IMLebanon

هل يتجرأ سعد الحريري على الاستقالة بعد تمسك حزب الله بالحكومة؟

لبنان إلى المجهول في غياب الحلول

– يسير لبنان إلى طريق المجهول السياسي بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية العارمة ضد الطبقة السياسية، فيما تغيب المخارج أمام حكومة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للخروج من الأزمة المتصاعدة في يومها الخامس.

وتنتهي مساء اليوم الاثنين المهلة التي منحها رئيس الحكومة لـ”شركائه” في الحكومة، في إشارة إلى التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون وحزب الله وحلفائهما الذين يملكون الأكثرية الوزارية، حتى يؤكدوا التزامهم المضي في إصلاحات تعهدت حكومته بالقيام بها العام الماضي أمام المجتمع الدولي، مقابل حصولها على هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار.

وتأخذ التحركات منحى تصاعديا منذ الخميس مع ازدياد أعداد المتظاهرين تباعا وخروج عشرات الآلاف من مختلف المناطق والاتجاهات السياسية إلى الشوارع، مكررين شعار “ثورة” و”الشعب يريد إسقاط النظام”.

وفي مؤشر على حجم النقمة الشعبية، بدا لافتا خروج تظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على أحزاب سياسية نافذة، أحرق ومزق فيها المتظاهرون صورا لزعماء وقادة سياسيين، في مشهد غير مألوف خصوصا في معاقل حزب الله وحليفته حركة أمل.

وفيما دب الانشقاق بين صفوف المعسكر المعارض لحزب الله، الذي يتزعمه الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط والقوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، عقد رئيس الوزراء اللبناني، اجتماعا وزاريا مصغرا، لبحث الورقة الاقتصادية التي تقدم بها، في ضوء الاحتجاجات المتصاعدة.

وشارك في الاجتماع الذي عقد في منزل رئيس الحكومة، وسط العاصمة بيروت، وزراء من حركة أمل، وحزب الله، والتيار الوطني الحر، وتيار المردة، ومستشارون للحريري، فيما غاب عنه وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، ووزراء القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع بعد تقديم استقالتهم من الحكومة.

ويأتي الاجتماع الذي لم يعلن عما توصل إليه من نتائج، تمهيدا لعقد جلسة حكومية طارئة وعاجلة في القصر الجمهوري ببعبدا، دون أن يحدد موعد الجلسة.

وقال مسؤولون لبنانيون إن رئيس الحكومة سعد الحريري اتفق مع شركائه في الحكومة على حزمة من القرارات الإصلاحية بهدف تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي اججت الاحتجاجات الشعبية في كافة أنحاء البلاد ومن المتوقع أن يوافق عليها مجلس الوزراء غدا الاثنين.

وتشمل القرارات الإصلاحية خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة خمسين في المئة ومساهمة المصرف المركزي والمصارف اللبنانية بنحو خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية أي ما يعادل 3.3 مليار دولار لتحقيق “عجز يقارب الصفر” في ميزانية 2020.

كما تتضمن خطة لخصخصة قطاع الاتصالات وإصلاح شامل لقطاع الكهرباء المهترئ وهو مطلب حاسم من المانحين الأجانب للإفراج عن 11 مليار دولار.

وقالت المصادر إن الميزانية لا تشمل أي ضرائب أو رسوم إضافية وسط اضطرابات واسعة النطاق نجمت جزئيا عن قرار فرض ضريبة على مكالمات الواتساب الأسبوع الماضي.

كما دعت الورقة الإصلاحية إلى إنشاء الهيئة الناظمة ومجالس الإدارة خلال “وقت قصير” للإشراف على الإصلاح.

وتحت ضغط الشارع، أعلن حزب القوات اللبنانية استقالة وزرائه الأربعة، في خطوة قلل المعتصمون من أهميتها، فيما اعتبرها مراقبون سياسيون نهاية سياسية لرئيس القوات سمير جعجع بعد احتراق جميع أوراقه.

وقال جعجع خلال مؤتمر صحافي عقده في معراب “توصلنا إلى قناعة بأن هذه الحكومة عاجزة عن اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي المتفاقم”، لافتا إلى أنّ حزبه “قرر الطلب من وزرائه التقدم باستقالتهم من الحكومة”.

سعد الحريري يتفق مع شركائه في الحكومة على خفض رواتب الرؤساء والوزراء
وأكّد وزير العمل كميل أبوسليمان أنّ “لا تراجع عن الاستقالة وسوف نقدّم الاستقالة خطيا بين اليوم ونهار غد”، لافتا إلى أنّ القوات ليست لها ثقة في الحكومة الحاليّة.

ودعا جعجع، رئيس الحكومة سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة، على خلفية تصاعد الأحداث في البلاد، مضيفا أن الأحداث المتلاحقة “أثبتت أن الحكومة الحالية لا تستطيع فعل شيء”. ورأى أن “الأوان قد فات للحديث عن إصلاحات”، ومن ثم فإنه من الضروري “الذهاب إلى تركيبة أخرى وحياة سياسية جديدة”.

فيما تراجع الحزب التقدمي الاشتراكي عن تهديدات سابقة لزعيمه وليد جنبلاط باستقالة وزراء حزبه من الحكومة على وقع الاحتجاجات. كما لم يعلن جنبلاط سبب عدم مشاركة وزراء حزبه في الاجتماع المصغر في منزل الحريري.

ونفى جنبلاط أن يكون قد طلب من وزراء الحزب الاستقالة، قائلا “نحن نقرر ولست في وارد أي سفر إلى أي مكان”.

من جهته نفى ظافر ناصر أمين سرّ الحزب التقدّمي الاشتراكي، نيّة وزراء الحزب الاستقالة من الحكومة، قائلا “لن نستقيل ونحن نناقش الورقة الاقتصاديّة التي تقدّم بها الحريري” مؤكدا “نحن نقدّم فرصة لإنقاذ البلاد وسوف ننتظر كيف ستّتجه الأمور”.

ويرى مراقبون سياسيون أن هذا الانشقاق في المعسكر المناهض لحزب الله في لبنان، يجعل الحزب أقوى خصوصا بعد إعلان أمين عام حزب الله حسن نصرالله تمسكه بحكومة سعد الحريري رافضا استقالتها.

وألقى نصرالله بثقل حزب الله وراء الحكومة القائمة قائلا إن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد تتطلب عدم إضاعة وقت ثمين في تشكيل حكومة جديدة.

وإذا استقال الحريري، المدعوم عادة من الغرب وحلفاء من دول الخليج العربي، فسيكون من الصعب على الأحزاب المختلفة في الائتلاف الحاكم تشكيل حكومة جديدة.

وتساءل مصدر سياسي لبناني عما إذا كان الحريري الذي يعيش أسوأ مراحل الحيرة السياسية التي تواجه حكومته، قادرا على تقديم استقالته بعد انتهاء المهلة التي حددها لنفسه.

وقال المصدر في تصريح لـ”العرب” إن الحريري يدرك أن لبنان يسير إلى المجهول، وإن تقديم استقالته يعني بالضرورة ردا سياسيا ضد سيطرة حزب الله على مقاليد الحكومة. واكتفى مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمار حوري بالقول “ننتظر انتهاء المهلة التي أعطاها الرئيس الحريري”.

في المقابل، أكدت مصادر تابعة للتيّار الوطني الحرّ (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون) انتظار انتهاء المهلة التي أعطاها رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري والتي على أساسها تتجه الأمور.

ويرى الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله أن المأزق اللبناني عميق إلى درجة تجعل من الصعب الكلام عن مخارج من جهة أخرى. هذا عائد أساسا إلى أنّه لا يستطيع أيّ بلد في العالم العيش والنمو والتطور في ظل شرعيتين؛ شرعية الدولة وشرعية الدويلة التي صارت أكبر من الدولة.

وعزا خيرالله رفض حسن نصرالله استقالة حكومة الحريري إلى أن حزب الله يدافع عن النظام الذي أقامه في لبنان، والذي حوّل البلد تابعا لإيران بطريقة أو بأخرى. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كانت هناك تلك الانتفاضة العارمة التي شملت كلّ منطقة من المناطق اللبنانية، بما في ذلك الجنوب اللبناني.

وتأججت النقمة الشعبية ضد السلطات مؤخرا بعد ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء مقابل الدولار للمرة الأولى منذ 22 عاما، من دون أن تقدم السلطات تفسيرا واضحا لذلك.

وتجمع المتظاهرون في وسط بيروت، ونزل آخرون إلى الشارع في صور والنبطية وصيدا جنوبا، وطرابلس وعكار شمالا وصولا إلى بعلبك شرقا.

وقالت سناء (40 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية الأحد في بيروت “أتظاهر لإسقاط رجال الرئيس اللبناني ميشال عون وحكومته الفاسدين”. وأضافت “نريد قيادات جديدة في الحكم بموافقة الشعب”. وأعلنت جمعية المصارف في بيان صدر الأحد أنها ستبقي أبوابها مقفلة الاثنين.