IMLebanon

بيروت تكسر رهان السلطة والثورة لم تخمد في ساحتيها

كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:

في اليوم الثامن عشر عادت الحشود إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت، وعادت معها الدعوات لقطع الطرقات الأحد والإضراب العام، بعدما وصفه البعض باستراحة محارب. تظاهرة “أحد الضغط” أتت بعد تحقيق المتظاهرين مطلبهم الأول باستقالة الحكومة. لكن الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مهمته تشكيل الحكومة المقبلة لم تبدأ بعد. بالتالي لم تستجب السلطة بعد لمطلب المنتفضين الثاني، القاضي بتشكيل حكومة من إختصاصيين لإنقاذ لبنان من الإنهيار الاقتصادي الذي يلوح في الأفق. وهو ما دفع مجموعات المعارضة للتظاهر مجدداً بهدف الضغط على السلطة وتذكيرها بالمطلب الثاني وغيره من المطالب. ولبّى آلاف المواطنين الدعوة في مشهد مريح جداً للمنظمين. وبدا ملفتاً هذه المرة، النفس الطويل الذي تمتع به الشارع المعارض المستقل عن الأحزاب، وقدرته على الإستمرار في الحشد.

في الساحة دعوات للإضراب العام اليوم ولقطع الطرقات وشلّ الحركة في البلاد للضغط على المسؤولين من أجل البدء بالاستشارات النيابية لتكليف شخصية نظيفة بتشكيل حكومة. الدعوة لا تتبناها كل المجموعات لكن لا يعارضها أحد. فـ”هيئة تنسيق الثورة” والتي تضم عشرات المجموعات، تفضّل منح المسؤولين مهلة حتى مساء غد الثلثاء، على أن تجرى خلالها إستشارات نيابية يسمي بعدها رئيس الجمهورية شخصية من خارج الطبقة السياسية لترؤس الحكومة المقبلة، وفق ما يؤكد لـ”نداء الوطن” وسام الخضري، أحد أعضاء الهيئة، تحت طائلة التصعيد والضغط عبر الشارع نهار الأربعاء في حال لم تسم شخصية كفوءة لرئاسة الحكومة. يشعر الخضري بأن أحزاب السلطة تتجه لتسمية شخصيات سياسية تابعة لها. ويؤكد رفض الشارع للأمر، “فالشارع يريد شخصية غير حزبية وغير مرشحة للإنتخابات تشكل حكومة إنقاذية. ونحن مرتاحون إلى زخم الشارع”.

وكانت قد سبقت التظاهرة الحاشدة في ساحتي رياض الصلح والشهداء، مسيرة نسوية انطلقت من أمام المتحف الوطني في بيروت وسارت باتجاه رياض الصلح. ورفعت خلال هذه المسيرة الهتافات المطالبة بحقوق النساء السياسية والإقتصادية والمدنية، والمطالبة بالعدالة الجندرية. لأن “صوت المرأة هو الثورة والذكورية هي العورة”. كما عبر المتظاهرون عن مآسي الأمهات في المحاكم الشرعية بالهتاف “ظلمت الأم باسم الدين حرمتا من ولادا لسنين”.

وصلت المسيرة النسوية إلى رياض الصلح، والتقت بقية الحشود الذين توافدوا إلى الساحات. لا منصة مركزية في الساحتين، كل يهتف على منصته وعبر مكبرات الصوت التي أحضرها. فتختلف اللهجة والمطالب والخطابات من مكبر صوت إلى آخر. لكنها كلها تتوحد تحت مطلب البدء بتشكيل حكومة اختصاصيين. على إحدى المنصات “كلن يعني كلن” لم يعد هتافاً بل بات نشيداً ملحّناً لا يحمل ذات الغضب ولا لهجة الاتهام نفسها التي يعبر عنها الهتاف. ورداً على تهويل المسؤولين والتلويح بالفراغ، هتف المتظاهرون فذكروا المهوِّلين بجميع الأزمات المعيشية التي يعاني منها اللبناني والتي كانت السبب في ثورته. فذكّرت الهتافات بانقطاع الكهرباء والمياه، بحرمانهم من الضمان، بالحد الأدنى للأجور الذي لا يكفي العامل، وغيرها من الأزمات التي لا يعاني منها المسؤولون، متسائلين بتعجب: “وعم تحكيني بالفراغ؟!”.

ولم تمنع الحشود في الساحتين من استكمال جلسات النقاش في الموقف قرب مبنى اللعازارية. فاغتنمت مجموعات زحمة الحاضرين لتكمل نقاشاتها، فعقدت حلقات نقاش تتناول مواضيع مختلفة. وبعيداً من النقاشات التي قد تعدّ نخبوية، نقاشات ضيقة بين المتظاهرين المنتشرين في الساحتين في محاولة لتوقّع أفق التحرك والاحتمالات المقبلة. لكن مهما كثرت الإحتمالات ومهما كان الآتي فالكل مقتنع اليوم بأنه استطاع أن يحقق إنجازاً عجزت الاحتجاجات والتظاهرات السابقة عن تحقيقه. والكل مقتنع أنه كسر شيئاً ما في تركيبة هذا النظام.