IMLebanon

قوانين “بالفيترين”!

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

 

إنهم يُلخّصون الوطن في قانون ثم يضعون القانون في علبة ثم يضعون العلبة في جيوبهم! وهكذا تُصبح قوانيننا اللبنانية التي نهلل لإنجازها “قوانين بالفيترين”!
فلنبدأ من ملف الكهرباء الساخن جداً شعبياً والبارد جداً تطبيقيا، وكأن الشعب في وادٍ والقوانين التطبيقية التي يفترض أن تحكم ملفاً كهذا، بشفافية، في وادٍ آخر سحيق! خمسة عشر عاماً صدرت فيها قوانين بالجملة لكن لم ينفذ فيها قانون ولو واحد للكهرباء. قانون الإثراء صدر لكن بدا لاحقاً أن تطبيقه محال. صُنع القانون كي لا يُطبق لأن من يرفع دعوى فيه يدفع ثمن فتحها 25 مليوناً وإذا خسرها يدفع 200 مليون. القانون صُنع ليجعل الناس يترددون ألف مرة قبل أن يرفعوا دعوى في هذا القانون.

ثمة أربعون قانونا، تمّ الكشف عنها، لم تجد في عشرة أعوام إدارات رسمية تُطبّق ما فيها. مئات القوانين “لا معلّقة ولا مطلّقة”. قوانيننا اللبنانية قصّة في ذاتها.

قانون معجّل… مؤجّل

الخبير في علم القانون والإجتماع وعضو المجلس الدستوري (السابق) أنطوان مسرّة يكاد لا يهدأ في ملف تطبيق القوانين. يُتابع التفاصيل مع رئيس لجنة متابعة تنفيذ القوانين في البرلمان اللبناني النائب ياسين جابر و”حمل الأخير ليس بسيطاً”. يعلّق مسرة بهذا ويضيف “حال تطبيق القانون في لبنان، في شكلٍ عام، صعبة وغير بسيطة و”غير مفهومة”. فلنأخذ مثلا القانون المعجل المطعون فيه رقم 129 تاريخ 30 نيسان 2019 ويتعلق بالكهرباء، ويُراد به إجراء تلزيم للكهرباء خارج بوابة المحاسبة وشروط المناقصات، ومن الأسباب الموجبة، بحسب طارحيه “توخي السرعة” وكأن القانون إذا مشى بالطريقة الصحيحة يعيق السرعة. وهذا يسيء الى مفهوم القانون الذي سبق ولم يُطبق طوال خمسة عشر عاما في الموضوع ذاته. فلماذا لم يُسرعوا بتطبيق القوانين في 15 عاماً؟

شاؤوا ألاّ يُطبقوا القانون لغاياتٍ في نفس يعقوب وتجاوزوا القانون “بقانون يخالف المادة 12 من قانون المجلس الدستوري رقم 250 تاريخ 17 تموز 1993 بحجة “توخي السرعة”. نقيضان في التعامل مع “القانون” يسحقان أيّ منطق وفكر وقانون.

جرى الطعن في القانون المخالف. لكن ماذا عن القوانين غير المطبقة وهي كثيرة؟ وماذا عن حال القوانين عموماً في لبنان؟

حين يبدأ أنطوان مسرة، مدير المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي، في الغوص في أحوال القانون في لبنان تكرج المرادفات مجبولة بالأسى “فالقوانين انحرفت عن هدفها، وهناك من يستغلّ القانون كرمزية من أجل إيهام الناس بالتغيير أو يستخدمها كأداة لمصالح خاصة أو إستغلال القانون تحت ستار الشفافية والمحاسبة في سبيل الإنتقام او إستغلال القانون في سبيل المماطلة”.

القانون يفسد أيضاً

القانون كما الجسم البشري معرض للمرض والفساد على حساب “صفة المعيارية”. والقانون يتعرض، بحسب مسرّة، في لبنان وفي بلادٍ كثيرة الى المرض بسبب تنامي مظاهر الديموقراطية، من دون الولوج الى لبّ الديموقراطية وشروطها ولا الى شروط ممارسة المواطنة الفاعلة. وهذا يؤثر كثيرا على لبنان، البلد الصغير، بسبب وجوده في جوارٍ متأزم وتطبيقه نظرية “اللاقانون” بكلِ سلبياتِها خصوصا في القضايا المسماة “الطائفية” وهي كلمة تحولت بحسب مسرة الى شعار ومزبلة يرمي فيها الباحثون والمثقفون والإيديولوجيون كل ما لا يفهمونه.

القوانين اللبنانية باتت تخضع، كما السياسة، الى مفهوم “المحاصصة”. وفي القانون لا شيء اسمه محاصصة. هذه زبائنية خاضعة لقواعد حقوقية.

مشكلة أهل لبنان مع الحكومة اللبنانية مشكلة. مفهوم الحكومة فيه كثير من اللغط. الحكومة هي سلطة إجرائية، وهذا النوع من السلطات أقوى حتى من مفهوم السلطة التنفيذية. الحكومة اللبنانية هي من يجب أن يجعل الأشياء والقوانين “تجري”. صحيح أنها تمثل طوائف لكن مهمتها “تطبيقية” انما ما يحصل عندنا أننا نُشكّل حكومات أشبه بمجلس نواب مصغّر. من دون أي شفافية. ولا يتأتى عنها أي قرار إلا بتبادل المنافع. إنهم يتحدثون عن حكومات وحدة وطنية ويتحججون بوجودِ مثلها في بعض دول العالم، متغاضين أن تأليف حكومات كهذه يكون في ظروفٍ محددة ولا يجوز أن يُصبح تقليداً ثابتاً.

اللاقانون

بين القانون والسياسة علاقة، في بلدٍ مثل لبنان، وطيدة. وبعض السياسيين يهمسون، في المجالس، نريد حصتنا من النظام الطائفي حتى ولو أتى ذلك على حساب القانون. وها قد استبيحت المواد الدستورية 9 و10 و49 و65 و95. لم تُطبق هذه المواد واعتبرت وكأنها خارج الدستور بحجة وجود علل فيها. وهذا لا يجوز في القانون الذي يفترض أن يعالج إذا مَرُض لا يُنخر بسكينٍ.

اللاقانون في الشؤون الدستورية إمتدّ الى كلِ التشريعات. هم يريدون إجراء تلزيم للكهرباء، خارج رقابة ديوان المحاسبة وشروط المناقصات بحجة ضرورات السرعة. أتتخيلون هذا؟ أتتخيلون أن يُنسف القانون بذريعة السرعة؟ أتتخيلون أن يُنسف القانون تحت أي ذريعة؟

منسق البرامج في المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي المحامي ربيع قيس وجد أكثر من أربعين قانوناً صادرة عن مجلس النواب منذ أكثر من عشرة أعوام وهي محتجزة في الأدراج بحجة أنها تحتاج الى مراسيم تطبيقية. قانون سلامة الغذاء لم يطبق. قانون القياس لم يطبق. قانون الفحوصات الجينية لم يطبق… واجب المجتمع المدني، بحسب مسرّة، المساعدة في التطبيق. هذا هو مفهوم المجتمع المدني الذي لا يمكنه أن يلعب دور المعارضة السياسية. منهجية المعارضة السياسية تختلف كليا عن منهجية عمل المجتمع المدني الذي عليه أن يتعاون مع السلطات العامة من أجل الضغط في سبيل إتخاذ القرار. هذا ما كانت تفعله لور مغيزل التي لم تقبل بتنظيم تظاهرة واحدة ولا المشاركة بإضراب واحد بل عمدت الى ممارسة الضغط على الجهات السياسية عبر الإتصال بهم صباحاً وظهراً ومساءً وفي اليوم التالي وبعده وبعد أسبوع.

أغرب ما نراه، في هذا الزمان، المطالبة بقوانين تنسف قوانين لم تطبق، أو المطالبة بتحديث قوانين لم تطبق. فكيف تُحدّث قوانين لا تُعرف الثغرات فيها وما هو مطلوبٌ تحديثه فيها؟ وكيف تُقرّر وزارة كما وزارة الطاقة والمياه إصدار قانون معجّل متجاوزة كل الإجراءات وهي التي ترددت في تطبيق كثير من القوانين؟

وهذا القانون المعجّل أتت الردود عليه في جلسةٍ عامة للمجلس النيابي جرت في 17 نيسان 2019، من كتلٍ نيابية عدة، سلبية جداً وهذا بعض مما قيل فيه: “هو تهريبة”، “هو استثناء الاستثناء”،:من يراقب”، “شيك على بياض”، “حالة هجينة”، “فوضى تشريعية”، “إزدواجية في كل شيء”…

النائب ياسين جابر الذي يشغل منذ عامين رئاسة لجنة متابعة القوانين في البرلمان يُعدد بين الفترة والأخرى عدد القوانين التي لم تطبق مطالباً وبإلحاحٍ فعل ذلك. لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟

النواب والوزراء والمعنيون يتذمرون! فهل نفعل فعلهم ونقطة على السطر؟

غريبٌ حقا هو أمرُ القوانين اللبنانية التي في “الفيترين” والقوانين التي تُقرّ مع “وطاويط الليل”!

43 ألف و800 ساعة مضت على لجنة تنفيذ القوانين… جورج عقيص: فلتعمم تجربة الصحة والاقتصاد

هو قاضٍ (سابق) ونائب (حالي) وعضو في لجنة متابعة تنفيذ القوانين التي قرر المجلس النيابي اللبناني الموقر إنشاءها في أواخر العام 2014. وها نحن في أواخر سنة 2019. خمس سنوات. 1830 يوما. 43 ألف و800 ساعة زمنية منذ ذاك الإنشاء. فمن أجل ماذا تشكلت؟ وهل في إنشائها إفادة؟

عضو اللجنة هو عضو تكتل «الجمهورية القوية «النائب جورج عقيص الذي له باع طويلة في القانون وكتب قبل ثلاثة أعوام كتاباً سماه «أخذني بعض الوقت لأفهم»! هو فهم. أخذ وقتاً لكنه عاد وفهم أما نحن فأمور كثيرة ما زلنا نجهلها. نتجاهلها؟ لا، دعونا نسأله عنها ما دام في قلب معادلة «لجنة متابعة تنفيذ القوانين». فلماذا هناك قوانين لا تنفذ؟ وأليس من حقّ المواطن مطالبة القضاء بإلزام الحكومة تنفيذ القوانين؟ هل هناك موانع سياسية تعرقل تنفيذ كثير من القوانين في لبنان؟ وهل هناك من يتعمد تعطيل القانون؟ وهل ما زال عدد القوانين المعطلة 52؟ هل زاد؟ هل نقص؟

ننتظر خروج القاضي- النائب من جلسة برلمانية استيضاحه بشأن تساؤلات مشروعة. وهو، بهدوءِ العالم «بالبيضة والتقشيرة»، يشرح: عدد القوانين التي لم تطبق، في شكلٍ كليّ أو جزئيّ، حتى اللحظة هو 52 قانونا ونُدرجها في فئات عدة هي:

أولا، وجود رغبة سياسية لدى البعض بعدم تطبيقها، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالهيئات الناظمة، حيث يحتاج هذا الأمر الى قرار سياسي.

ثانيا، ثمة قوانين تقنية أو تخصصية تحتاج الى خبرات متخصصين لإصدار المراسيم. وفي هذا الإطار جرى تعاون بين اللجنة وعدد من الجمعيات والمنظمات الأهلية والدولية، ونجحنا في إعداد مراسيم تطبيقية في قوانين تتعلق بالمقاييس وبسلامة الغذاء و»دي أن إي». ويستطرد: وهنا يفترض بنا تسجيل قصة نجاح لكل من وزارتي الصحة والإقتصاد في الحكومة السابقة اللتين ساهمتا بجدية وبسعي دؤوب لإنجاز هذه المراسيم.

ثالثا، هناك قوانين لم تطبق لعدم القدرة العملانية على هذا التطبيق مثل قانون السير وقانون مكافحة التدخين في الأماكن العامة. نحتاج هنا الى قوى أمنية ومحاضر ضبط وتفتيش وتعاون وزارة الداخلية والهيئات المعنية لكن، كما تعرفون، هناك تراخٍ من قِبل السلطة التنفيذية وإهمال فاضح وكسل. وفي هذه الفئة نعتبر أن القوانين كانت طموحة أكثر من قدرة الدولة على تنفيذها.

سأنجحُ يوماً ما وسأحقق أحلامي. سأنجح يوماً ما وسأحقق أحلامي… تُرى هل علينا أن ندعو القيمين على تنفيذ القوانين في لبنان الى ترداد هذه العبارة كي تتحقق أم أن أحلامهم غير أحلامنا؟

يخبر النائب – القاضي عن سلسلة إجراءات اتخذت في هذا الإطار تتضمن:

أولاً، توصية من قبل لجنة متابعة تنفيذ القوانين من أجل أن يكون التشريع أكثر فعالية وعمقاً وأن تكون الأحكام واضحة ولا يحتاج تطبيقها الى مراسيم.

ثانياً، تقدمنا بأسئلة بواسطة رئيس اللجنة النائب ياسين جابر الى كل الوزارات المعنية للإجابة عن سبب عدم تنفيذ القوانين وحصلنا على مباركة في تحويلها الى استجواب في حال عدم الردّ على الأسئلة أو عدم الإقتناع بالردّ. وجهنا 13 سؤالاً الى 13 وزارة، تسع منها لم تجب وأجابت أربع وزارات فقط. وهذا يدلّ الى عدم إكتراث الحكومة بالأسئلة. ويستطرد عقيص: للأمانة، كلّ الأسئلة التي وجهتها شخصياً حصلت على إجابات عليها اما الأسئلة التي وُجّهت من قِبل اللجنة فتأخذ وقتاً أطول. ومعلوم أن الإجابة يفترض أن تتمّ خلال 15 يوماً.

ثالثاً، دعم عملية الإستعانة بخبرات تخصصية للمراسيم التي تحتاج إليها. وهذه الخطوة ستُشكل إستكمالا للتجربة الناجحة التي تحققت عبر وزارتي الصحة والإقتصاد في الحكومة السابقة. ويفترض أن تعمم.

جميلٌ جدا هذا الشرح لكن ماذا عما هو أبعد منه؟ ماذا عن القوانين التي يتعمد بعض السياسيين عدم تطبيقها؟ يجيب عقيص: إنها تُشكّل نحو ثلث القوانين التي لم تنفذ لكننا ننوي أخذ إجراءات من أجل تخطي الجدران الموصدة وكل هذا تحت رعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري وبركته ومتابعته الدقيقة. ولن نقف مكتوفي الأيدي.

نصدق؟

النائب – القاضي يزن كلامه بدقة لكن التجارب السابقة تجعلنا نعدّ الى عشرة قبل أن نصدق أن دولتنا التي لها حساباتها ستنفذ ما هو لمصلحة ناسها. التجارب غير المبشرة كثيرة. قوانين الكهرباء واحدة منها.

سنصدق. ننتظر.