IMLebanon

غضب الناس… تعدّدت الآلام والوجع واحد

كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:

منذ اليوم لم يعد باستطاعة الزعماء التغاضي عن غضب الناس. سيتقدم مشهد الساحات حساباتهم. مرة جديدة تفوّق المواطن على المسؤول والحزب، وأظهر أنه على بيّنة من كل صغيرة أو كبيرة مما يجري حوله، ويحفظ عن ظهر قلب كل وعودهم ويكتنزها هموماً في قلبه. أين ملفات الفساد التي تحدثوا عنها، أين المفسدون والفاسدون؟

ضاق المواطن ذرعاً، لم يجد من يسمعه فخرج شاهراً سلاح الكلمة. كل من لديه مشكلة قصد الشارع على أمل أن ينقل همه وشكواه. كان الإعلام ضالتهم فاستنجدوا به، هذه لديها معاملة متعثرة في تلك الدائرة وتلك لم تقبض تعويضها بعد، وثالثة تجهش بالبكاء على الهواء “لدي ولدان سيهاجران لأن لا عمل لهما في لبنان”، وأخرى تنادي “ابني في البرازيل لا أراه إلا مرة كل عامين او ثلاثة”، ستة أرغفة بـ 1500 ليرة…. تعبنا يا سيّد.. ويا دولتك.. ويا….

أجمل ما شهدته الساحات أن المواطن تفوّق على المسؤول والحزب وفضح وعودهم وصفقاتهم المشبوهة. كشفهم على حقيقتهم، أنزلهم من برجهم العاجي وتحدث إليهم بالمباشر بلا ألقاب. حلّت النعوت محل الألقاب، رب قائل إن بعض ما قيل يسيء إلى التحرك ويعطي صورة سيئة عن أهله ولكن لحظة الغضب لا تخضع لمقاييس اللياقات الأدبية. في لحظة غضب يخرج المرء عن طوره حد الكفر، والناس في الشارع كفرت بالأحزاب وزعمائها ممن انتفخت جيوبهم على حساب جيوب الناس وتعبهم.

يا لهذا الحشد الذي ضجت به الساحات، ولم تحشده الأحزاب مع شعاراتها الرنانة، لا في الانتخابات ولا في غيرها.

ينم المشهد الموحد والذي يتشابه على امتداد الساحات والمناطق اللبنانية عن اتساع الهوة بين أركان السلطة وأحزابها وبين أغلب اللبنانين. بلغ المأزق حداً قفز فوق المألوف والضوابط التي اعتادها اللبنانيون وتم ترويضهم عليها على خطوط الطوائف والأحزاب. قد لا يكون المشهد جديداً على لبنان لكنه تميّز هذه المرة بجرأة واضحة كسرت المحرمات وتجاوزت الطوائف. وهي خطوط سقطت لأول مرة منذ أن اشتعلت الحرب الأهلية في لبنان.

الملفت في ما تشهده ساحات لبنان الواسعة بأهلها هو خروج المناطق عن طور الطائفة والحزب، واستخدام لغة غير طائفية لم يسمعها اللبنانيون منذ سنوات طويلة على المستوى العالي والرفيع.

أقل ما يقال إنّ “السيل بلغ الزبى”. وما يحصل في بيروت وطرابلس يحصل في صيدا وصور والرابية وجل الديب وزحلة والبقاع، تتشابه الأصوات ويتشابه الكلام، والدوافع واحدة أما المستغلون والمستعجلون على تسجيل الأهداف والاستثمار في وجع الناس ولقمة عيشهم فهم كثر.

أمورعدة كان من المفترض عدم إدارة الظهر لها عند السياسيين وعدم الاستخفاف بنتائجها وبالتالي بتداعياتها، أولها نتائج الانتخابات النيابية التي أظهرت استياءً وتمرداً كبيرين قد ينتج في أبسط الأحوال لاحقاً تغيّراً دراماتيكياً في صورة الذين يمسكون بزمام الأمور، وتغييراً في الخريطة السياسية بشكل نوعي وكمي على مستوى الأحزاب والتنظيمات.

انتخابات طرابلس الفرعية الأخيرة أظهرت حجم التململ عند اللبناني. وهذا التململ يمكن تعميمه على أغلب الأطراف الحزبية. بيروت العاصمة هجرها أهلها لأن الإقامة فيها تفوق قدرتهم المادية، في طرابلس الفيحاء مدينة من تقدموا لوائح أغنى الأغنياء في العالم تحولت “مقبرة الغرباء” فيها إلى منازل للأهالي يقيمون فيها لعجزهم عن دفع بدل سكن، انتصر الجنوب على اسرائيل وانتصر الفقر على أهله، في عكار البائسة، والبقاع الذي بح صوت أهله. يا لهول مصائبنا وجبروت المسؤولين في بلادنا.امتلأت الساحات فماذا بعد، هل يمكن العودة إلى الوراء؟ هل تحميل العهد كامل المسؤولية صحيح، وهل الإسراع في استقالة الحكومة هو الحل، وهل ظروف إقصاء السلطة السياسية متوافرة ومتاحة؟ وهل القيّمون على هذا الحراك معروفون؟

المعروف الوحيد أنّ آلام الناس متعددة ولكن الوجع واحدٌ. التحرك عفوي صحيح ولكن البعض يملك أجندات متعددة والخوف أنّ البعض يغالي في رفع الشعارات أو التوغل في تصفية الحسابات. وعندها يدفع الطيّبون الثمن مرتين مرة عندما انتفضوا ولم يحققوا أهدافهم والمرة الثانية أن يفشلوا على أيدي الداخلين على خط التوريط في رفع شعارات كبيرة تصطدم بالواقع اللبناني المرير.

ولكن مهما قيل فإن الخير في ما وقع… كي لا يقع البلد “ووالد وما ولد”.