IMLebanon

الدولة المحتضِرة “تقتل” أبناءها

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

 

أيام قليلة ويفقد اللبنانيون القدرة على الإستشفاء. الكلام ليس مجازياً أو تهويلياً، ولا يعود بالطبع الى إقفال المستشفيات، إنما الى نفاد المستلزمات الطبية وعدم التوصل الى حلول جذرية لتأمين الإستيراد.
وقَع الخبر كالصاعقة على زينة، فزوجها البالغ من العمر 55 عاماً يخضع اسبوعياً لثلاث جلسات “غسيل كلى”، وأي تأجيل أو إلغاء لجلسة من الجلسات يعني تسمّم دمه، والدخول في مضاعفات لا تُحمد عواقبها. “الله لا يسامحهن لوين وصّلوا البلد”، تقولها بتنهيدة تُغني عن ألف تعليق، لتُنهي كلامها بـ “الإتكال على الله”.

الخطر… والخط الأحمر

المدير العام لمستشفى بشامون التخصصي د. معن هنيدي يقول إن “الخطر لامس الخط الأحمر، مع قرب نفاد المخزون لدينا من مختلف الأدوات الطبية. وقد بدأنا تنفيذ إجراءات الطوارئ القصوى بمحاولة لتلبية المرضى الأكثر حاجة من ذوي الحالات المتفاقمة”.

برأي هنيدي، ان “مضاعفات الأزمة الخطيرة لا يمكن حصرها فقط بنفاد المستلزمات الطبية لذوي الحالات المستعصية، بل ان عدم توفر أبسط الأمور من أكياس المصل والشاش والإبر وخيوط القطب وعدة الإسعافات الأولية، قد يؤدي الى كوارث على الصعيد الطبي، تعيدنا الى العصر الحجري”.كمية المخزون من الأدوات الطبية تختلف من مستشفى الى آخر، وبحسب إحدى الجهات الطبية فهي “تتراوح بين 10 و30 يوماً، وتتعلق بدورة الإستهلاك. فهناك بعض المستلزمات تجدد اسبوعياً، كأكياس المصل والدم والمستحضرات الكيميائية، والمعقمات ومصفيات غسيل الكلى، والبعض الآخر كالإبر والشاش والإسعافات الأولية تتجدد بشكل شهري، غير أن هناك الكثير من المستلزمات الأساسية كدعامات القلب وقضبان الحديد للكسور وبراغي عظام الظهر وغيرها الكثير من المواد لا تتوفر في المستشفيات ويجري طلبها بحسب الحاجة”.

اللوم بحسب أحد مرضى السرطان يقع على عاتق الدولة، فهي المسؤولة عما آلت اليه الأمور، “وأنا احمّل الدولة مسؤولية التكفّل بأسرتي ومتابعة تعليم أولادي وتأمين المأكل والمشرب والحياة الكريمة واللائقة لهم، في حال مفارقتي الحياة بسبب عدم قدرة الجهات الطبية على توفير الرعاية اللازمة لي”.

“كمّاشة” الأزمة

أطبقت كمّاشة الإهمال الرسمي بفكّيها على قطاع مستوردي الأدوات والأجهزة الطبية. فمن جهة تعجز المستشفيات عن الإيفاء بديونها للشركات نتيجة تراكم مستحقاتها على الدولة والجهات الضامنة والتي بلغت 1.4 مليار دولار. ومن جهة أخرى توقّف الإستيراد نهائياً نتيجة قرار المصارف وقف العمل بالتسهيلات المصرفية والتحويلات الى الخارج.

“الكارثة ستنفجر الأسبوع المقبل، إذا لم تتأمّن الحلول”، تقول المتحدثة باسم نقابة مستوردي الأدوات والأجهزة الطبية سلمى عاصي. فالكمية المتوفرة من أكياس الدم تكفي لمدة 10 أيام فقط، مصافي غسيل الكلى نفدت من مخزون الشركات، دعامات القلب المعروفة بـ (Ressort) تواجه إنخفاضاً حاداً مقابل إرتفاع الطلب عليها. هذا بالإضافة الى تراجع مخزون مئات الأدوات الطبية الأساسية من الإبرة حتى مستلزمات غرف الأشعة والعمليات.

المشكلة بحسب عاصي بدأت، مع رفض المصارف تحويل الأموال الى الخارج لشراء البضائع، وتفاقمت مؤخراً مع وقف التسهيلات وفتح الإعتمادات الذي كان يؤمّن بديلاً مؤقتاً عن تخلّف المستشفيات عن الدفع. الأمر الذي دفع بـ 110 شركات منتسبة الى النقابة إلى التوقف عن الإستيراد منذ نحو شهرين. أما الحلّ الأسرع لوقف هذا الموت الممنهج فهو عبر توفير المصرف المركزي حاجات الشركات من الدولار، أسوة بما هو معمول به للدواء، ذلك ان المستلزمات والأجهزة وقطع الغيار هي أساسية وحيوية للعمل الاستشفائي ولا تقلّ أهمية عن الدواء.إضراب المستشفيات

نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون قال ان “المخزون الحالي في البلاد يكفي لمدة لا تتجاوز الشهر الواحد، علماً ان عملية الاستيراد من الخارج تتطلّب بين شهرين وثلاثة اشهر. نحن مقبلون على كارثة صحية كبيرة اذا لم يتم تدارك الوضع فوراً. وقد نجد المرضى يموتون في المستشفيات بسبب النقص مثلاً في الفلاتر المستخدمة لغسل الكلى او الرسورات لتوسيع شرايين القلب او ادوية البنج الخ”.

المستشفيات، وبمحاولة للضغط على المسؤولين، ستتوقف نهار الجمعة المقبل في 15/11/2019 عن استقبال المرضى باستثناء الحالات الطارئة، مرضى غسل الكلى والعلاج الكيميائي، وذلك بهدف تأمين إستيراد المستلزمات الطبية ودفع المستحقات المتراكمة.