IMLebanon

“الحدث” في الضبية… و”الاستثمار” في شارع “الحدت”

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

 

وكأنّ لا شيء يجمع بين القداس الذي دعا إليه “رفاق شهداء 13 تشرين” في كنيسة الصعود في الضبية، وبين ذلك الذي نظمته قيادة “التيار الوطني الحر” في بلدة الحدت، إلا عنوان المناسبة.

مشهدان مثيران للالتباس في قواسمهما المشتركة، وفي تناقضاتهما. وقع الطلاق رسمياً بين جذور “التيار العوني” ومؤسسيه، بجناحيهما العسكري و”النضالي”، وبين “التيار الوطني الحر” بحقبته “الباسيلية”. اختار الفريق الأول الصلاة بصمت بعيداً عن الضوضاء محاطاً بـ”أصحاب المناسبة” من الضباط والعسكريين المتقاعدين الذي خاضوا معارك تلك المرحلة وأهالي الشهداء، فيما أخذ الفريق الثاني احتفاله إلى المنصة السياسية لاستثمارها في معركة شدّ العصب والتحشيد الحزبي ضد “المتآمرين” واطلاق المواقف التصعيدية.

في الضبية، أخليت الواجهة لمن شاركوا في تلك الحقبة. أبقي على الكلام السياسي خارج عتبة الكنيسة. حافظت المناسبة على وجدانيتها و”قدسية” ذكراها المحفور في قلوب وأذهان من عايشوا تلك الفترة. كتب العميد المتقاعد فؤاد الأشقر على حسابه على فيسبوك “ثمن الشهادة يجب أن يكون بمستوى أرواح هؤلاء الشهداء، وعيب علينا أن نستغل دماءهم لإقامة المهرجانات الحزبية والفولكلور والتهريج”.

ولذا لم يلجأ منظمو الاحتفال إلى مقوّيات التحشيد والتعبئة الشعبية. ومع ذلك يؤكدون أنّ عدد المشاركين فاق التوقعات.

بنظرهم، لا أهمية هنا للعبة الأعداد. يقولون إنّه في مرحلة الوصاية السورية حين كان العونيون من فئة المضطهدين، كانوا ينزلون بالمئات إلى الشارع للتظاهر بينما خصومهم يحشدون الآلاف. إلا أنّ حضور المعارضة كان أكثر تأثيراً وفاعلية، لأن “مئاتهم” تعكس حالة الآلاف من المعترضين المنكفئين الجالسين في منازلهم إمّا خوفاً وإما مراعاة لظروف مصالحهم. وكما في الأمس، كذلك اليوم.

ومع ذلك، يؤكد هؤلاء: اليوم صلاة وغداً سياسة. يتجاوز الاحتفال الالهي في بعده السياسي، تلك المشهدية الوجدانية. اذ تشكل المناسبة انطلاقة فعلية لمجموعة “التيار- الخط التاريخي” التي ارتأت الاعلان بهدوء عن انضمامها إلى الحلبة السياسية من خلال خطة تحرك اعتراضية سترى النور قريباً.

اذاً، دقت ساعة التحرّك. النائب شامل روكز الذي يقاطع جلسات تكتل “لبنان القوي” منذ مدّة، بات يجاهر في انضمامه إلى المجموعة “العتيقة”، وجلس في الصفوف الأمامية للكنيسة إلى جانب “رفاقه” الضباط المتقاعدين. اللافت أنه استبق المناسبة ببيان مكتوب وثّق فيه مقارنته بين 13 تشرين 1990 و13 تشرين 2019، متحدثاً عن “طبقة سياسية لا حول ولا قوة له في كبح جموحها نحو الهاوية مكابرةً وعناداً ونكاية… طبقة حاكمة اعتادت ابتزاز المواطن، وإفقاره وتجويعه بغية استزلامه أو إخضاعه. طبقة متغطرسة جعلت لبنان، ويا للأسف، ينافس أكثر الدول تخلفاً على المركز الأوّل…”، من دون أن يستثني أي مكوّن من مكوّنات السلطة، على طريقة “كلن يعني كلن”.

أما في الحدت، فبدت الصورة أكثر أهمية من المناسبة بعينها، وقد تحوّلت إلى فرصة لتوجيه الرسائل السياسية، ولتطويق التفاهم الذي نسج منذ مدة وبهدوء بين المناضلين القدامى والضباط العونيين المتقاعدين. بهذه الروحية حاول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خلال الأسابيع الأخيرة فتح قنوات حوارية مع الضباط المتقاعدين. وحين وقف على منبر 13 تشرين حرص على مخاطبتهم، قبل الانخراط في الجانب السياسي.

ويقول خصوم “التيار” إنّ القيادة استعادت مشهد القداس بعدما تأكّدت أنّ الضابط المتقاعدين والمناضلين القدامى سيحيوون الذكرى من خلال قداس احتفالي. فانشغلت القيادة المركزية طوال الأسبوع على تحميس الهيئات المناطقية لتلبية الدعوة، ولكي تكون المشهدية معبّرة في رسائلها.

وسط حالة الهريان التي تصيب البلاد على المستويين الاقتصادي والمالي، يحاول “التيار الوطني الحر” اقناع ناسه بنظرية المؤامرة التي تحرك رمال الاعتراضات في الشارع. ولهذا قرر اللجوء إلى لعبة الشارع ذاتها لتقويض مخططات “المتآمرين”. ولو أنّ هناك من يسأل العونيين عن هوية المتآمرين طالما أنّ مجمل الطبقة السياسية موجودة إلى جانبهم على طاولة مجلس الوزراء!.

ولكن لهذا “السلاح” تحدياته الكثيرة: فالتيار “يمثل” الحزب المسيحي الأكبر جماهيرياً، ويمثل رئاسة الجمهورية وأكبر تكتل وزاري ونيابي مسيحي بما يختزنان من سلطة ونفوذ وخدمات، فيما المناسبة بحدّ ذاتها محطة وجدانية أساسية في الذاكرة العونية… هذه الاعتبارات مجتمعة تضع بقعة انفلاش العونيين في شارع الحدت، تحت مجهر المراقبة والعدّ. وما رصدته الكاميرات وعدّادات المراقبين، يرفع منسوب التساؤلات عن قدرات “التيار الوطني الحر” التعبوية والذي بات يقارب الـ40 ألفاً كما أعلن رئيسه، خصوصاً وأنّ الاحتفال كان مُنظّماً بشكل أساسي للاحتفاء بـ4000 منتسب حزبي جديد يفترض أنهم من بين المشاركين.

إلى ذلك، لا بدّ من التوقف عند موقفين بارزين أعلنهما باسيل: دعوته رئيس الجمهورية ميشال عون “عدم الانتظار طويلاً وفي اليوم الذي تشعر فيه أنّك لم تعد تستطيع أن تتحمّل، نطلب منك أن تضرب على الطاولة ونحن مستعدون لقلب الطاولة”، واعلانه على نحو رسمي التوجه “إلى سوريا لكي يعود الشعب السوري إلى سوريا كما عاد جيشها، ولأني أريد للبنان أن يتنفّس بسيادته وباقتصاده”.