IMLebanon

هكذا تدرّجت الدولة العميقة في خطف الثورة واستغلالها!

كتب أنطوان الأسمر في جريدة اللواء:

صار الفشل والقصور في معالجة الأزمات مرتبطين حكمًا بالمنظومة الحاكمة، أو الدولة العميقة الرافضة والمعطلة لكل أنواع الإصلاح.

تتعدد المقاربات لمنشأ الحراك الشعبي الأخير، لكنها تتقاطع عند حقيقة واحدة: ثمة من ثار عن حق ضد المنظومة السياسية– الاقتصادية– المالية التي حكمت البلد وتحكّمت بمقدراته على إمتداد جمهورية الطائف، وتصدّت بشراسة لكل محاولات التغيير والتطوير والتحديث والمحاسبة.

لا يخفى أن اللبنانيين عانوا في العقود الثلاثة الفائتة من فشل الخدمات العامة وقصور الدولة عن توفير تلك الخدمات، الى جانب التلوث الهائل وانهيار خطط معالجة النفايات، في موازاة تردد الدولة (تردد يصل حد الجريمة الموصوفة) في تفكيك الكارتيل القابض على الاقتصاد، من البنزين والمازوت والغاز، وصولا الى القمح وباقي المنتجات الحيوية، في وقت يتكئ لبنان على حفنة من التجار القائمين على كل عمليات استيراد السلع الأساسية، هم في الحقيقة ذراع الدولة العميقة.

صار هذا الفشل والقصور في معالجة الازمات مرتبطين حكما بالمنظومة الحاكمة، وتحديدا تلك الدولة العميقة الرافضة والمعطِّلة لكل أنواع الإصلاح، والتي أسرت البلد بجريمة دين المئة مليار دولار وكلفته الباهظة على الاقتصاد، الى جانب سرقة المال العام.

أدى الاستقطاب السياسي إلى تفاقم المشاكل الحياتية، تارة من خلال شل المؤسسات الحكومية بشكل متكرر، وطورا من خلال تعطيل أي محاولة إصلاحية. فتضخمت تكاليف المعيشة، وارتفعت معدلات البطالة، مما دفع نسبة كبيرة من الشباب المتعلمين تعليماً جيداً إلى الهجرة.

تسارعت الاحداث، جُلها في أسلوب وتوقيت مريبين، من بلبلة الدولار التي إستنبطتها الكارتيل إياه وغذّاها (عفوا او قصدا، لا فرق) مصرف لبنان، الى الـ104 حرائق التي إلتهمت البلد في غضون 48 ساعة، وبيّنت الفشل الرسمي الفاقع في إحتوائها.

ثمة من أراد تظهير الهشاشة الرسمية – الحكومية في التعاطي مع الازمات، بغية تغذية الغضب ضد الدولة ليس فقط بمفهومها المؤسسي الراعي، بل باللوغو السياسي، وإختصاره العهد، في موازاة العمل الدؤوب والمتقن القائم منذ أعوام على الـ Character Assassination(إغتيال الشخصية) الذي إستهدف أحد أبرز رموز هذا اللوغو السياسي، جبران باسيل.

تدرك الدولة العميقة أن حجر الرحى الأساسي للاصلاح ينطلق حكما من تفكيك ما راكمته من مكتسبات سياسية ومصالح مالية قامت على هامش الدستور والقانون وخلافا لأي منطق سوى سلوك النهم السياسي والمالي، ومن القضاء على أذرعها (عودة الى الكارتيل)، وتصليب المؤسسة القضائية وتحييدها عن النفوذ السلطوي. وكل هذه الإجراءات مقدمات لازمة لأي عملية إصلاح تنتهي حكما بمساءلة أركان تلك الدولة العميقة واحدا واحدا، عن الدين العام القاتل وفوائده الهائلة والسرقة الموصوفة للإقتصاد عن بكرة أبيه، عبر تحويل قطاعات عامة الى مغارات لصوصية، وتقطير الخدمة العامة الى جيوب خاصة.

كل تلك التراكمات المثيرة للغضب والقرف توّجها إجراء محمد شقير بتمرير فرض الضريبة على المكالمات الهاتفية عبر التطبيقات الخليوية. كان ذلك الاجراء القشة التي قصمت ظهر البعير، والشرارة التي أطلقت الغضب الشعبي ليس فقط على لصوص الدولة وناهبيها، بل على مجمل الطبقة السياسية، المرتكِب منها وغير المرتكِب. فوقع الغاضبون (أو قد يكونون أُوقعوا) في خطأ التعميم الذي طالما إعتمده أركان الدولة العميقة كمنفذ للهروب من المساءلة.

في هذا التوقيت بالذات، لاحت الفرصة لهؤلاء الأركان، فلم يتأخروا في الاستغلال والتوظيف، وحشروا أنفسهم في ثورة الغضب لإخراجها عن هدفها الأساسي (المحاسبة) وتسييسها في إتجاه فرض إجراءات حكومية تفضي الى سرقة ما تبقى من مقدرات الدولة (الخصخصة)، ومن ثم في إتجاه تبييض صفحات سوداء داخليا وخارجيا، حتى يقتصر الغضب على العهد لإستكمال خنقه وإستنزافه.

تلقفت كرةَ النار رئاسةُ الجمهورية وذراعُها السياسية. فكان التريّث في بدء الإستشارات النيابية الملزمة إفساحا في المجال أمام مشاورات مكثفة تجري ليس فقط لتبيان هوية الرئيس العتيد للحكومة، إنما بغية تظهير صورة واضحة لأي إتفاق أو تفاهم سياسي سيواكب النصف الثاني من العهد، وطبيعة هذا الاتفاق والاهم قدرة كل أطرافه من دون إستثناء على إلتزام مندرجاته، منعا لتكرار ما حصل في النصف الأول، غداة التفاهم الرئاسي الذي شابت تطبيقه عثرات وعيوب كثيرة، وإنتهى -أو يكاد- بإستقالة أحد جناحيه!