IMLebanon

الجُلجلة الجنوبيّة” تُسقط “الثنائيّة الشيعيّة”!

كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:

لم تندلع الثورة الجنوبية “الحمراء” المشهودة، من عبث أو غوى أو ترف، إنه كظم الغيظ التاريخي من الثنائية الشيعية المستبدة، ولعل أشدها “أمل” في بعض أوجهها المعيشية والإجتماعية. الجنوبيون المنتفضون على حكامهم يشتركون في الهم مع معظم اللبنانيين المنتشرين في ساحات الحرية، إلا أن لديهم “جلجلتهم الجنوبية” الشيعية التي يرزحون تحتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

يبدو أن حُسن طالع الجنوبيين الذين لم يهضموا قبل أكثر من شهر “التزكية المقيتة” لنتائج الانتخابات النيابية الفرعية في مدينة صور، قيض لهم ان يردوا صاع سرقة الديموقراطية منهم صاعين. الانتخابات لم تجر لانسحاب المرشحتين الوحيدتين في مقابل مرشح الثنائية الشيعية، في معزل عن التفاصيل التي حالت دون اجراء الانتخابات، جل ما اراد ان “يزوّره” طرفا الثنائية الشيعية أن أبناء صور هم موالون لهذه الثنائية، إلى درجة أن احداً لا يترشح في مواجهة مرشحهما “المقاوم” إلى الانتخابات النيابية.

لعل هذه الانتخابات التي لم تجر، كانت ذروة من ذروات الاهانة المستمرة للناس، الاهانة في تقديمهم، وهم يعانون من سلطة الاستئثار والفساد، على أنهم يوالونها ولا يختلفون معها، وملزمون ليس بتقبل الهزيمة الانتخابية، بل ملزمون بأن لا يترشح أحدهم في مواجهة مرشح هذه السلطة، حق الترشح ممنوع فما بالك بحق التنافس الانتخابي؟

ليس صدفة أن يتوجه بعض المتظاهرين مع بدء الاحتجاجات الشعبية في بيروت إلى استراحة صور، ومن ثم احراقها، من دون أن تتضح صورة ما حصل، ليس صدفة لأن في الذي جرى ما يشكل رمزية ذات دلالة لا تخفى على أبناء صور والجنوب عموماً، فهذه الاستراحة المملوكة للدولة اللبنانية، مستثمرة من قبل مستثمر، شائع منذ أكثر من عشرين عاماً أنه واجهة لعقيلة الرئيس نبيه بري، على الرغم من بيان النفي من مكتب بري أنها لا تخص “حرمه”، وهو بحد ذاته إدانة جديدة لكون القاصي والداني يعرف هذه الحقيقة التاريخية، كما وقائع أخرى.

وهي بالتأكيد غيض من فيض ما يتداوله الجنوبيون عن حجم ثروة السيدة بري من خلال شراكة المستثمرين في الجنوب بنسب مالية تتجاوز النصف أو تقل عنه بقليل. هذه الحكايا بات يعرفها اللبنانيون وتحول جزء منها إلى نوع من النكات التي تتردد في كل مناطق الجنوب.

خرج المحتجون، كما العديد من المناطق اللبنانية، في مدينة صور قبل يومين، شبان وشابات إندفعوا كما لم يفعل احد من قبل في زمن سيطرة الثنائية الشيعية، ذلك ان مطالبة السلطة بالحقوق كانت من المحرمات، لا سيما اذا كان وزراء ونواب صور كلهم ينتمون إلى حزبي الثنائية الشيعية، خرج الشباب وطالبوا باسقاط الحكومة بل النظام الحاكم من رأسه الى قاعدته، الذي كان مفاجئاً لهم قبل غيرهم، لكنهم إخترقوا العوائق النفسية والمادية وكسروا حاجز الخوف، فبادر بعض مناصري حركة “امل” إلى استباحتهم امام أعين القوى الامنية وبالرصاص الحي وجرى تشتيتهم، لكن هذه المرة كان الاصرار على البقاء أقوى من الانزواء والهروب.

في مدينة النبطية التي تجرأ المحتجون على التعرض لمكتبي نائبي المدينة محمد رعد وهاني قبيسي وقبلهما منزل النائب ياسين جابر، كانوا بذلك يوجهون رسالة شديدة الوضوح بأنكم أنتم من يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأحوال من بؤس، وما وصلت إليه الدولة من ترهل وتسيب في مؤسساتها.

ليس خافياً أنّ الثنائية الشيعية هي من تتحكم بالتمثيل النيابي والوزاري الشيعي، ودائماً باسم التكليف الشرعي كان يساق الناخبون الى انتخاب مرشحي الثنائية، والى الالتفاف حول وزرائها ومسؤوليها والرضوخ الى كل ما يطلبونه من الناس، لكن ذلك لم يعد على حاله اليوم. الاحتجاجات في البيئة الجنوبية والشيعية تحديداً، أظهرت أن هناك جرأة عبّر عنها المحتجون من دون تهيّب، صوبوا على الثنائية الشيعية سهامهم، وطالبوا بحقهم بأن يكونوا مواطنين في دولة، لا مجرد أتباع منبوذين من سلطة الطائفة.

ما يريده المحتجون حقوقهم كمواطنين، أسوة ببقية المحتجين والمنتفضين في كل لبنان، حقهم في العمل والتعلم والطبابة، حقهم بالكرامة الانسانية التي باتوا يفتقدونها بصمتهم عن الظلم الذي يحاصرهم بالإهانة لهم كمواطنين لهم هذه الحقوق، والاستهانة بهم من خلال نهب الدولة ومقدراتها لحساب الأزلام والمقربين من هذه الثنائية.

في خطابه الأخير، قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله إنّ العهد هو بحمايته وكذلك الحكومة التي لن تسقط، لم يتعامل المحتجون الشيعة في البقاع والجنوب، مع ما يقوله السيد بأنه بمثابة دعوة إلى السكون، بل كان الرد بمزيد من الحشود في صور وفي النبطية والتي زادت وتضاعفت بعد خطاب السيد نصرالله عما كانت عليه الحال قبل الخطاب.

لم يوجّه المحتجون أي كلمة مسيئة لشخص السيد، بل ردوا على خطابه بالاصرار على اسقاط الحكومة، وهذا ما لا تستسيغه المعادلة السياسية والسلطوية المسيطرة، لكن ما قاله المحتجون وما يشددون عليه، ليس انتزاع السلطة من يد هذه الثنائية التي تحكمهم منذ العام 1992، بل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية كمواطنين، هذه المطالب هي ما يجتمع عليه المحتجون، والذين وقفوا في وجه سلاح الميليشيا وسطوتها في صور والنبطية وغيرهما، بحيث بدا واضحاً أن ما بعد 16 تشرين يختلف عما قبله، ثمة جدران تهاوت و”تابوهات” سقطت أمام حق الناس في الحياة بكرامة.

لم تعد قصة الإرهاب والخطر الاسرائيلي واستهداف الطائفة الشيعية أدوات قابلة لإسكات الشيعة. لقد قال المحتجون “نحن المواطنين اللبنانيين نختلف ونتنوّع لكننا لبنانيون، للوطن حق علينا ولنا حق عليه… لن نسمح لكم هذه المرة أن تنالوا منا”.