IMLebanon

الثائرون يردّون على أمين عام “الحزب”.. “أُصِبنا بحرقة من الزعتر”

كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:

بعد خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، الجمعة الماضي بدت ملفتة ردود الفعل على خطابه. للمرة الأولى يطلق المواطنون، الذين شكك نصرالله بصدق انتفاضتهم، حملة لتبرئة أنفسهم من اتهامه لهم بالتحرك بأمر من السفارات، ونفي ادعاءاته بوجود جهات خارجية تمول الثورة. وضع “حزب الله” نفسه في الخط الأمامي لمواجهة المتظاهرين، في وقت كان قادراً على ترك السياسيين في موقع الإرباك، وهم أنفسهم توحدوا بعد خلافات لسنوات، من أجل مواجهة المتظاهرين. سلاح التخوين والاتهام لم ينفع في قمع الاحتجاجات. ولا شك أن خطاب السيد أحدث إحباطاً في نفوس بعض المتظاهرين، استطاعوا تجاوزه سريعاً للاستمرار في الثورة حتى استقالة الحكومة.

أما جمهور “الحزب”، فقسم منهم نسي كل ممارسات من هم في الحكم وفسادهم وراحوا يبحثون عن ممول منقوشة الزعتر في يد متظاهر. وما انطلى على جزء من جمهوره لم ينطلِ على كل الناس، فاستمرت التظاهرات في الشوارع واستمرت الحشود بالمطالبة بحقوقها، وأضيفت إلى الشعارات المرفوعة شعارات تسخر من التخوين الذي تعرضت له ثورة اللبنانيين من أجل قوتهم، كما وتسخر من الاتهام بالتمويل الخارجي. وأطلق المتظاهرون وسم #أنا_ممول_الثورة للتأكيد أن تحركات المواطنين تموّل من مالهم الخاص. وسأل البعض عن السرعة الهائلة في معرفة الجهات الممولة للثورة في مقابل العجز عن معرفة الفاسدين الذين ينهبون الوطن منذ عشرات السنين. وأخبرت سيدات عديدات أنهن اللواتي يحضرن الطعام للمتظاهرين. بينما شكا آخرون من الحرقة التي تسببها مناقيش الزعتر لهم مطالبين “المموّل” المزعوم بمناقيش جبنة.

وتماهياً مع خطاب نصرالله بدأ عدد من مناصريه بالترويج لنظرية المؤامرة، وإعداد المنشورات التي تدين وتستهدف بعض المشاركين في التظاهرات تحت عنوان “تعرّف على قادة الحراك”. فوضعوا في كل منشور صورة لأحد المشاركين في التظاهرات واسمه والتهمة التي نسبها معدوها إليه، فاتّهم هؤلاء بالعمالة لإسرائيل والحقد على المقاومة والفساد. فاستخدمت السخرية أيضاً للردّ على هذه الاتهامات. أعدّ متظاهرون صورهم الخاصة التي يعرّفون بها عن أنفسهم ساخرين من حملات التشهير والتخوين. أخطاء وتناقضات ارتكبها مناصرو “الحزب” المروجون لنظرية المؤامرة. فادعى هؤلاء مثلاً أن القبضة المرفوعة في ساحة الشهداء وسط بيروت هي قبضة “أوتبور” وأنها مرتبطة بالصهيونية. لكن “الفطحل” الذي كشف هذه المؤامرة قد فاته أن القبضة موجودة على علم “حزب الله” أيضاً، وهو ما ردّ به الثائرون. كذلك نسي هؤلاء ربما أنها القبضة التي يرفعونها للصراخ “لبيك يا نصرالله”.

وبعيداً من “الأدلة” التي تعب مناصرو الحزب في محاولة البحث عنها لإدانة الثورة بدل البحث عن مليارات الدولارات المسروقة من مال الشعب، لم تكن المرة الأولى التي تظهر فيها نظرية المؤامرة. فلطالما استخدمها الحكام كمخلّص في فترات انتفاضة الشعوب، لوضعهم بمواجهة بعضهم ولإلهاء الناس عن المطالبة بحقوقهم، فتصبح المطالبة بالحقوق “مؤامرة”. ويميل الجمهور الذي يشعر بأنه مستهدف دوماً لتصديق هذه النظرية بسرعة وسهولة من دون وجود أي دليل، فالتحيز النفساني يسيطر على العقل، خصوصاً في فترات الاضطرابات والأحداث السياسية الكبيرة.

وتتفاوت نظريات المؤامرة بين الجدية منها، كتلك التي تحدثت عن خطة وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسينجر في العام 1976 والتي هدفت إلى تهجير المسيحيين من لبنان لتوطين الفلسطينيين. وتلك السخيفة منها كالقول إن الحرائق الأخيرة التي شهدها لبنان هي مؤامرة على العهد. أو تلك التي قالت إن مشاهد النفايات في لبنان مفبركة. وربما تظهر هذه المقارنة أننا انحدرنا حتى في مستوى “المؤامرات”. وإن كانت المؤامرات حقيقة تواجهها الشعوب فإن مسؤولية السلطة مواجهتها لا المتظاهرين. أما إن كان ما نشهده اليوم مؤامرة حقيقية كما يدّعي البعض فلمَ لا يتقدم لبنان الرسمي وبالأدلة بشكوى إلى الدول التي يقول بعض الزعماء أنهم يملكون أدلة على تآمرها على وطنهم؟ أم أن الاستقواء يكون فقط على المتظاهرين السلميين؟ على أي حال فإن سرعة كشف المؤامرة المزعومة والأسماء المتورطة فيها تشير إلى قدرة من قام بذلك على ضبط الفاسدين وفضحهم في حال رغب بذلك.

ويذكّر اتهام المتظاهرين بالتعامل مع اسرائيل ودعوتهم إلى التخلي عن مطلب المحاسبة اليوم بحجة أولوية الصراع مع إسرائيل، بمشاهد من مسرحية “كاسك يا وطن” لدريد لحام. ففي أحد المشاهد وأثناء تلقي المسؤول اتصالات تنقل إليه شكاوى المواطنين يواجه مطالبهم المعيشية بالحديث عن القضية الفلسطينية لإلهائهم عن مطالبهم. أربعون عاماً مضت على إطلاق المسرحية وما زال المواطن كلما طالب بحقوقه يواجه بالمسرحية ذاتها وإن اختلف الممثلون. وكأنه لا يحق للبناني أن يقاوم إسرائيل إلا إن ذلّ على أبواب المستشفيات والمدارس والجامعات والزعماء. وأمام كل ما يحصل نستذكر أن هناك من يعتقد أن القول إن الأرض مدورة هو مؤامرة صهيونية وأن هناك من يصدقه، وأن نستمر في ثورتنا علّنا نبني دولة قادرة على مواجهة المؤامرات التي يحيكها الزعماء لنتمكن من مواجهة أية حرب أو مؤامرة خارجية.