IMLebanon

تعنُّت السياسيين يؤزّم وضع المصارف

كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:

 

لم تكن السحوبات كبيرة من المصارف طوال الأسبوع الماضي. فالبنوك رغم كل ما يقال وما يُحكى عن التدابير الإحترازية التي تتّخذها للحدّ من خروج الدولارات من “كونتواراتها”، لا يزال وضعها لغاية الساعة مقبولاً. “الطلبات للتحويل الى الخارج كبيرة”، يقول مصدر في البنك “المركزي” لـ”نداء الوطن”، ويضيف “لكن لا يجوز للمصارف تلبيتها في ظلّ الأجواء الضبابية السوداوية، وإلا ستزداد الطلبات وتصبح الأمور أكثر صعوبة. لدينا حلول للحفاظ على الكيان المصرفي لكن طرحها رهن الإستقرار السياسي”.

البنوك “غير مفلسة” رغم قيام البعض منها بصرف الموظفين “بالجملة”، ولكن غياب أي مؤشر لتشكيل حكومة يوسّع هوّة المخاطر ومعها قلّة الثقة، وبالتالي يفاقم الضغط عليها من المودعين ويخفّض قيمة أرباحها، الأمر الذي لا تحتمله كبرى المصارف العالمية.

فمن يُمسِك المصارف في اليد التي تؤلمها هي التحويلات، وخصوصاً الى الخارج، ما يلحق باحتياطاتها الأذى بدرجة كبيرة قد لا تُحمد عقباها، من هنا فهي تبذل جهداً كبيراً التزاماً بتوصيات البنك المركزي طبعاً، لمنع تلبية حاجات الزبائن المتهافتة على التحويلات بطريقة أو بأخرى، مع إصرار مصرف لبنان على أن ذلك ليس سوى تدابير آنية إحترازية ولا تدخل في خانة الـ capital Control الذي يتطلّب اعتماده بالتساوي في كل البنوك، صدور قانون خاص من مجلس النواب، علماً أن لا نيّة لـ “المركزي” في طلب إقراره في الوقت الراهن.

الإقفال أو التقاعس!

من هنا فالبنوك تفضّل “أن تقفل أبوابها على أن تفتحها وتتقاعس عن تلبية احتياجات زبائنها”، يقول المصدر نفسه. فلا عجب إذاً، أن تتّخذ من عيد المولد النبوي حجة لتغلق أبوابها لفترة يومين بدل اليوم الواحد وأن تضغط على السياسيين الذين يعيشون في “كوكب آخر” وهو “كوكب عدم التخلّي عن الكراسي”.

إنتفاضة “الخاص”

الأسبوع الجاري سيكون أسبوع انتفاضة القطاع الخاص الذي بدأت تؤلمه التدابير التي اتخذت حول إلغاء التسهيلات المصرفية وصعوبات قبض الشيكات والتحويلات، فمن رجال أعمال وصناعيين ومستوردين ومؤسسات سياحية ومقاولين أوقفوا العمل بمشاريع القطاعين العام والخاص… عَلَت الأصوات المطالبة بتشكيل الحكومة، فقرروا بدورهم في ظلّ الصعوبات التي يعملون خلالها الإضراب عن العمل. وبانتظار أن تتمدّد تلك الإنتفاضة الى سائر القطاعات وأن يطرق الشحّ (رغم تأمين الإعتمادات من مصرف لبنان للقطاعات الأساسية) أبواب اللبنانيين بالمواد الغذائية والدواء والبنزين وتسجيل المزيد من الارتفاع في الأسعار…

فلن يرأف المجتمع الدولي بنا ويمدّنا بالدعم الذي يُحكى عنه بالمليارات قبل تهيئة الأرضية من خلال حكومة تكنوقراط لرفع الإقتصاد اللبناني.

فاقتصادنا بات في قعر الهاوية ولا مجال لرفعه الا من خلال الدعم، أوّل الغيث كان من خلال التعميم الذي أصدره مصرف لبنان الأسبوع الماضي والذي يقضي برفع المصارف رأسمالها من قبل المساهمين لتعزيز أموالها الخاصة، وهو أمر طبيعي في زمن الأزمات بأن يُفرض على أصحاب المصارف أن يضخّوا تقديمات نقدية. فهؤلاء هم بمعظمهم سياسيون ورجال أعمال يملكون أموالاً في الخارج أيضاً ويمكنهم زيادة رساميل البنوك التي يملكون الأمر الذي سيرفع من قيمة رؤوس الأموال ويتيح للجسم المصرفي تنفّس الصعداء والتصدّي فوراً للخفوضات الإئتمانية التي تتوالى يومياً من قبل وكالات التصنيف الإئتمانية العالمية، وللضغوط عليها.

الدّعم مقابل الإستقرار

ويلفت مصدر “المركزي” إلى إن “ضخّ الأموال لا يمكن أن يحصل اذا لم تتضح الرؤية السياسية ولم يكن الجو السياسي مقبولاً، لأنه في الأزمات يذهب المال وتبقى الصورة السياسية ضبابية وسوداوية. لحينه الناس ستمرّ بضيقة، لكن يجب التضامن في المواجهة، لتبقى هناك أموال في البلد بدل ان نسخّر الأموال للمحافظة على نظام فقط وتصبح البلاد من دون سند”.

أما عن إمكانية أن تلحق المصارف بركب سياسة القطاع الخاص التقشّفية المتبعة سابقاً، والتي أصبحت أكثر شراسة اليوم وتتجلّى في خفض النفقات والصرف من العمل للصمود في ظلّ تلك الأجواء التشاؤمية و”التعنّتية” من قبل السياسيين، فإن “تلك الفرضية منطقية”، كما يؤكّد المصدر نفسه. ويشير في ما يتعلق بإمكانية إقفال بعض المصارف فروعاً لها الى أن “خطة خفض المصارف لنفقاتها كانت متبعة منذ نحو عام وليست بالأمر المستجدّ، لكن لم يرد لغاية اليوم الى مصرف لبنان أي طلب لإقفال فرع ما”. وهنا لا بد من التذكير بأن المصارف واستناداً الى القانون، كانت تفتتح سنوياً فرعين جديدين، وحان الوقت ومع الدعوة لزيادة رؤوس الأموال ليس الى لملمة فروعها وتقليص عددها فحسب بل الى دمج البنوك الصغيرة منها، تلك غير القادرة على الصمود وحيدة.

تبقى الآمال معلّقة على حصول خرق سياسي بصورة ايجابية يرافقها الى زيادة رؤوس الأموال، الإستمرار في منع التحويلات الى الخارج واستمرار التقطير في مواجهة السحوبات وسياسة نقدية ايجابية لاحتواء الوضع.

تكريس السوق الموازية

ولا يختلف اثنان على أن السوق الموازية التي ولّدها التدهور الإقتصادي في البلاد منذ ثلاثة أشهر في سعر صرف الدولار لدى الصرّافين، ستتكرّس أكثر فأكثر مع استمرار الأزمة السياسية وستستمرّ على المدى الطويل. فسعر صرف الدولار لدى المصارف وهو السعر الرسمي المعتمد من “المركزي” سيبقى نفسه، في حين أنه خارج لبنان وخارج الجسم المصرفي سيكون مغايراً. لكن رغم ذلك، تبقى مهمة توحيد الأسواق والعودة الى السوق اللبنانية الصحيحة الليبرالية، أمراً جائزاً.