IMLebanon

بين بيروت ودبي… الجيل الخامس من “واي فاي” المطار… طار!

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

لبنان يا قطعة سما، ع الأرض تاني ما إلا، لوحات الله راسما شطحات أحلى من الحلى… رحِم الله وديع الصافي ورحم الله الجيل الثالث من الإنترنت وما قبله وما قبلهما وقبلهم… ورحم الله لبنان جبران خليل جبران وسهول لبنان ووديانه وجروده… جولة سريعة بين مطاري لبنان ودبي تأكدنا فيها، من جديد، أننا، نحن اللبنانيين، كما “دويك” في تكنولوجيا هذا الزمان وجماليات زمان مضى!

هناك، في دولة الإمارات العربية المتحدة، يُحمّلنا الإماراتيون السلام والأشواق الى لبنان الجميل ويُحمّلنا أولاد لبنان، بعد الأشواق والسلام والهيام، وصية: لا تخبروا العالم كُلّ ما ترونه من قبحٍ في لبنان. الأجانب يضحكون علينا. فهل معنى هذا أن نسكت؟ هل علينا أن نصمّ الآذان ونغمض العيون ونبلع ريقنا مرات ونكسر رؤوس الأقلام قبل أن ننقل ما نرى ونسمع؟

فلنبدأ رحلتنا من المطار…

فلنختبر الجيل الخامس من الإنترنت في مطار رفيق الحريري الدولي بعدما أتحفونا ببيانات وخطابات وأنخاب، رُفعت الأنخاب عالياً باسمِ “إنترنت المطار”. قيل لنا: أطلقت الخدمة، بسرعتِها الصاروخية، وباتت في متناول جميع المسافرين. صدقنا. وصدقنا أن الخدمة من باب المطار الى باب الطائرة. أمسكنا هواتفنا النقالة وأقفلنا الإنترنت الخاص، من الجيل الثالث، وأدرنا جيلاً جديداً من الإنترنت اعتقدنا أنه سيطير بنا، بكبسةِ زر، الى كلّ العالم. أخطأنا. نعترف. أصوات المسافرين كادت تصل الى أهاليهم وأصدقائهم بلا جميلة الإنترنت لكثرة ما رفعوها ليسمع، من في الجهة الثانية من خطوط الواتس آب، كلامهم. شعرنا أننا في عصفورية واسعة. المسافرون جربوا إرسال رسائل صوتية لكنها علقت في نصف الطريق. لم تغادر هواتفهم. غريبٌ. فليرجعوا الى الجيل الرابع … الى الوراء أكثر، الى الجيل الثالث… وبلا “لتّ وعجن”!

فلنتسلَ في ردهة المنطقة الحرة في مطار رفيق الحريري الدولي. تغييراتٌ عدة طرأت في الشهرين الماضيين. أسماءُ منتجاتٍ برزت وأسماءٌ أخرى خلعت من مكانها. جنب الحلاب، في الصدارة، ماركة جديدة للحلويات باسمِ “لولو”. فمن هي لولو؟ هي ابنة ُ رئيس مجلس إدارة السوق الحرّة في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت محمد زيدان التي افتتحت هذه الماركة في هذه البقعة فقط لا غير. فلنقرأ في أسماء أولاد محمد زيدان: بدر، زياد، دانيا ولين، ولين هي زوجة طوني سليمان فرنجيه. واسم لولو قد يكون غنجاً ودلالاً للعروس لين… نقول قد يكون ما دامت الماركة لإحدى ابنتي رئيس السوق الحرة. محال مستحضرات التجميل زادت. والسيجار الكوبي ما زال في ركنِهِ. لكن زواره تغيروا. قلّ البيع وبات من يشتري علبة سيكار “أبو زيد خاله”. ثمة لمحة حزنٍ تسيطر في المكان. ثمة حزن في مطار بيروت كما في كل مكان في بيروت ولبنان. ثمة وجع يلحظه كل من يراقب الناس ويشعر بالناس.

إجراءاتُ السفر الجديدة التي اتخذت في مطار بيروت “فعلت فعلها”. شكراً لله. نشكر السماء على شيء ما، شيء واحد، فعل فعلَه. هو جديدٌ لا يحتاج الى “تكسير رأس” ليخرج به القيمون على المطار بل كُلّ ما يحتاجون إليه هو رحلة الى دبي أو تركيا أو قبرص أو أي بلدٍ قريب مجاور ليدركوا أن هذا الترتيب كان يجب أن يكون من زمان.

بلا طبل وزمر

انتقلنا الى دبي. وطبيعي أن يقوم، كل مسافر، فور وصوله الى أرض مطار ما بفتحِ “الواي فاي”. هناك، بلا طبلٍ وزمر، يفتح “الجيل الخامس” وطلوع.

هم معهم أموال ونحن لا؟

هم لديهم بعد نظر واحترام لشعوبهم وللشعوب العابرة. هذه هي كلّ الحكاية.

نعبرُ بانتظام شديد. النظام يعلّم الإنتظام. وكم تتكرر علينا كلمة “ذكية” في كل مكان في المطار وخارج المطار وفي كل دولة الإمارات. هناك الذكاء متعة. هناك إبداع والإبداع حين يقترن مع الذكاء يصبح متعة.

جنسياتُ الأرض هنا. قطار في قلب المطار ولا أحد يضيع. أما عندنا فيضيعون في “قطرة ماء” ويغرقون في “كشتبان”. نحزن؟ ننق؟ ندير الأذن الطرشاء والعين العمياء؟ دعونا نروِ…

قلة ٌ من اللبنانيين لم يزوروا دبي وابو ظبي، ولو لمرةٍ واحدة، وقليلون من لم يعودوا إليها من جديد مرة واثنتين وثلاث مرات. الحياة هناك سهلة وشتان ما بين هنا وهناك. الميترو من قلب المطار. ينزل المسافر الى أرض المطار ويطلع، إذا شاء، في الميترو. القطار السريع يفتح بين الخامسة صباحا والثانية عشرة عند منتصف الليل. وهو يتوقف في 29 محطة. يتوقف قطار، عند كل محطة، كل ثلاث دقائق و45 ثانية، وهو يعبر مسافة 52 كيلومترا. كلّ شيء منظم. فببضعة دراهم (أقل من ألفي ليرة لبنانية) يمكن أن يعبر المسافر كل دبي ويصل الى أي مكان فيها. وينتقل من القطار السريع الى الإمارات الأخرى بباصٍ، بسعرٍ ينقص عن خمسة آلاف ليرة لبنانية. في حين أن الإنتقال من مطار بيروت الدولي الى أي مكان في لبناننا الحبيب لا يكون، من قلب المطار، سوى عبر سيارة شركة احتكرت نقل المسافرين بأسعارٍ باهظة جدا. أتتخيلون أن الإنتقال من مطار بيروت الى ساحل المتن الشمالي يكبد خزينة الفرد أكثر من خمسين دولاراً أميركياً؟

 

فلننتقل الى أبو ظبي. من لا يزور عاصمة دولة أبو ظبي شهرياً لن يعرفها. هي تتطور يومياً، لا شهرياً، والأعمال لا تهدأ. عشرات الجزر الجديدة افتتحت فيها. والتسهيلات الى من يريدون أن يستثمروا هناك متاحة جداً. وكلّ من يملك أفكارا مرحّب به. هل علينا أن نقول مجدداً: شتان بيننا وبينهم؟ إسألوا من يملكون هنا أفكارا؟ إسألوهم عما آلت إليه أحوالهم؟ أديروا رؤوسكم، يميناً ويساراً، وسترون عشرات منهم.

“يحيون” في الغربة

نسأل اللبنانيين في الإمارات عن هذا العشق للبنانهم فيسهبون في استخدام كل مرادفات الوطنية والإنتماء والأرض والهواء. نسألهم أكثر عن سبب وجودهم في الخارج فيكررون قولاً: جميلٌ أن يموت الإنسان من أجل وطنه لكن الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن.

الحياة ُ في الخارج أسهل. هم يطلبون من أجهزة الصراف الآلي عملة بالدولار الأميركي أو بالروبيه الباكستاني أو البيسو الفيليبيني أو اليورو الأوروبي فيخرج من الجهاز ما طلبوه أما هنا، فيطلبون من الجهاز عملة، أي عملة، فتخرج قصاصة مكتوب عليها: المبلغ غير متوافر. شتان.

أخبار الحرائق والتظاهرات وصراخ البشر تصل الى هناك أقوى وأشدّ. اللبنانيون المغتربون يراقبون الرسائل السريعة “أس أم أس” تصلهم بآخر التطورات أما بقية الملل هناك فيبحثون بالسراج عن آخر صيحات الموضة. أما اللبنانيون السائحون فيتمنون لحظات لو تتعطل التكنولوجيا، كما إنترنت الجيل الخامس في المطار، عن نقل أنباء الوطن إليهم.

الـ”مولات” تزدحم والكل يشترون. والبنزين “ببلاش”. يباع ليتر البنزين 98 أوكتان هناك بأقل من ثلاثة دراهم (الدرهم تقريبا بثلاثمئة ليرة). وهناك، في الإمارات، يعبئ السائق مركبته بنفسه عبر الخدمة الذاتية أما إذا أراد اختيار الخدمة المتميزة فيدفع 10 دراهم إضافية.

ثمة صور بدأت تعلّق في الشوارع العامة لمرشحين الى البرلمان الإماراتي. هناك مرشح يرفع شعاراً: “لا لغلاء الأسعار”. ليس سهلاً هناك إيجاد شعارات معيشية تدغدغ مشاعر الإماراتيين. الإنتخابات ستجري في الخامس من تشرين الأول الجاري ويتنافس على المقاعد 495 مرشحاً ومرشحة من كل الإمارات. النساء يترشحنّ هناك بذكائهنّ ويربحن بكفاءاتهنّ.

الذكاءُ الإصطناعي والروبوتات وأجيال الإنترنت الأحدث هناك. والأهم ربما من كل هذا أن العاملين، كل العاملين، يظلون يبتسمون. نحاول أن نفعل مثلهم نعجز. تقف مركبة فيقف وراءها سائق مركبة أخرى من دون أن يُطلق زموراً! أتتخيلون؟ أتتخيلون أنفسكم وراء تلك المركبة؟ أتتخيلون أن عاملة على الصندوق في متجر تترك مئات الدولارات أمامها من دون أن تخشى من سرقتها؟ هناك، في تلك البلاد، من يفعلنّ.

نصمت أو نحكي؟

لا يملّ السارح في الإمارات، للمرة الألف ربما، من ذاك الهدوء الذي تشهده الدولة حتى في قلب الزحام. أشجارٌ على الميلين، نظيفة، نضرة، جميلة، تحت عين الشمس والهواء الساخن. نتذكر أشجار ضيعنا اللبنانية التي تنضم سنوياً الى آلاف الأشجار المحروقة. نتذكر لبناننا الذي يتحول الى أرضٍ جرداء. نتذمر؟ نسكت؟ نتابعُ مسارنا.

اللبنانيون مقهورون. دبي وأبو ظبي وعجمان والعين وراس الخيمة والفجيرة وكل الإمارات إمارات جميلة. نغادر؟ لا بُدّ أن نغادر ونعود الى لبناننا ونحاول أن نثور (مع الثائرين) طلبا لحياةٍ عادلة لا نستيقظ فيها يوميا على خبرٍ أسود. هذا حقٌ لأولاد البلد. حقهم ألا يخافوا على فقدان قروشٍ بيضاء ادخروها لأيامٍ سوداء. حقهم أن يعيشوا بسلام.

نغادر من مطار دبي. الميترو دائما في خدمتنا. إعلامي لبناني، طالما أطلّ من عشرين عاما وأكثر عبر تلفزيون المستقبل ينتظر دوره في الصفّ للعودة من زيارة قصيرة الى دبي. الإعلامي بات عاطلاً عن العمل في لبنان حاله حال مئات العاملين في المقروء والمرئي. نراقبه. نراقب عشرات اللبنانيين الواقفين أمام “كونتوار” الميدل إيست ليرجعوا. أحدهم يتلوى يميناً ويساراً فيهمس ثان بأذن ثالث “الله يساعد اللبنانيي”. نصغي الى اثنين آخرين تعرفا للتوّ على بعضهما وهما يخبران أنهما يبحثان عن فرصتي عمل. نصغي الى امرأة تسأل من تتحدث معه في لبنان: هل طريق المطار مفتوحة الليلة؟ هل هناك حرق دواليب؟ نصغي الى رجلٍ يُخبر كيف دفع ابنه في لبنان أمس (منذ يومين) ثمن الدولار 1750 ليرة.

اللبنانيون مثقلون بهواجس واهتمامات ليست لدى سواهم. في الخارج يقولون عن اللبنانيين “حلوين” لكن اللبنانيين يعرفون أن الوجع عجنهم وخبزهم. يقفل “كونتوار” الميدل إيست في مطار دبي أبوابه فيحلّ في المكان “كونتوار” بومباي. وقبل أن يبدأ موظفو شركة الطيران الهندية في استقبال المسافرين تُفلش سجادتان جميلتان في المكان تليق بهؤلاء!

إجراءات ٌ جديدة لمطار رفيق الحريري الدولي في الإياب أيضا. ننزل من الطائرة نحو منطقة سفلية، مستودع برسم التأهيل ربما، ممنوع التقاط الصور فيه، ونقف مثل السردين في الخطوط الحديثة. العاملون في الأمن العام يتكلمون باحترامٍ شديد. حسن استقبال الشباب العاملين أجمل ما في مشاهد العودة. وما عداه كل شيء، تقريبا كلّ شيء، زفت! سجادة الحقائب تعمل ببطء شديد والتفاصيل، بغالبيتِها، تحتاج الى تأهيل؟ متشائمون؟ نحبّ النقّ؟ لا، نحن لبنانيون… واللبنانيون، اعترف من يُمسكون بالمفاصل المختلفة في لبنان أو لا ، ليسوا على خير ما يرام . رحنا وعدنا وجيل الواي فاي الخامس لا يزال يترحم على الأجيال السابقة!