IMLebanon

بداية تململ في بيئة “الحزب” بسبب العقوبات الأميركية

كتب طوني بولس في صحيفة “اندبندت عربية”:

يستمر حبْسُ الأنفاس في لبنان نتيجة تداعيات الاحتجاجات الشعبية التي نُظمت في بيروت وعدد من المناطق اللبنانية، حيث تحولت احتجاجات، الأحد الماضي، بشكل مفاجئ إلى مَظاهر فوضوية قُطعت خلالها الطرق وأحرقت الدواليب، في مشهد يُنذر بانفلات الأوضاع وتفاقم الاحتجاجات الشعبية في المرحلة المقبلة، تحت “أزمة الدولار” وشحّه في الأسواق.

بيئة “حزب الله” تنتفض

وفي هذا السياق يرى متابعون أن ما شهده لبنان يوم الأحد سيتكرر في المرحلة المقبلة، وأن التحركات ستتسع ككرة ثلج للتحول إلى حراك شعبي له امتداداته على الساحة اللبنانية، تحت مطالب معيشية اقتصادية. وقد لاحظ المتابعون مشاركة كثيفة من البيئة الحاضنة لـ”حزب الله” في التظاهرات الأخيرة، نتيجة تداعيات العقوبات الأميركية المفروضة على الحزب، التي أدت إلى ضائقة اقتصادية خانقة في معظم المناطق المحسوبة عليه.

مصادر مواكبة للتظاهرات أعلنت عن تجمع شعبي كبير في منطقة “بريتال” البقاعية، إحدى كبرى القرى الشيعية في البقاع، تخلله قطع للدواليب وإحراق لراية “حزب الله” وتحميل نواب الحزب مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في البقاع، متهمين الأمين العام حسن نصر الله بخذلهم بعد أن خاض الانتخابات النيابية الأخيرة تحت عناوين “معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البقاع”.

تضييق الخناق

وبحسب مصادر مطلعة، فقد اقتربت نسبة البطالة في منطقة بعلبك – الهرمل، المعقل الأكبر لـ”حزب الله” في لبنان، من الـ60%. فمنذ أن بدأت وزارة الخزانة الأميركية إصدار رزم عقوبات متتالية على كيانات وأفراد مرتبطة بتمويل نشاطات “حزب الله”، واستبعاده من النظام المالي المحلي والدولي، والعمل على تجفيف منابعه المالية، حتى ازداد الخناق على بيئة الحزب وبدأوا يشعرون بوقع العقوبات عليهم لجهة “تضييق” عملياتهم المصرفية.

في المقابل، تتخوف مصادر أمنية لبنانية من تحول تردي الأوضاع الاقتصادية إلى “محفّز” لإشعال ثورة شعبية ضد التحالف الحاكم في لبنان، الذي يعتبر من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين السبب المباشر للانهيار الاقتصادي، مشيرة إلى أن السلطات اللبنانية تدرس آلية قمع الاحتجاجات تحت عنوان ملاحقة “مطلقي الشائعات”. وقد لمحت مصادر القصر الرئاسي إلى أن “ما حصل الأحد أمر مفتعل للنيل من رئاسة الجمهورية”، وأصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية تعميماً عن نص المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدد ماهية النشر، والمادتين 319 و320 من القانون نفسه واللتين تحددان العقوبات بحق مرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة المالية، الأمر الذي قرأه البعض أنه يأتي في سياق حملة الترهيب المتوقعة ضد المعترضين على السياسة المالية المتبعة.

“عدوان اقتصادي”

من ناحية أخرى، تخشى مصادر دبلوماسية غربية، مُتابعة لموضوع العقوبات الأميركية على “حزب الله”، انتقاماً يقوم به الحزب ضد المعترضين “الشيعة” لقمعهم وخنق الحركة الاعتراضية المتنامية في بيئته الحاضنة بمهدها قبل أن تصبح حالة متكاملة مؤثرة في عقر دار الحزب.

كما عبرت تلك المصادر عن قلقها من ردة فعل الحزب على القطاع المصرفي اللبناني وحاكمه رياض سلامة، نتيجة التزامها بمعايير العقوبات الأميركية، في ظل الاتهامات الموجهة من الحزب بأن القطاع المصرفي ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية تشن “عدواناً اقتصادياً” على الحزب، مذكرة بالتفجير الذي استهدف أحد المصارف في بيروت عام 2016 لدى إعلان الحاكم التزام لبنان الكامل بالعقوبات على “حزب الله”، معتبرة أن “هذا الاستهداف وُضع حينها في سياق ترهيب المصارف”.

لا زيادة في الأسعار

وفيما يتعلق بالوضع النقدي في لبنان، رأى الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية وشؤون الاستثمار جهاد حكيّم، في حديث لـ”إندبندنت عربية”، أن “أزمة سعر الصرف في سوق الصيرفة لم يعكس زيادة في الأسعار، وذلك مع عدم تسجيل زيادة في مؤشر التضخم”، لافتاً إلى أنه “ما لم يرتفع مؤشر التضخم بشكل فجائي، فإن سعر الصرف الثابت لا يزال ساري المفعول”. وذكّر بأن غالبية العمليات بالدولار تحصل عبر المصارف بالسعر الرسمي المحدد من البنك المركزي.

معدلات “مخيفة”

وشدد الحكيّم على ضرورة أن يكون النقد في خدمة الاقتصاد وليس العكس، معتبراً أن المواطن يتأثر بشكل مباشر في ظل انخفاض الناتج القومي المحلي بنسة 0.6% لعام 2019، في ظل غياب فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، بعد انخفاض مستوى الاستثمارات والارتفاع الجنوني لنسب الفوائد، ما يفسر حالة الغضب التي بدأنا نراها بوضوح في الشارع، وهي مرشحة للازدياد كون معدل الفقر يرتفع بشكل مخيف.

تحديات كبيرة

وفي السياق نفسه، قال الخبير الاقتصادي والمالي بروفيسور جاسم عجاقة، إن “العقوبات الأميركية على إيران وحزب الله تحديات كبيرة جداً للدولة اللبنانية”، جازماً بأنها أربكت بعض القوى السياسية.

ورأى أن العقوبات الأميركية الأخيرة على مصرف “جمّال تراست بنك” وزيارة نائب وزير الخزانة الأميركية الأخيرة إلى لبنان، زادت من تعقيدات المشهد السياسي، خصوصاً مع بدء “حزب الله” مطالبة الحكومة اللبنانية باتخاذ مواقف رسمية ضد العقوبات الأميركية ووقف تعاون المصارف معها. وتابع “إذا كان حزب الله يعي استحالة عدم تطبيق العقوبات للمصارف اللبنانية، نظراً للتداعيات الكارثية عليها، يأتي ضغط الحزب على الحكومة ليطرح السؤال حول قدرة الحكومة على القيام بإصلاحات في ظل الضغوطات الخارجية والداخلية معاً”.

واعتبر أن لبنان استطاع على الرغم من نسيجه الداخلي، أن ينعزل عن العقوبات الأميركية التي كانت ستطيحه إذا مسته بطريقة أو بأخرى. ويعود الفضل بالدرجة الأولى إلى القطاع المصرفي اللبناني، الذي استطاع أن يمتثل للقوانين الدولية وتعاميم حاكم مصرف لبنان الاستباقية، والتعاميم التي صدرت بعد التصويت على القوانين الأميركية من قبل الكونغرس.