إلى القانون الحالي، كذلك فإن الإجماع المسيحي وقبول الفريق الآخر بالشراكة قد ساعد أيضاً، لذلك لا يجب التخلّي عن هذه الأمور.

والجدير ذكره أن قانون الإنتخاب الأخير قائم على النسبية على أساس 15 دائرة، ولا يوجد أي فريق يرفض إجراء بعض التعديلات الضرورية عليه، لكن الفريق المسيحي يُجمع على رفض أن يكون الانتخاب على أساس دائرة واحدة مع النسبية لأن ذلك سيساعد على طغيان المكوّن المسلم ويكسر صحّة التمثيل، خصوصاً مع تراجع حجم الحضور المسيحي.