IMLebanon

لعبة الدولار… السحر ينقلب على الساحر

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

 

تضجّ فضاءات العالم الافتراضي بأسئلة وتعليقات وفرضيات كثيرة عن الوضعين الإقتصادي والنقدي. الأزمة وإن لم تكن جديدة أو “بنت لحظتها”، فقد تفاقمت أخيراً نتيجة شحّ الدولار وتزايد مخاوف المواطنين على أمنهم المعيشي والحياتي. ومما ساهم في تفاقم الاحداث، عدم خروج أحد من المسؤولين لمصارحة المواطنين بحقيقة ما يجري، أو مشاركة الحلول مع التجار ومقدّمي الخدمات، فتركت الأمور للتقديرات والإشاعات وإثارة الذعر. ولعلّ تعليق نقيب أصحاب المحطات سامي البراكس بعد التهديد بالاضراب “ما حدا مهتم”، خير دليل على براعة السلطة في تقاذف المسؤوليات، وتركها تسقط على رؤوس المواطنين.
تضجّ فضاءات العالم الافتراضي بأسئلة وتعليقات وفرضيات كثيرة عن الوضعين الإقتصادي والنقدي. الأزمة وإن لم تكن جديدة أو «بنت لحظتها»، فقد تفاقمت أخيراً نتيجة شحّ الدولار وتزايد مخاوف المواطنين على أمنهم المعيشي والحياتي. ومما ساهم في تفاقم الاحداث، عدم خروج أحد من المسؤولين لمصارحة المواطنين بحقيقة ما يجري، أو مشاركة الحلول مع التجار ومقدّمي الخدمات، فتركت الأمور للتقديرات والإشاعات وإثارة الذعر. ولعلّ تعليق نقيب أصحاب المحطات سامي البراكس بعد التهديد بالاضراب «ما حدا مهتم»، خير دليل على براعة السلطة في تقاذف المسؤوليات، وتركها تسقط على رؤوس المواطنين.

“المجد للمفلسين لا همهم #دولار ولا #بنزين”، “نزلوا عالشارع”، “أي زبون بيدفع بالدولار منحط صورته story لـ 24 ساعة”، هذه عينة من آلاف التعليقات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وإن اختلفت في التعبير والتوصيف، فهي تتشارك النقمة نفسها على السلطة التي أعادت الى الأذهان مشاهد أزمة بداية التسعينات، التي أدت الى إفلاس الآلاف وتهجير الشباب وضرب القدرة الشرائية.

لا شيء حتى اللحظة يبشر بأن سعر صرف الدولار يمكن السيطرة عليه، مثلما لا شيء يثبت عدم تورط السلطة السياسية في البدء بلعبة تحرير سعر الصرف المثبت منذ العام 1993، والذي أدى إلى تكبيد الخزينة مليارات الدولارات لدعمه والمحافظة عليه. وبالرغم من ظهور آراء ترمي كرة الدولار الملتهبة في ملعب السياسة، يقول الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي “إن الواقع السياسي والجيوسياسي لا يشكل أكثر من 1 في المئة من الازمة، فيما السياسات النقدية والمالية التي اتبعت منذ 25 عاماً تتحمل الـ 99 في المئة المتبقية”. تثبيت سعر الصرف من خلال رفع أسعار الفوائد لزيادة الودائع لم تخنق الاقتصاد فحسب، بل كانت السبب وراء عدم إجراء أي إصلاحات جدية. وقد رتبت هذه السياسة ديوناً هائلة على الخزينة وعجوزات في الموازنات العامة، جرى تغطيتها باقتراضات جديدة بأعلى الفوائد. و”هذا ما سبب في فصل النقد عن الإقتصاد، ورجّح بعد 25 عاماً تغلب قوى السوق (العرض والطلب) على قوة قرار الشخص”، يقول يشوعي.

في هذا الوقت ينتظر اللبنانييون الثلثاء في الاول من تشرين الاول، تعميم “المركزي” الذي من المتوقع أن ينظم فيه تمويل استيراد القمح والدواء والنفط بالدولار، “ولكن ماذا عن بقية السلع المستوردة مثل الرز والسكر والحليب والزيوت والحبوب والمواد الغذائية واللحوم وغيرها الكثير كيف سيدفع ثمنها؟ أو أنها برأيهم غير ضرورية ومن الكماليات؟”، يسأل متعجباً نقيب أصحاب “السوبر ماركت” نبيل فهد، الذي، هو بدوره يملك “سوبر ماركت”، وقد قال إن “تجار الحبوب والسكر بدأوا يطالبون بتسديد ثمن المشتريات بالدولار، في الوقت الذي لم يعد يشكل دفع الزبائن بالعملة الخضراء أكثر من 5 في المئة من قيمة المبيعات، بعدما كانت تشكل اكثر من الثلث، ونتوقع أن تصبح معدومة ابتداء من مطلع هذا الاسبوع. فمن أين نؤمن الدولار في ظل عدم توفيره من المصارف وفقدانه من الأسواق؟ يسأل، ليجيب سريعاً: سوف تفقد هذه السلع تدريجيا من المتاجر”.

المنطق الذي يسود اليوم هو تقصّد إمتصاص السيولة لتخفيف الاستيراد من أجل تعزيز الميزان التجاري. و”ما سمعناه البارحة من رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، عن أن المركزي ليس مسؤولاً عن تأمين الدولار للسوق، إنما دوره هو في حماية الودائع، يعتبر من أخطر التصريحات”، تقول أوساط رجال الأعمال.

في الوقت الذي لا يشكل فيه الصيارفة أكثر من 5 في المئة من سوق القطع، يستطيع مصرف لبنان، بحسب الخبراء بيع 50 مليون دولار فقط في السوق لتعود الامور الى طبيعتها في نصف دقيقة. ولكن هل العائق هو الخوف من ذهاب الدولار الى سوريا عبر قنوات خاصة مثلما يسوّقون؟ أم أن مصرف لبنان لم يعد يمتلك رفاهية ضخ الدولار لتثبيت سعر الصرف، وقد بدأت فعلياً عملية الانهيار النقدي؟ أسئلة سنجيب عنها في تقارير لاحقة.