IMLebanon

الحريري يستقيل لقطع الطريق على الحل الأمني

أكدت استقالة سعد الحريري من موقع رئيس مجلس الوزراء رفضه اللجوء إلى أي حلّ أمني في لبنان ومحاولة منه لقطع الطريق في وجه مثل هذا الحلّ. وجاءت الاستقالة بعد ساعات من نزول عناصر من حزب الله وحركة أمل الشيعية إلى وسط بيروت واعتدائها على متظاهرين سلميين عند نقاط عدّة.

واعتبرت مصادر سياسية لبنانية أنّ محاولة حزب الله السيطرة على وسط بيروت تعود إلى اعتقاده بأنّ في استطاعته فرض حلّ أمني يعيد عقارب الساعة إلى ما قبل السابع من أكتوبر الجاري، تاريخ بدء الثورة الشعبية في لبنان احتجاجا على فساد الطبقة السياسية وعلى هيمنته على الحياة السياسية في لبنان عبر وجود رئيس للجمهورية موال له هو ميشال عون.

 

الرئيس ميشال عون يبدأ مشاوراته لتشكيل حكومة جديدة من دون الحريري
واعتبرت هذه المصادر أن في استقالة الحريري انتصارا للبنانيين الموجودين في الشارع منذ أسبوعين والذين وضعوا استقالة الحكومة في مقدّم مطالبهم، على أن يلي ذلك تشكيل حكومة تكنوقراط من المختصين في شؤون وزاراتهم.

وقالت “إن نزول اللبنانيين بكثافة إلى وسط العاصمة، مساء الاثنين، كان بمثابة ردّ مباشر على ما قام به حزب الله في مرحلة قبل الظهر وشمل اعتداءات على مواطنين عزّل بمن فيهم فتيات جامعيات”.

وتوقّعت أن يباشر رئيس الجمهورية مشاوراته قريبا بهدف تشكيل حكومة جديدة. واستبعدت عودة سعد الحريري إلى موقع رئيس الوزراء نظرا إلى أنّ حزب الله ليس مستعدا لمساعدته في تشكيل حكومة جديدة، يكون خارجها، وتضمّ اختصاصيين في معالجة شؤون الاقتصاد وذلك على الرغم من وجود مخاوف حقيقية من انهيار للمصارف اللبنانية التي ما زالت أبوابها مغلقة منذ ما يزيد على اثني عشر يوما.

وخلصت هذه المصادر إلى التساؤل هل تؤدي استقالة الحريري إلى قطع الطريق على الحلّ الأمني وتفادي صدامات في الشارع، أم ستعني إطلاق يد حزب الله ورئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل في فتح الطرق المغلقة بالقوّة؟

وقالت إنّ الكثير سيعتمد على ردّ فعل الشارع الذي يحتمل أن تعطي استقالة الحريري تحرّكه زخما جديدا بدل تنفيس حال الاحتقان في الأوساط الشعبية. ويسود الاحتقان حاليا لبنان كلّه، بما في ذلك المناطق الشيعية التي يسيطر عليها حزب الله.

وقال الحريري “منذ 13 يوما والشعب اللبناني ينتظر قرارا بحل سياسي يوقف التدهور وأنا حاولت طول هذه الفترة أن أجد مخرجا نستمع من خلاله لصوت الناس ونحمي البلد من المخاطر الأمنية والاقتصادية والمعيشية”. وأضاف في كلمة عبر التلفزيون “اليوم لا أخفيكم أني وصلت إلى طريق مسدود. صار لازم نعمل صدمة كبيرة لمواجهة الأزمة”.

ويعتقد متابعون للشأن اللبناني أن المقصود بالطريق المسدود هو فشل سعد الحريري في التوصل إلى اتفاق مع حزب الله وحلفائه لتقديم تنازلات حقيقية تقنع الشارع اللبناني بوجود رغبة في التغيير.

وقوبلت رغبة الحريري في التغيير بمعارضة قوية من الشركاء في التسوية السياسية، وأن حزب الله اتخذ قرارا بوقف الحراك الشعبي باعتباره يستهدف نفوذه والتوازنات الخادمة له، ملوّحا بـ”7 أيار جديد” في البلد.

ورأت مصادر سياسية لبنانية مطلعة أن التمسك بوزير الخارجية جبران باسيل داخل أي حكومة جديدة أو معدلة ليس مصدره رئيس الجمهورية ميشال عون فقط، بل إن الأمر متعلق بقرار استراتيجي اتخذه حزب الله بعدم التخلي عن رئيس التيار الوطني واعتباره سندا أساسيا موثوقا لدى الصف المسيحي اللبناني، ويمثل تغطية مسيحية للحزب تساوي التغطية التاريخية الاستراتيجية التي وفرها الجنرال ميشال عون من خلال التوقيع على “ورقة التفاهم،” الشهيرة والمفاجئة، مع أمين عام الحزب حسن نصرالله عام 2006.

 

استقالة الحريري.. هل تنجح في تهدئة الشارع اللبناني
وقالت إن إبلاغ عون لرئيس الحكومة قبل أيام عن رفضه أي خطط لإخراج صهره باسيل من الحكومة، استقوى بتأكيدات جازمة وردته من حزب الله عن عدم تخليه عن باسيل ورفض أي سيناريوهات لاستبعاده عن أي تشكيلة حكومية تهدف إلى تبريد الشارع الملتهب منذ 17 أكتوبر الجاري.

وأضافت أن الحريري لم يناقش عون كثيرا وغادر قصر بعبدا دون الإدلاء بأي تصريحات، معتبرا أن الضوء الأحمر مصدره حزب الله ومن خلفه إيران، وأن الأمر بات يتطلب معالجات تتجاوز قصر بعبدا ومنصب الرئاسة في لبنان.

وذكرت مصادر أخرى أن تمسك حزب الله بباسيل يأتي وفق خارطة طريق يرسمها الحزب لمواجهة الحراك الشعبي العام، وأن الحزب بات يرى أن تفاقم حدة الاعتراض الشعبي على المنظومة الحاكمة يستهدف حلفاء حزب الله داخل “تيار الممانعة” أكثر من التيارات السياسية الأخرى التي تظهر قياداتها وقواعدها مواقف تتراوح بين دعم الحراك وبين تفهمه.

ولاحظ مراقبون أعراض تقارب داخل الجبهة الواحدة المنضوية ضمن تحالف 8 آذار، على الرغم من الخلافات والتصدعات التي كانت علنية بين بعض التيارات السياسية الحليفة لحزب الله من جهة والتيار العوني من جهة أخرى.

وسجل المراقبون سعي التيار الوطني الحر لرأب الصدع مع رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل نبيه بري، كما لفتوا إلى تصريحات للأخير بعد لقائه وفدا من التيار، يرفض فيها استقالة الحكومة دون ضمان عدم الوقوع في الفراغ.

 

جان إيف لودريان: استقالة الحريري تفاقم الأزمة السياسية الخطيرة التي يمر بها لبنان
وتدعم حركة أمل التصعيد الذي يقوده حزب الله لأن زعيمها نبيه بري هدف سهل نسبيا ولديه منصب يمكن الاستقالة منه وليس مثل تركيبة حزب الله

ومن جهة أخرى تحدثت معلومات عن أن زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، القريب من حزب الله، قد طلب من أنصاره عدم المشاركة بأي أنشطة احتجاجية تحسب على الحراك الشعبي الحالي، كما أوعز إلى كافة قيادات تياره ومنابره ومتحدثيه بعدم توجيه أي انتقادات إلى العهد.

وقالت إن فرنجية، الذي أشاد بخطاب نصرالله الأخير وأيده بتوجيه اتهامات مشبوهة ضد الحراك، ملتزم بخارطة طريق وضعها الحزب لمواجهة ما بات يعتبره “انقلابا” تحركه أدوات خارجية ضد “المقاومة”.

وتحدثت أوساط قريبة من قصر بعبدا عن إمكانية أن يقوم فرنجية بزيارة الرئيس عون في القصر الجمهوري لأول مرة منذ انتخاب الأخير في منصب الرئاسة، على نحو يؤشر إلى العزم على نسيان الخلافات السابقة وتمترس كافة حلفاء حزب الله داخل خندق واحد في مواجهة ما يهدد نفوذ الحزب وحلفائه داخل النظام السياسي اللبناني.

وتوقع محللون أن يصار إلى تصعيد الموقف من قيام عناصر حزب الله بمهاجمة المتظاهرين في الساحات، على أن يشارك محازبون للتيار الوطني الحر في تنظيم مظاهرات مضادة للحراك ودعما لرئيس الجمهورية داخل المناطق المسيحية لاسيما في المتن وكسروان.

وترجح مصادر لبنانية قيام موالين للحزب السوري القومي الاجتماعي المتحالف مع حزب الله بمواجهة الحراك في مناطق متعددة بغية إحداث صدامات تجبر الجيش اللبناني على التدخل.

ولوحظ في الأيام الأخيرة تصاعد حملات منسقة من قبل حلفاء حزب الله ضد الجيش اللبناني من حيث اتهامه باللين في التعامل مع المتظاهرين ورفضه استخدام القوة المفرطة ضد من يقطعون الطرقات. واعتبر المنتقدون أن الجيش ينفذ أجندة قائده العماد جوزيف عون السياسية، من حيث أنه واحد من المرشحين الأقوياء للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنه لن يتورط في مجابهات تسيل دما في الشارع. وترددت معلومات تناقلتها وسائط الإعلام الاجتماعي عن أن قائد الجيش أبلغ رئيس الجمهورية “رفضه زجّ الجيش في أي مواجهة دموية مع المتظاهرين إكراما لعين جبران باسيل”.

 

الحريري يخيّر الاستقالة على الحل الأمني

ورأت مصادر مراقبة أن حزب الله يعتبر أن الظرف الإقليمي والدولي لا يسمحان بتقديم أي تنازلات في لبنان وأن راهن الصراع بين إيران والولايات المتحدة يدفع طهران للتمسك بأوراقها في العراق ولبنان واليمن، وأن لا تهاون إيرانيا في هذا الصدد دون ظهور أعراض حقيقية لتسوية تعرف فيها إيران ما سيعترف لها العالم به من نفوذ في المنطقة.

وخلص هؤلاء إلى أن حزب الله متمسك بباسيل أكثر من تمسكه بعون ويعتبره عنوان المرحلة وسيدعم وصوله إلى سدة الرئاسة في حال أي شغور طارئ يحدث في بعبدا. وتوقعت المصادر أن تصدر عن كافة حلفاء حزب الله مواقف تتجاوز الخلافات مع باسيل باتجاه تشكيل جبهة حماية له بصفتها حماية لـ”خيار المقاومة” وامتداداتها الإقليمية.