IMLebanon

قراءة في رسالة الرئيس

كتب د. عامر مشموشي في جريدة اللواء:

كان أبناء الثورة الصامدون في الساحات منذ أسبوعين ونيف، ينتظرون من رئيس الجمهورية الذي أقسم يمين الحفاظ على شعبه وسلامته وعزته وكرامته أن يحذو حذو رئيس الحكومة، ويقدم استقالته استجابة لمطالبهم في تغيير هذا النظام الفاسد الذي أوصلهم إلى هذه الحالة المزرية، فإذا به يمعن في التجاهل ويخصص رسالته للتحدث عن إنجازات عهده في السنوات الثلاث التي أمضاها في الحكم، وكأنه بذلك لا يعترف بأحقية الأسباب التي دفعت بهم للنزول إلى الساحات في مظهر عابر للطوائف، ولكل الحواجز المصطنعة التي اخترعتها المنظومة الفاسدة التي تستأثر بالسلطة وبكل مقومات الوطن، وتركت الشعب غارقاً في شظف الفقر والجوع والتشرد. الأمر الذي ألهب الساحات العامة من جديد وعادت ترتفع أصوات الجماهير الثائرة مطالبة برحيل أرباب هذه المنظومة «كلهم يعني كلهم».

أما كان أجدر برئيس الجمهورية الذي كان أول مسؤول على تماس مباشر مع الشعب، يشاركه في همومه ويتحسس معه كل هذه الهموم، من منطلق ايمانه بأن الشعب هو مصدر السلطات واليه يعود القرار الأول والأخير، أوليس هو من وصفه بالشعب العظيم ولجأ إليه يستمد منه القوة والعزم؟ أوليس هو من حوّل القصر الجمهوري إلى قصر للشعب فما الذي تغير يا فخامة الرئيس حتى وصل الأمر إلى حالة الطلاق بينك وبينه؟ هل هي السلطة وما توفره للحاكم من مغانم ومكاسب؟ وتجميع ثروات كلها مشبوهة وعلى حساب هذا الشعب وحقه في العيش الكريم، أم هي الاستهتار بعقول النّاس واعتبارهم غنماً تساق إلى المراعي ولا قيمة لها، ولا خوف منها كونها فاقدة الإرادة والتمييز بين الباطل والحق، وبين الخطأ والصحيح. أما كان أجدر بك يا فخامة الرئيس بدلاً من أن تستذكر في رسالتك الإنجازات التي حققها عهدك في السنوات الثلاث الماضية، وهي بالواقع ليست بإنجازات ولا تمت إلى الإنجازات بصلة بقدر ما تضع في خانة المكاسب لتحقيق طموحات سياسية شخصية لبعض المحظوظين في عهدك. أن تستجيب لمطالب الشعب الثائر وتقدم استقالتك من رئاسة الجمهورية بعد أن تصدر مرسوماً بحل المجلس النيابي وآخر بتشكيل حكومة انتقالية لا تمت بصلة إلى تلك المنظومة التي تشاركك السلطة، وإن تلتزم أمام الشعب الذي يملأ كل الساحات باجراء انتخابات نيابية جديدة على أساس قانون خارج القيد الطائفي، يتيح له حق اختيار ممثليه الحقيقيين الذين تقع عليهم مسؤولية إدارة دفة الحكم في الاتجاه الصحيح الذي يُعيد له كرامته وحقوقه وثقته بأولي الأحكام. فلماذا لم تقدّم على هذه الخطوة الجريئة يا فخافة الرئيس وانت أول من أعلن من موقع الحاكم انحيازه التام إلى الشعب، وانت من حول القصر الجمهوري إلى قصر للشعب، عملاً بالمبدأ القائل بأن الشعب هو مصدر السلطات، وبالتالي فـإنه هو الحاكم الفعلي وهو المرجع الأول والأخير، وان الذين يتسلمون المناصب والمراكز ليسوا سوى وكلاء له وليسوا أوصياء عليه، يقررون عنه بمعزل عنهم، من دون العودة إليه، ألا يعني ذلك أن السلطة قد أنستك هذا الشعب، وهو لذلك لم يصدق الوعود حتى ولو كانت تشكيل حكومة يثق بها؟