IMLebanon

فنّانون مغمورون في ساحة الشهداء …يتظاهرون ويُغنّون الثورة

كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:

 

ليل الجمعة الماضي أحيا مغنّون من قلب الثورة ليلة غنائية في موقف اللعازارية وسط بيروت. وبعنوان “جمعة ثورية وموسيقى” غنّت فرقة “الراحل الكبير” ومغنيا “الراب”، المعروفان باسم جعفر الطفار والراس، أغانيهم في ساحة اللعازارية بينما جلس حولهم المئات من أبناء الثورة وتفاعلوا وغنّوا معهم.
إذاً في الجمعة الثورية، ومن حناجر ثائرة صدحت أغاني الثورة الحقيقية لتعبر عن معاناة الإنسان اليومية في لبنان بكل تفاصيلها. غنى هؤلاء أغاني بكلمات حقيقية وواقعية بعيداً من المنصات العملاقة و”الكليشيهات” الكلامية والأغاني “الثورية” المنمقة، التي لا تسمي الأشياء بأسمائها وتتجنب ذكر السلطان والإشارة إليه، طمعاً بأن تصدح من بلاطه أيضاً، كما هي حال معظم الفنانين. فأغاني الثورة الحقيقية هي تلك التي لا يمكن أن تغنى في بلاط حاكم لأنه سيعجز عن تحملها.

وما يميز المغنين أنهم لم يكونوا زواراً في الساحة، ولم يأتوا لتأدية أغانيهم ومن ثم الابتعاد عنها. وإنما اعتاد المتظاهرون رؤيتهم وهم يتظاهرون ويحتجون معهم. ليسوا جدداً على الساحة، بل احتجوا في الطرقات منذ أزمة النفايات الشهيرة في العام 2015.

على تماس مع المغنين جلس الثائرون على الأرض، لا يفصل بينهم وبين مغني الثورة المرافقون الشخصيون، فهم لا يخشون الناس لأنهم منهم، ويدركون أن الثورة هي الناس. فثورة الكثير من الجالسين هي أيضاً على مغني البلاط الذي يغني للفقر والثورة لتدجينها والاتجار بها. بعض الثوار عبّر عن هذه الفكرة تحديداً ضد المغنية جوليا بطرس فكتب على أحد الجدران “تسقط جوليا بطرس”.

وبعيداً من جوليا والتي يصرّ الكثير من الثوار على اعتبارها من السلطة لارتباطها وأغانيها ببعض رموزها، إضافة إلى كون زوجها وزير دفاع في الحكومة التي أسقطوها، غنت الفرقة ومغنيا الراب أغانيهم المكتوبة من وحي الحياة السياسية اللبنانية ويوميات الناس وآلامهم، وقد أصابت أوجاع الناس ومعاناتهم اليومية، فتفاعلوا معها وإن تحفّظ البعض بصوت منخفض على بعض الأفكار السياسية. وردّدت الجماهير مع المغنين الأغاني غير المعروفة كثيراً في الشارع اللبناني، والتي عادة ما يكون لها جمهور محدد يتعمد الاستماع إليها ومشاهدة حفلاتها.

صمتت إذاً “كليشيهات الثورة” وتردّدت الأغاني التي تشبه الناس وتسمي الأمور بأسمائها، فلا تتحدث عن المرتكب وكأنه قوة شريرة مجهولة. بدأت الحفلة بأغنية فرقة “الراحل الكبير” بعنوان “لا حول ولا” ومن كلماتها: “حسرة عليكي يا بلدنا، الحال فيكي مش موزون، الناس كلها خيفانة والبلد كله مديون… قلي كيف وصلنا إلى هون”. كذلك غنت الفرقة أغنيتها التي أصدرتها واشتهرت في حراك العام 2015 بعنوان “كلن يعني كلن” والذي كان أبرز شعار رفعه المتظاهرون في حينها. الأغنية التي تعارض تدخل “حزب الله” في الحرب السورية وتنتقد وزير الداخلية في حينها نهاد المشنوق وتشير أيضاً إلى أحد الوزراء، وإلى الوزير جبران باسيل، إذ تقول كلماتها: “في وزير عندو انفصام نازل قال تيتظاهرلي ضد النظام، لك أيا نظام ما إنتي وعمك وولاد عمك أركان النظام”.

أما مغني الراب المعروف بـ”الراس” فردّ على المزعوجين من الشتم في الساحات، ووجه أغنية للرد على الذين يقولون بأنهم أيدوا المتظاهرين في الأيام الأولى ومن ثم انسحبوا بحجة انحراف الثورة، قائلاً: “خارج كل التصنيفات العفنة، ضد كل الثنائيات السائدة. الحريص على الثورة يكون في صفوفها ويحرص عليها بالعمل. الخائف من انحراف الثورة أو أن تستغل فليأت ويشارك بتصويبها بصدر مفتوح وبالتي هي أحسن. الخائف من وقوع حرب أهلية فلينزل إلى الشارع ليقف بين ناسه بوجه الحرب الأهلية”. وغنى الراس ومعه الجمهور “في شي لإلنا بهالشوارع لازم ناخدو… في شي لإلنا غير الخوف غير الوعود، ما بينعطى هيدا نحنا لازم ناخدو”. وغنى عن استخدام القوى الأمنية للعنف ضد المواطنين وعن وضع المساجين في السجون السيئة حيث يحشر عشرة أشخاص في غرفة ضيقة. “دولتنا بدا بالذل تربيك، الحرامي لي عندو ضهر أحلى عيشة عيشوه والعميل كرموه… الحبس مو للزلم الحبس للإرهاب للي سارق شعبو ومعبي الجياب…”. والراس، وهو ابن طرابلس، غنى عن رحلة الطرابلسي من بيروت إلى طرابلس في باصات النقل المشترك. ومن بيروت هتف ابن طرابلس ومعه الجمهور “طرابلس يا مدينتنا طرابلس يا حبيبتنا”. أما المغني جعفر الطفار، فطالبه الجمهور بأغنية “بدنا ثورة تحمي الشعب وتمحي إسرائيل! وهي أغنية سياسية تحكي تاريخ المنطقة مع الاحتلالات والاستعمار، وتحكي عن ارتكابات الأحزاب اللبنانية بمختلفها، وعن ارتباطاتها الخارجية. ملخص سريع لفترات تاريخية طويلة ترويها الأغنية بسلاسة وسرعة، تلخص الكثير من القضايا وتحكي أوجاع الشعوب، لتنتهي مجدداً بالعبارة التي كررها الجمهور “بدي ثورة تحمي الشعب وتمحي إسرائيل”. كذلك غنى جعفر “الطفار” حكاية الطفار في جرود البقاع والتي كنّى اسمه بهم لحمل قضيتهم.

هم إذاً فنانون من الثورة هتفوا في شوارعها وقرروا أن يخصصوا لها أمسية يغنون فيها. ومعهم هتف الجمهور وغنى “سقطت سقطت الحكومة حنكمل عالباقية”، للتأكيد على استمرارية التحركات والإصرار على كافة المطالب التي عبّروا عنها بمختلف الأشكال أبرزها الغناء.