IMLebanon

المساعدات المالية ما لها وما عليها

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

 

الاصداء الايجابية التي تتركها أخبار تلقي لبنان مساعدات مالية، تبقى تتردد في الأفق من دون أن تأخذ طريقها على الارض، وإحداث أي تغيير جذري. ولو سلمنا جدلاً بأن المساعدة الاماراتية ستبلغ 1.4 مليار دولار – بالرغم من عدم تأكيد المبلغ او نفيه من مكتب رئيس الحكومة – ستبقى هذه المساعدة، المتوقع ان تأخذ شكل وديعة في المركزي، عاجزة عن إحداث صدمة إيجابية بحسب الخبراء والمسؤولين.

كثرت التكهنات حول قيمة وشكل الوديعة الاماراتية المزمع تقديمها الى لبنان، وإذا كان من الممكن أن تتراوح قيمة المساعدة بين 500 مليون و 1.4 مليار، فإنه ليس هناك أكثر من ثلاثة أشكال ممكن أن تتخذها في حال وصولها.

شكل المساعدة

الشكل المحبّب: بأن يكون المبلغ المالي عبارة عن وديعة في مصرف لبنان تساهم في رفع إحتياطي المركزي من العملات الاجنبية الى أكثر من 38.5 مليار دولار أميركي. هذه الوديعة ممكن استخدامها أولاً في دعم الليرة اللبنانية في وجه الدولار، ذلك بعدما بدأ “تقنين” التدخل في سوق القطع يسبب أزمات إقتصادية وإجتماعية، واشتد الخناق على آلاف المؤسسات والأسر على امتداد الوطن. إلا أن لهذا الشكل المحبب نتائج سلبية، تتمثل في إراحة المسؤولين من هم الاسراع في الاصلاحات المطلوبة، والإطمئنان الى أن الإنقاذ يتأمن كلما وصلنا الى حافة الهاوية.الشكل المقبول: بأن تستثمر هذه الاموال مهما بلغ حجمها في سندات الخزينة بالعملات الاجنبية أو “اليوروبوندز”. هذا الشكل من المساعدة يساهم في استقرار السندات اللبنانية ويرفع أسعارها نتيجة زيادة الطلب عليها ويقلل من أسعار فوائدها، ويساهم كما الوديعة في تمويل عجز الدولة والحفاظ على الإستقرار النقدي. أما سلبيات هذا الشكل فتتمثل أولا، وهو الخطير، في زيادة نسبة الديون الخارجية، وفقدان لبنان ميزة حمل أكثر من 70 في المئة من ديونه داخليا، وهو الامر الذي شكل على مدار السنين حماية أساسية للإقتصاد. وبحسب خبير إقتصادي فإن “الخطورة هي في إقدام حَمَلة “اليوروبوندز” الخارجيين، نتيجة قرارات جيوسياسية أو شخصية مع الدولة اللبنانية، على بيع ما يحملونه من سندات في الاسواق العالمية، عندها ستتدهور أسعار هذه السندات وتتراجع الثقة بها ويرتفع العائد عليها بشكل كبير، مما يؤدي الى مضاعفة آثارها السلبية أو حتى الكارثية على المالية العامة والوضع الاقتصادي”.

الشكل المستبعد: وهو أن يجري استثمار هذه الأموال في البنى التحتية المتهالكة ومشاريع الكهرباء والماء وغيرها. لكن هذا الخيار مستبعد لسببين: الاول، لانه يتطلب وجود إصلاحات حقيقية واستقراراً في القوانين الضريبية ومعدلات الفوائد المصرفية، خوفاً على ضياع هذه الاموال. والثاني، وقد يكون الاهم وهو عدم مصلحة السياسيين في تمويلٍ محدود يلعب دور “سيدر”، بل إن المطلوب تمويل يعطي القليل من الاوكسيجين لوصول أموال سيدر الـ 18 مليار.

كل المساعدات التي تزيد إحتياطي مصرف لبنان من العملة الاجنبية وتضاف الى حجم ودائع يبلغ 170 مليار دولار في المصارف الخاصة، تعتبر مؤشرات جيدة، وترفع الثقة في الحالات الطبيعية، إنما في وضع الانكماش الذي وصله لبنان، وتراجع النمو بحسب البنك الدولي الى 1.1- للعام الحالي و 1- في المئة للعام 2020، فان “الثقة لا تعود تحتسب بالارقام والموجودات والودائع، بل تصبح ذات طابع سياسي يتعلق بالقدرة على خلق صدمة إيجابية”. يقول عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي د.أنيس بو ذياب.

الصدمة السياسية

مهما بلغ حجم المساعدات ستستنزف في وقت قياسي، نتيجة استمرار تهميش الاصلاحات الجدية وغياب الثقة. وعليه فان المطلوب عودة المستثمرين العرب والخليجيين الى لبنان، وليس فقط تقديم المساعدات، وهذا لن يتم بحسب بو ذياب، “الا من خلال خلق صدمتين سياسية وإقتصادية، تتمثل الاولى بعقد طاولة حوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية وإعادة الثقة بالقرار الوطني وإعلان الحياد الفعلي عن صراعات المنطقة. أما الصدمة الاقتصادية فهي بزيادة جباية الضرائب ووقف التهرب الجمركي، والخروج من حالة المراوحة المستمرة منذ ستة أشهر في موضوع الكهرباء والفشل في تعيين الهيئة الناظمة ومجلس إدارة للمؤسسة، وتغيير عقلية زيادة الايرادات من خلال زيادة الضرائب”.

طالما لا يوجد استثمارات بسبب استمرار الفساد فان الانكماش لن يقف عند حدود 1.1- في العام 2021 بل سيستمر وتستمر معه التراجعات في كل المؤشرات. من أصل 15 دولة عربية حل لبنان في المرتبة 13 في مؤشر التنافسية العالمي متفوقاً على موريتانيا واليمن، في مؤخرة ترتيب الدول العربية. وإن كان من أهمية لهذا التقرير فهو باظهاره بالاستناد الى البيانات والاحصاءات واستطلاعات الرأي العام، مدى رضى القطاع الخاص عن الخدمات الحكومية ومدى التأثير الإيجابي للحوافز والتسهيلات التي تم الإعلان عنها تباعاً على المستوى المحلي. وهو خير دليل على الواقع القاتم.