IMLebanon

هيلا هيلا هيلا هو… الغناء “ملعلع” يا حلو

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

هيلا هيلا هيلا هو/ الطريق مسكّر يا حلو… وانطلقت “ثورة” لبنانيّة بأغنيات وأناشيد أدارت رؤوس العالم نحو ساحات فيها كثير من الأهازيج والقوافي وكثير كثير من الغضب! وحين يغضبُ الشباب “تجنّ” الأغنية وفي بعض الجنون عبقريّة.

يجهل كثير من الشباب الثائر أن المطربة الكبيرة أم كلثوم “ثارت” هي أيضاً، مثلهم، ذات يوم غنّت “الزعيم والثورة” من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان رياض السنباطي. وحتى في ثورتها أطربت وهي تغني: “بالإرادةِ والعزيمة نبني أمّة عظيمة/ أمّة بتنور طريقها للأمام كلّ خطوة تسبق الأيام بعام”. وغنّت “أنا الشعب” وضمنتها: “وصاح من الشعب صوت طليق قوي، أبيّ، عريق، عميق يقول: أنا الشعب والمعجزة لا أعرف المستحيلا”. كم جميلة هذه الأغنية. كم جميل هدير ساحاتنا بعبارة: أنا الشعب لا أعرف مستحيلا.

لكن، هل يجوز أن تجترّ ساحاتنا الثائرة أغنيات فنانين من سبعينات قرنٍ أفل؟ هل يجب أن تقتصر أغاني شباب الساحات على أغنية “منتصب القامة أمشي/ في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي/ وأنا أمشي وأنا أمشي”؟ جميلة ٌ وحماسية جداً هذه الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر الفلسطيني سميح القاسم لكن الشباب الثائر بحاجة الى أغنيات أكثر التصاقاً بهم وبواقعهم (حتى ولو رفض البعض هذا الكلام). فها هم شباب الثورة في ساحة الشهداء يستبدلون “منتصب القامة أمشي” بأغنية الفنان محمد اسكندر: من أين لك هذا؟

من أين لك هذا؟ هذا بمعزل عن القيمة الفنية لكل منهما.

يكاد لا يغيب صوت محمد اسكندر عن ساحات الثورة المنتشرة من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب. أغنيته “من أين لك هذا”، من كلمات إبنه فارس اسكندر، التي خضعت للمساءلة القانونية لأنها اعتبرت مسّاً بإحدى المؤسسات المالية، وطبعاً لم ترق لكبار القوم. أغنية طنّت بها آذان الزعماء في عشرين يوماً عشرين ألف مرة: “إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب/ اللي عندو طيبة بهالزمن بيحترقو أعصابو/ وبيجي الخانك بقلّك ما في وفا خسارة”.

كبر الشباب فجأة. الكبار في العمر ما كانوا يلحظون وجودهم وقوتهم وعمقهم. وكانوا يظنون أنهم قادرون على جعلهم بكبسةِ زرّ يتبعونهم على “العمياني” وهذا ما لم يحصل. “فاجأوهم موووو”. الشباب فيهم بعض الجنون وجنون الشباب هذا هو شرطُ الحكمةِ في الكِبر. فلنلحقهم الى الساحات ولنكتشف كيف يثورون غناء!!

غزيرو الإنتاج هم. صنعوا من كلِّ لحنٍ يدقّ على وتر القلوب أغنية تليق بهذه اللحظة. غنوا:

Cherie je taime cheri je t’adore/ como la salsa del pamodor

وتابعوا الأغنية بالعربية: يا مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى. هي أغنية رددوها بلا ملل من دون أن يعرفوا أن من أداها في مصر هو المغني بوب عزام (واسمه الأصلي جورج وديع عزام) ولم يغنِ سواها.

لغة الوجع

أغنيات ثورية فيها كثير من الإلتزام بأرض ووطنٍ وشعب وحقوق أصبحت أجمل حين خرجت من أفواه شباب ساحات الثورة المحقّة معبّرة عن غضبهم وخوفهم على مستقبلٍ مفتوح على ظلمٍ وظلامة. بعض أغنيات خالد الهبر تثير حماسة في بعض الشباب والشابات. ريان خالد الهبر، المؤلف الموسيقي الذي كوّن هوية موسيقية خاصة مميزة، يراقب الساحات اليوم وأغنيات هذه الساحات ويقول: الأغنية الثورية تولد في وجه الظلم والإحتلال والتسلط. وما سمعناه في عشرين يوماً عكس ثورة الشباب على مختلف أشكال الظلم. هم عبّروا بكلماتٍ ركّبوها على ألحانٍ عن وجعٍ بأسلوبٍ بسيط وقريب من لغة الأرض. هم غنوا الراب والزجل والنشيد والطقطوقة. وكلّ أشكال الموسيقى في هذه المرحلة تُستخدم. ويستطرد ريان الهبر: التعبير عن الرفض والثورة لا يكون بالغناء وبالموسيقى فقط بل بالرسمِ والتمثيل أيضاً.

صحيح أن أغنياتٍ كثيرة صدحت في الساحات، بعضها جديد، غير أنه ليس ضرورياً في الثورات اعتماد ما هو جديد بل هناك أغنيات ألّفت قبل ثلاثين عاماً وتصلح في ثورة 17 تشرين 2019. وفي هذا الإطار يعلّق الهبر: هناك من يُغني الآن في الساحات أغنيات خالد الهبر وزياد الرحباني وهناك من يُبادر بكتابةِ أغنيات جديدة. في كلِ حال حين يغني شباب اليوم أغنية “شو هالأيام اللي وصلنالها قال إنو غني عم يعطي فقير كأنو المصاري قشطت لحالها عا هيدا نتفه وهيدا كتير” يشعرون أنها صُنعت لثورتهم. ويتابع الهبر: الكلمات التي “تُجيّش” الأرض استخدمت في الغناء من سنين كثيرة. الأغنية الثورية لا تموت طالما الظلم حيّ موجود.

تجييش وتحفيز

الموسيقى على أنواعها تساعد على “التجييش” والتحفيز والحثّ. وهناك موسيقى وأغنيات تدفع للقتال والتقاتل.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية استخدمت الموسيقى في المواجهات.

أتتذكرون عرض “كاس ومتراس” الذي غنى فيه بديع أبو شقرا أغنيات الحرب اللبنانية؟ الموسيقي ريان الهبر هو من تولى إعداد هذا العرض. واستُعيدت فيه كل أغنيات الحرب منذ جولاتها الأولى، أغنيات ساهمت في “تجييش” الناس طائفياً وجهوياً. لكلِ حزبٍ نشيد. ولكلِ نشيد بعد. ولكلِ بعد هدف. هكذا هي الأغنية الحزبية الثورية.

هل سنرى بعد حين استعراضاً يجمع أغاني الثورة اللبنانية الجديدة؟ الموسيقيون سيعملون حتماً على هذا لكن ليس الآن لأن الإتجار بآمال الناس، في هذه المرحلة المفصلية، فيه إسفاف. واستعراض الثورة وأدواتها فنياً يكون بعد حين.

بكبسةِ زرّ قد تولد أغنيات في زمن الثورة. فلنأخذ هذه الأغنية التي رددها الثائرون في سلسلة ما رددوا تحت خانة “مبسوطة”. بأقل من خمسين دقيقة كتبوا ولحنوا ما يلي: قالوا عنها تعبانة ونفسيتها مضغوطعععع/ عيونا عم بيشرو دموع وعم تمسحهن بالفوطععععع/ تاري بنت الحلال الخبرية مش مزبوطععععع/ نزلت جيجي عالشارع مع رفقاتا بالبوطعععع. الشباب ثورة وثورة الشباب، إذا شاؤوها، لا تعرف حدوداً ولا مستحيلاً.. المغني اللبناني العالمي مساري شارك هو أيضاً في الثورة مطلقاً أغنية “أنا اللي قلبي انكسر” وفيها “خلوني عيش/ بندم روحي/ سكنها الزعل/ شعبي وحبيبي انغدر”.

“نشيد الثورة” أطلق بأصوات فنانين لبنانيين وهو من كلمات مهدي منصور. الفنانة دينا حايك أطلقت هي أيضاً أغنية “ثورة” وضمنتها قسم جبران وعبارة “كلّن يعني كلّن”. وفي كلمات الأغنية: ثورة يعني ثورة/ كلّن يعني كلّن/ يا وطني بيكفينا ذلّ/ والفاسد من عنا يفلّ/ لبنان باقي بمحلو/ لا منتعب ولا منملّ.

“بيبي شارك”

ثورة ثورة ثورة. والثورة شباب والشباب يحبون، حتى من قلب الثورة واللحظات الصعبة، أن يفرحوا. ها هم يغنون “بيبي شارك” ويرقصون على أنغامها:

Baby shark doo doo doo doo doo doo/ Daddy Shark… Grandma shark… Grandpa Shark… Safe at last…. It’s the end…

رائعون هم الشباب وخصوصاً حين يثورون

أغنية “بيلا تشاو” الثورية، وهي من الفولكلور الإيطالي، تعود الى الحرب العالمية الثانية. وها هم “شباب لبنان” يغنونها. وتقول كلماتها ما معناه: صباح يوم ما… أفقت من النوم… ورأيت وطني محتلاً… يا رفيقة إحمليني بعيداً لأنني سأموت وإذا متّ كمقاوم فعليكِ دفني… ادفنيني أعلى الجبال تحت ظلِّ وردة جميلة…

المطربة إليسا “ثارت” هي أيضاً رافعة العلم اللبناني ومرددة مع المتظاهرين أغنيتها الجميلة “موطني” وهي نشيد كتبه الشاعر إبراهيم طوقان ولحنه الأخوان محمد وأحمد فليفل: موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رُباك والحياة والنجاة والهناء والرخاء في هواك”.

كم هو جميل حين يُرددُ الشباب، على وقعِ موسيقى الثورة، عبارات الوطن والأرض والحياة والنجاة والهناء والرخاء.

الحراك العربي وانتفاضة الشعوب في أكثر من مكانٍ خلقا أطراً غنائية جديدة. مغنو الراب، في سوريا ومصر وتونس، أنتجوا أغنيات جميلة جداً. أغنيات فنان الراب الطرابلسي مازن السيّد الملقب بـ “الراس”، الذي غنى طرابلس “كوكب الفيحاء” قبل أن تصبح “عروس الثورة” مطلوبة بكثرة. والمعتصمون في الساحات يطلبونها و”يثورون” غناء حين تصدح. أغاني بو ناصر (ناصر الدين الطفار)، الذي غنى الثورة السورية، مطلوبة أيضاً في الساحات اللبنانية. وأغنيته اللبنانية الأولى “هيكسافوبيا” تصدح من ساحة الى ساحة. والرابر بو ناصر يعرف، كما سواه، أن الغناء لا سيما الراب ذو صلة وثيقة مع الأرض. هو تعبيرٌ إحتجاجي يزيد من الوعي لدى الشباب لأنه أفضل من ينقل تطابق اللحظة التي يعيشها الإنسان في الواقع مع ما مضمون كلمات الأغنية. الموسيقى حالة بالفعل تعبيرية.

الأغنيات الثورية والملتزمة تخيف السلطة، كما تخيفها كل أشكال انتفاضات الشباب، لأن الشباب الذين يشعرون أن أصواتهم باتت مسموعة لا يتراجعون أبداً. السلطة تعرف هذا تماماً وهي تسعى، عبر الموسيقى أحياناً، الى مسح العقول. وهي أكثر العالمين أن تأثير الأغنية على فئة عمرية، يتشكّل وعيها، يكون هائلاً. وهذا ما يسمى الخرق الموسيقي في أوقات الثورة.