IMLebanon

بعد الـ800 مليار “المفقودة”: بلدية سن الفيل “تلبس” بـ33 مليون ليرة شهرياً!

كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:

ما يحصل في بلدية سن الفيل استثنائي: 33 مليون ليرة تصرف شهرياً على الملابس، و10 ملايين ليرة على القرطاسية، و30 مليوناً كلفة استئجار آليات. هذه كلها لا تدخل ضمن الـ800 مليار ليرة «المفقودة» من الصندوق البلدي منذ عام 2006، والمعلق الكشف عن مصيرها أمام القضاء منذ 13 عاماً.

قبل أسابيع، فاز مبنى بلدية سن الفيل بلقب «أجمل مبنى بلدي» في مسابقة أجرتها إحدى الإذاعات. قبل ذلك بأيام، كان المبنى الجميل نفسه يسلّم مستندات وفواتير الى ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، بعدما «ضاع» داخله مبلغ 800 مليار ليرة، «فُقدت» من صندوق البلدية بين عامي 2005 و2006، وعجز القضاء عن إيجادها حتى اليوم! على هذا الأساس، يَمثُل رئيس البلدية نبيل كحالة أمام المحكمة، اليوم، استناداً الى قرار ظني صادر بحقه من قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور بإساءة إدارة أموال البلدية وإهمال مهامه الوظيفية (راجع «الأخبار» الجمعة 22 شباط 2019).

الدعوى التي تسير ببطء شديد، منذ 13 عاماً، بسبب تدخلات سياسية رافقها استمرار اللغط حول أداء المجلس البلدي وإنفاقه العالي، ما دفع أحد أعضاء المجلس، عبدو عزام، إلى التقدم بشكاوى لدى القاضي الجزائي المنفرد في المتن ووزارة الداخلية تتعلّق بمصارفات الأعوام الثلاثة الماضية.

بحسب الشكاوى، أنفقت البلدية عام 2017 ما مجموعه 163 مليون ليرة بدل ملابس(!)، منها 61 مليون ليرة في الأشهر التسعة الأولى (بمعدل 7 ملايين شهرياً) و101 مليون ليرة في الأشهر الثلاثة الأخيرة (33 مليوناً شهرياً)! وفي عام 2018، تقلصت ميزانية الملابس الى 87 مليون ليرة، صُرف 64 مليوناً منها في الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة. وفي عام 2016، خُصّص لبند «قرطاسية المكاتب» 93 مليوناً و628 ألف ليرة، بمعدل نحو سبعة ملايين ليرة شهرياً في الأشهر التسعة الأولى من العام، ونحو تسعة ملايين ليرة في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 تقلّص بند القرطاسية إلى 4 ملايين ليرة شهرياً، وارتفع إلى 10 ملايين في الأشهر الثلاثة الأخيرة! وفي 2018، بلغت موازنة هذا البند 60 مليون ليرة بمعدل 5 ملايين شهرياً كان كافياً طوال عام 2018، علماً بأن «قرطاسية المكاتب» لا تشمل الكتب واشتراكات الصحف والمراجع. وتتهم مصادر بلدية «الريّس وفريقه برفع الميزانية في الأشهر الثلاثة الأخيرة من كل عام بهدف صرف آخر ليرة من المبلغ المرصود فيها».

تبدو القرطاسية تفصيلاً صغيراً أمام نفقات استئجار الآليات، والتي بلغت نحو 750 مليون ليرة عام 2016، ونحو 574 مليوناً في 2017، ونحو 362 مليوناً عام 2018. ويلفت أحد الأعضاء إلى أن تراجع نفقات هذا البند في 2018 ترافق مع مثول رئيس البلدية أمام المحكمة وبدء التفتيش المركزي بالتدقيق في بعض القرارات. إلا أن اللافت، هنا أيضاً، أن نفقات الأشهر الثلاثة الأخيرة في هذا البند تعادل نصف المبلغ المدفوع في الأشهر التسعة الأولى. ففي عام 2018، بلغت نفقات استئجار الآليات حتى نهاية ايلول حوالى 262 مليون ليرة (بمعدل 29 مليوناً شهرياً)، فيما وصلت في آخر ثلاثة شهور الى نحو 100 مليون ليرة، علماً بأن البلدة ساحلية، كما هو معلوم، ولا تزورها الثلوج أبداً!

وفي الشكاوى أيضاً أن البلدية «تهدي» بعض عقاراتها مجاناً لشركات خاصة تعمل في نطاقها، إذ «تستخدم شركة فتال نحو 3 آلاف متر مربع من العقار الرقم 256 التابع للبلدية، و3 آلاف متر مربع من العقار الرقم 567 كموقف مجاني لموظفيها وزبائنها من دون تسديد الرسوم البلدية المقدرة بـ125 ألف دولار سنوياً (…) كما تستخدم شركة العلم للسقالات نحو 600 متر مربع من الأملاك البلدية العامة إلى جانب العقار 358»، علماً بأن سعر المتر المربع الواحد في هذه المنطقة يراوح بين 3 آلاف و5 آلاف دولار.

«ضميرنا مرتاح»، يقول كحالة الذي كان ينوي التقاعد بعد إكمال سنته الثامنة عشرة رئيساً للبلدية عام 2022. لكن، مع «التحامل علينا»، بات مصمّما على الترشّح لولاية أخرى. «بدن ياخدوني، ياخدوني بالانتخابات. الناس كمان بتراقب وبتحاسب، ما سألوا حالن ليش صاروا منتخبيني 4 مرات؟»، يقول لـ«الأخبار». ويؤكد أن «كل الموازنات وقطوعات الحسابات تحمل توقيع أعضاء المجلس بالإجماع، بمن فيهم الذين يحاضرون في مكافحة الفساد اليوم».

عن الشكاوى والاتهامات، يؤكد كحالة أن القرطاسية، مثلاً، «تشمل كل شيء من الأقلام الى أكبر ملف كرتون والحبر وغيره، كما تشمل طباعة اليافطات والدعوات بحسب الاحتفالات التي نجريها سنوياً (…) والمهم أننا لم نتجاوز المبلغ المرصود». أما نفقات استئجار الآليات والزيادة التي تطرأ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من كل عام، فيبرّرها رئيس البلدية بأن «السنة المالية البلدية تنتهي عادة في أيلول»، فيما الزيادة «ربما» تكون ناجمة عن استئجار «ونوشة» لتركيب زينة عيد الميلاد وإزالتها. أما الزيادة الكبيرة في هذه النفقات عام 2016 فسببها «أزمة النفايات التي حصلت في ذلك العام». ويؤكد أن استئجار الآليات لا يتم بقرارات شهرية، بل بقرار يتخذه المجلس بداية كل عام ويوقّعه معظم الأعضاء، ويفوّض فيه إلى الرئيس الإنفاق منفرداً على استئجار الآليات من دون العودة الى المجلس، لافتاً إلى «أنني أفعل ذلك بقرار مجلس بلدي بموافقة الجميع. والآليات والبنزين تسعّرهما الدولة». كما نفى، من جهة أخرى، أن تكون أي عقارات بلدية مخصصة لاستخدام شركات خاصة، لافتاً إلى أن العقارات التي يجري الحديث عنها ليست مخصصة لأحد وهي مفتوحة للجميع.

«تسعيرة» للوصول إلى المعلومات

بعدما علم رئيس بلدية سن الفيل نبيل كحالة أن أحد أعضاء المجلس البلدي يطلب الحصول على نسخ من قرارات المجلس البلدي وبعض الفواتير والمستندات، أصدر في 1/7/2019 قراراً حدد بموجبه سعر استنساخ أي صفحة من أي مستند من مستندات البلدية بخمسة آلاف ليرة، وأرسل إلى عضو البلدية فاتورة بقيمة 800 ألف ليرة لقاء نسخ حصل عليها. العضو البلدي أكد لـ«الأخبار» أن ما حصل عليه «قرارات لا تحتوي على قيمة الصرف. كما رُفض طلبي الحصول على بعض المستندات بحجة أن المعلومات المطلوبة كثيرة». مصادر قانونية تؤكد أن البدل المادي للحصول على المعلومات لا ينطبق على أعضاء البلدية، «لأن وظيفة هؤلاء الأساسية الاطلاع على القرارات ومراقبة عمل المجلس والرئيس. والحصول على المستندات ليس من حقّهم بل يأتي ضمن واجباتهم».

تحقيقات وتفتيش في بلدية المنصورية

قبل أسبوعين، حضر مفتشون تابعون لجهاز التفتيش المركزي الى بلدية المنصورية لاستكمال التحقيقات التي كان بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر بعد كشف مخالفات في لجنة الأشغال. يومها انتهى التحقيق الى اعتراف أعضاء اللجنة باستخدام عمال البلدية وشاحنات تابعة لها في مشاريع خاصة، وإلى طلب التفتيش منهم التوقف عن ذلك، من دون أي محاسبة، «لأن البلدية تحظى بغطاء نواب من التيار الوطني الحر الذين يسعون إلى وراثة رؤساء بلديات النائب ميشال المر»، بحسب أحد المطّلعين على الملف. وقد عمدت البلدية الى تغيير رئيس لجنة الأشغال، لكنها أبقت على أعضائها، علماً بأن أحدهم يملك معدات يؤجّرها للبلدية. ومع بدء التفتيش التدقيق في النفقات الخاصة بالبنزين، تراجع الإنفاق في هذا البند من 20 مليون ليرة شهرياً الى 10 ملايين أخيراً. كذلك يستكمل المفتشون التحقيق في مشروع تزفيت في البلدة بقيمة 400 مليون ليرة، بعدما تبيّن عند الكشف على الأعمال عدم مطابقتها مع تلك الواردة في تفاصيل القرار. وفيما طلب المفتشون وثائق إضافية، رفضت البلدية تزويدهم بها، بحسب مصادر في التفتيش. وحتى الساعة لم تُحَلْ القضية الى أيّ جهاز قضائي.