IMLebanon

أمين عام “الحزب” يفكّ الارتباط مع الحراك: أولويتنا عدم الوقوع في الفراغ

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

 

في إطلالته الثانية خلال أسبوع، كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد نصرالله هادئاً وحريصاً على التعبير بشفافية عن كلّ الهواجس التي تدور في بال اللبنانيين. توجّه إلى المتظاهرين معدّداً لهم الإنجازات التي حققوها، مقترحاً عليهم خريطة طريق، ومطالباً إياهم بطمأنة المقاومة ممّا تخشاه. وتعهّد كـ”حزب” مشارك في السلطة بمراقبة سير العمل على تنفيذ قرارات الحكومة وملاحقة اقتراحات القوانين في مجلس النواب. وختم بإعلان فك الارتباط مع الحراك مطالباً مناصريه بإخلاء الساحات، منتقداً تعامل الإعلام مع أي مدافع بالمقاومة بأنه تابع لمجموعة حزبية، في حين يوصف الهتاف ضد المقاومة ووصفها بالإرهابية بالعمل الفردي.

يبدو أن “حزب الله” متأكد من وجود قوى خارجية تحاول استغلال الحراك لتحقيق انقلاب على النظام وإسقاط الحكومة، للعبور بعدها إلى انتخابات نيابية وتغيير رئيس الجمهورية. ولمواجهة سيناريو إسقاط العهد، يعمل “الحزب” على خطين: حماية الحراك الشعبي من الاستغلال من خلال التنبيه إلى مخاطر اختراقه، ومطالبة كلّ من القوى الأمنية والجيش بلعب دورهما في حماية المتظاهرين وفتح الطرق أمام الناس. لذا لم يكن ما قاله السيد نصرالله أمس مفاجئاً لكثيرين من سياسيين وأمنيين كانوا قد تواصلوا مع قيادات “الحزب”، وناقشوا معه الخيارات الممكنة للحل، من دون أن تذهب الأوضاع نحو المواجهة، ولتجنيب البلد المخاطر التي تحيط بوضعه الراهن.

نصرالله بدا حريصاً أمس على التحدّث مع من يثق بصدق تحركهم من بين المتظاهرين، محاولاً دلّهم إلى الإنجازات التي حققوها مستغرباً استخفافهم بها مثل “إنجاز الحكومة ميزانية خالية من الضرائب والرسوم وبنسبة عجز 0.6 لأول مرة منذ عشرات السنين”، بالإضافة إلى “ورقة الإصلاحات التي تكلم عنها رئيس الحكومة سعد الحريري، وهي مهمة جداً وغير مسبوقة”، مؤكداً أن “الحزب” سيلاحق تنفيذ هذه القرارات التي وضعت لها جداول زمنية، بالإضافة إلى العمل داخل مجلس النواب على مشاريع القوانين وأهمها استعادة الأموال المنهوبة. وفي حين لم ينكر عليهم الحق في الاستمرار بالتظاهر، والضغط على الحكومة من الشارع، حذّر بالمقابل من محاولات حرف هذا الحراك عن أهدافه وسعي البعض إلى استغلاله لتحقيق غايات تهدف إلى إحلال الفراغ في البلاد لأن الفراغ قاتل، وذهب أبعد من ذلك إلى تحذير الموجودين في الساحة والمشاركين به من أن يكونوا مطية لارتباطات خارجية. وانطلاقاً من هذا الاعتبار قدّم نصرالله خطاب فك الارتباط مع الحراك، والاستعداد لمواجهة انحرافاته من خلال الطلب إلى مناصريه وجمهوره الانسحاب من الساحات التي يشاركون فيها.

وتساءل نصرالله عن التمويل الذي تشهده بعض التظاهرات مطالباً قيادات الحراك بتوضيح هذه الأمور، كما وضع المتظاهرين أمام تحدي فرز قيادات له والتأكد من صدق هؤلاء القادة والتزاماتهم، متسائلاً: “لماذا لا تحدّدون قياداتكم؟ هناك قيادة غير ظاهرة وغير معلنة؟ لماذا لا يعلنون عن أنفسهم؟ هناك أسباب كثيرة، وأنا أعرف من هي قيادة الحراك، هناك أحزاب وأشخاص ومن واجب المتظاهرين أن يعرفوا هم خلف من يتظاهرون”.

وفي حين أكدّ عدم المسّ بالعهد، أبدى مرونة في موضوع الحكومة بقوله “لا نؤيد اسقاط الحكومة”، بمعنى آخر قد لا نكون نؤيد اسقاط الحكومة ولكن إذا كان الحل الوحيد هو تغيير هذه الحكومة فلا مشكلة لدى “حزب الله” بذلك. من وجهة نظر “حزب الله” فإن أي حلّ “يجب أن يقوم على قاعدة عدم الوقوع في الفراغ المؤسساتي والفراغ في السلطة، لأن الفراغ إذا حصل خطير جداً وسيؤدي في ظلّ الوضع الاقتصادي والمعيشي والمالي الصعب والمأزوم الذي عبّر عنه الناس وفي ظل التوترات السياسية في البلد واقليمياً، الى الفوضى والإنهيار وحتى الجيش الذي يعتمد كحافظ للأمن وأساس السلم الأهلي، سيأتي وقت لا قدرة له على دفع المعاشات ويمكن أن البعض يحضّر لحرب أهلية”.

وكان للجيش حصته من الخطاب حيث أكد الأمين العام لـ”حزب الله” أنه ليس مطلوباً منه قمع المتظاهرين، مستذكراً مرحلة كان فيها ميشال سليمان قائداً للجيش “وكانت يد الجيش مالحة علينا”. ونوّه نصرالله بالحلفاء وميّزهم، عندما أشار إلى “بعض الشخصيات التي نجلّها ونحترمها” وكان يقصد هنا الحزب “القومي” والحزب “الشيوعي”.

قد لا يكون السيد لاقى الناس الطامحين إلى التغيير السياسي ومحاسبة الفاسدين من ناهبي المال العام، لكنه أيضاً لم يحاربهم وترك لهم خيار الاستمرار في الضغط على السلطة من الشارع.