IMLebanon

لبنان يواجه خطر انحدار قيمة الليرة

اتسعت المخاوف من عجز الحكومة اللبنانية عن موصلة دفع ثمن تثبيت سعر الليرة مقابل الدولار، رغم أنه يمثّل حائط الصد الأخير لمنع الانهيار الاقتصادي. ويرجّح المحللون احتمال تدهور قيمة الليرة إذا ما تمّ فك ارتباطها بالدولار، في ظل المراجعات السلبية لتصنيف ديون البلاد من قبل الوكالات العالمية.

تنهمك الأسواق والمستثمرون والمحللون في تقدير حجم المخاوف التي تواجه الليرة اللبنانية وإمكانية تدهور قيمتها، في ظل استمرار شحّ الدولار واتساع الفجوة بين السعر الرسمي والأسعار المتداولة في السوق السوداء.

ويأتي ذلك بعد أن قلّصت المصارف في الأسابيع الأخيرة عمليات بيع الدولار، الذي يستخدم بكثافة بالتوازي مع الليرة في كافة العمليات المصرفية والتجارية. وبات من شبه المستحيل سحب الدولار من أجهزة الصرف الآلي.

وأثار ذلك حالة هلع لدى المواطنين الذين ارتفع طلبهم على الدولار كونهم يسدّدون أقساطا وفواتير عدة بهذه العملة، ولدى أصحاب محطات الوقود ومستوردي الدقيق والأدوية الذين يدفعون فواتيرهم بالدولار.

وأحدث شحّ الدولار فجوة بين السعر الرسمي لليرة وأسعار السوق السوداء، رغم تثبيت أسعار الصرف منذ عام 1997 لمنع انهيار الليرة، الذي حدث مرات كثيرة كان آخرها بعد عامين من انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).

ويبلغ سعر الصرف الرسمي حاليا 1507.5 ليرة مقابل الدولار، لكن الأزمة الأخيرة دفعت سعر الدولار في السوق الموازية إلى 1600 ليرة للمرة الأولى منذ 22 عاما.

ويجد الكثير من التجار، مثل أصحاب محطات الوقود صعوبة في توفير الدولارات بالسعر الرسمي لشراء الوقود وقد أغلقوا محطاتهم أحيانا، كما أدّى ذلك إلى الكثير من الإضرابات والاحتجاجات على تردّي الأوضاع الاقتصادية.

ويصرّ مصرف لبنان على أنّ الليرة بخير ولا تواجه أزمة. وربط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ارتفاع سعر صرف الليرة بعدة أسباب أبرزها زيادة استيراد بعض المواد الأساسية.

وقال “لا نعرف إذا كان كل هذا الاستيراد للاستهلاك المحلّي”، في إشارة إلى عمليات التهريب إلى سوريا. وسمح مصرف لبنان في تعميم أصدره الأسبوع الماضي بتوفير الدولار للمصارف التجارية لدعم استيراد المشتقات النفطية والقمح والأدوية للحدّ من تداعيات الأزمة.

وتأتي هذه التطوّرات في ظل تراجع معدل النموّ وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع تحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية، وتراكم الديون التي بلغت نحو 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي، وهو من أعلى المعدلات في العالم.

وتعهّد لبنان العام الماضي بإجراء إصلاحات هيكلية وخفض العجز في الموازنة العامة، مقابل حصوله على مساعدات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار أقرّها مؤتمر “سيدر” الدولي الذي عُقد في باريس. لكن تأخر الحكومة في الإيفاء بتعهداتها عرقل حصولها على المال.

وحذّرت وكالة “موديز” من أنها قد تخفّض التصنيف الائتماني للبنان خلال الأشهر الثلاثة المقبلة “إذا لم يتبلور مسار الأمور باتجاه إيجابي” بعدما خفّضت مطلع العام تصنيفها الائتماني لديون لبنان طويلة الأجل إلى “سي.أي.أي 1”.

كما خفّضت وكالة فيتش في أغسطس تصنيف لبنان من “بي سلبي” إلى “سي.سي.سي”. ورجّحت وكالة ستاندارد أند بورز استمرار تراجع ثقة المستثمرين ما لم تتمكن الحكومة من “تطبيق إصلاحات بنيوية لتقليل العجز في الموازنة وتحسين النشاط التجاري”. وقالت ذهبية غوبتا نائبة مدير قسم التصنيف السيادي في ستاندارد أند بورز إن “ذلك يعني أننا قد نخفّض التصنيف خلال ستة إلى 12 شهرا”.

86 مليار دولار حجم الدين العام اللبناني وهو يعادل 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد
ومع ذلك يرى بعض الاقتصاديين أن الوضع المالي لم يصر إلى مرحلة الخطر رغم الثمن الباهظ لحماية استمرار ربط الليرة بالدولار. ويعتقد هؤلاء أن مصرف لبنان يملك الأدوات اللازمة للحفاظ على الاستقرار النقدي، وأنه يملك احتياطات كافية بالعملات الأجنبية تمكّنه من ردع المضاربات والتدخل في سوق الصرف للحفاظ على سعر صرف الليرة.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم احتياطات البنك المركزي بلغت نحو 38.5 مليار دولار نهاية سبتمبر الماضي، بزيادة مليارين عن مستويات يونيو، وهو ما يعادل تقريبا أربعة أضعاف احتياطات البلاد في عام 2005.

ويرى مروان بركات كبير الاقتصاديين في بنك عودة أن من بين المؤشرات الإيجابية الأخرى، أن الودائع المصرفية، التي تسمح لمصرف لبنان بتجديد احتياطاته بالعملات الأجنبية، ارتفعت خلال ثلاثة أشهر متتالية بين يونيو وأغسطس الماضيين.

لكنّ مراقبين آخرين يقولون إن ذلك ليس كافيا لتبديد جميع أسباب القلق. وتقول ذهبية غوبتا من ستاندارد أند بورز التي تتابع الوضع المالي اللبناني عن كثب، إن نموّ الودائع المصرفية واحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية “مرتبط بإجراءات مالية أقدم عليها المصرف المركزي قد لا تدوم نتائجها”.