IMLebanon

حكومة جعجع المحايدة تستفز البعض وتجبر آخرين على اتخاذ “وضعية النعامة”

دفعت المخاوف من انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان، البعض إلى طرح خيار تغيير الحكومة الحالية والاستعاضة عنها بحكومة تكنوقراط، تتبنى مقاربات مختلفة عن السائد الذي أثبت من وجهة نظر الكثيرين عقمه.

ويواجه الاقتصاد اللبناني أزمة غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب الأهلية في بداية تسعينات القرن الماضي، في ظل تآكل احتياطات لبنان من العملة الصعبة، وارتفاع الدين العام الذي تجاوز سقف 140 بالمئة، وهو من أعلى النسب على الصعيد العالمي.

ويحاول رئيس الوزراء سعد الحريري جاهدا كبح هذا التدهور عبر التوجه للدول الخليجية والغربية الصديقة وكان آخرها إلى الإمارات العربية المتحدة، بالتوازي مع تسريع عملية الإصلاح من خلال إنجاز موازنة العام 2020، في مسعى لرفع التجميد عن أموال سيدر التي سبق وتعهدت بها الدول المانحة في مؤتمر بباريس العام الماضي شريطة التزام بيروت بخطة إصلاح جدية تلمس أهم القطاعات لوقف الهدر الحالي في مالية البلاد.

ويعتبر خبراء أن هذه التحركات تبقى غير كافية، على ضوء إكراهات عدة بينها أن الدعم الخارجي لن يكون مجانيا وهو يرتبط بجملة من الشروط بينها ضرورة تطبيق فعلي لسياسة النأي بالنفس التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة الحالية وهذا أمر غير وارد على ضوء تورط طرف في الحكومة في معظم الأزمات المشتعلة بالمنطقة.

وإلى جانب ذلك، فإن التجاذبات والمزايدات التي تطبع الحياة السياسية في هذا البلد، تجعل من الصعب الوصول إلى توليفة حقيقية تنقذ البلاد من شبح الإفلاس، وعلى ضوء ذلك يقول الخبراء إن طرح بعض القوى وفي مقدمتهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خيار تغيير الحكومة وتشكيل أخرى تقودها كفاءات لها مطلق الصلاحيات قد يشكل أحد الخيارات الواقعية لتجاوز الأزمة الراهنة.

وطرح جعجع خلال عشاء تكريمي أقامه راعي أبرشية كندا المارونية المطران بول-مروان، خيارين على اللبنانيين “الأول على المدى المتوسط من خلال الانتخابات النيابية في العام 2022” فالتغيير، وفق قوله “بين أيدي اللبنانيين، وهذه الديمقراطية هي ثروة كبيرة يملكها الشعب اللبناني ولكنه لا يستعملها، الناس يشكون ويئنون من الوضع في حين أن التغيير في يد كلّ واحد منّا من خلال صندوق الاقتراع”.

 

نبيه بري: الطائفية هي سم النظام وحاميته في آن معا
والخيار الثاني بحسب رئيس القوات “على المدى المباشر وهو أن نبدّل الحكومة الحالية بحكومة أخرى مختلفة، فمنذ عشر سنوات حتى اليوم نرى الأكثرية الوزارية نفسها، تتغيّر بعض الوجوه ولكن القوى الفعلية هي نفسها، طبعا ليست قادرة على فعل شيء”.

وذكر جعجع أنه “طرح هذا الأمر خلال الاجتماع الاقتصادي ـ المالي لإعلان حالة طوارئ اقتصادية في بعبدا، بحيث طالبتُ بإفساح المجال لتشكيل حكومة من أخصائيين وتقنيين من أحجام كبيرة، ولندعها تعمل لإنقاذ الوضع لأن الأكثرية الوزارية لو كانت قادرة على إنقاذ الوضع لما أوصلته إلى هنا”.

وباستثناء حزب الكتائب اللبنانية غير المشارك في الحكومة الحالية، يؤيد هكذا مقترح بل أنه سبق ونادى به، فإن باقي القوى تلتزم صمتا هو أبلغ من الكلام عن رفضها القاطع لمجرد النظر في ذلك. وهذا متوقع ذلك أن التركيبة السياسية في هذا البلد والتوازنات الدقيقة التي تحكمه منذ اتفاق الطائف تجعل البحث في خيار حكومة محايدة شبه مستحيل.

وبرزت تسريبات عن وجود امتعاض من رئيس الوزراء لمقترح جعجع، الذي يعتبر أن توقيته غير ملائم خاصة في ظل الجهود التي يخوضها لاحتواء الأزمة الاقتصادية، وهذا الموقف غير مستغرب ذلك أن الحريري قد يقرأ المسألة على أنها تشويش على جهوده حتى وإن كانت غير مقصودة، فضلا عن أنه من غير الوارد أن يدعم هذا التوجه إن لم يكن مشروطا بأن يقود هو قاطرة تلك الحكومة.

وبخصوص حزب الله الذي أظهر في السنوات الأخيرة حرصا على تعزيز تموقعه السياسي لا يعتبر أن هكذا حكومة محايدة تصب في مصلحته خاصة في هذا التوقيت حيث يشتد الخناق الأميركي عليه، ويرى أن الحفاظ على الحكومة الحالية هو الخيار الأسلم لما توفره له من غطاء سياسي هو في أمس الحاجة إليه.

ويلفت محللون إلى أنه حتى أولئك الذين ينتقدون ليلا نهارا المحاصصة السياسية والطائفية في هذا البلد، يعتبرون أن مسألة إرساء حكومة محايدة، من “التابوهات”، لأنها ستعني بداية مسار لا يريدونه يقوض امتيازاتهم التي راكموها ولا يزالون، من خلال طرحهم في كل مرة تغيير القانون الانتخابي لتعزيز مكاسبهم السياسية.

ونقل نواب عن رئيس المجلس نبيه بري الأربعاء قوله “إن الطائفية هي سمّ النظام وحاميه في آن معا لكن إلى متى”، لافتا إلى أن  “القانون الانتخابي الحالي الذي جرت الانتخابات السابقة بناء عليه، هو قانون ميني أرثوذكسي ونعيش اليوم تردداته السلبية”.

وجدير بالذكر أن كتلة بري النيابية تقدمت بمقترح قانون جديد قائم على اعتبار لبنان دائرة واحدة وهذا تتحفظ عليه معظم القوى المسيحية بما فيها القوات اللبنانية التي تعتبر أنه يضر بصحة التمثيل المسيحي.

وأعلن جعجع في لقاء كندا رفضه رفضا قاطعا البحث في قانون انتخابي جديد في ظل هذه الظروف، محذّرا من أن “القانون الانتخابي المطروح للتداول هو كناية عن ديمقراطية عددية، غير مقنّعة حتى، وهذا ليس ما ينصّ عليه الميثاق الوطني ولا اتفاق الطائف أو الدستور”.