IMLebanon

الحَراك الشعبي مدعوم أو عفوي؟

كتب ريمون ميشال هنود في صحيفة “اللواء”:

منذ أكثر من سنتين توقعت حدوث ذلك الانفجار الاجتماعي الشعبي الرهيب لا غبار على ان الطبقة السياسية الحاكمة بمختلف احزابها، ميليشيات سابقة اثناء الحرب، بمعظمها ارتكبت اخطاء اقتصادية جمّة فادحة بحق الاقتصاد اللبناني. فالاستدانة الهائلة منذ بداية التسعينات للحكومات المتعاقبة حتى العام 2005، رافقها نمو الفساد والهدر والاختلاس داخل اندية تلك الطبقة، ما ادى الى ارهاق كاهل الخزينة اللبنانية.

وعندما بدأ عهد الرئيس ميشال عون، وبدلا من الشروع في تنفيذ كامل مندرجات الاصلاح والتغيير الحقيقية الكفيلة بوقف نزيف الاقتصاد، عمق تيار العهد جراح الاقتصاد اللبناني، بسلاح سياسته الرعناء، التي اضاعت الوقت هباء طيلة فترة ثلاث سنوات، اي نصف عمر العهد عبر اهماله الاهتمام بشؤون الطبقة العاملة وبشجونها، وكان جل اهتمامه منصب على استعادة ما يسمى بحقوق المسيحيين التي منحتها فرنسا لهم غداة تحقيق الاستقلال عام 1943. وللأسف ان يبقى تيار يدعي عشقه للدولة العلمانية، يعتبر ان الامتيازات كانت حقوق مكتبسة لطائفة معينة، وبأن الطوائف الأخرى الـ 17 اخطأت عندما شقت عصا طاعتها وانتفضت بوجهها، وكأنّ ما من وجود في لبنان الا لفريق واحد يحق له الهيمنة والتفرّد والاستئثار بمفرده. ونتيجة هذا الاعتقاد اللامنطقي غدا الرئيس عون خصما بدلا من ان يكون حكما حسبما ينص الدستور اللبناني، وكل دساتير الدول المرموقة.

ويبدو ان فخامته عندما نفى نفسه الى فرنسا نتيجة غضبه من سقوط دستور 1943 اعتلى سدة الرئاسة عام 2016 لهدف وحيد، الا وهو تقويض اتفاق الطائف على الرغم ان حلفاءه كانوا قد اخطروه بأن هذا الاتفاق هو خط احمر في عدة بيانات صادرة عن لقاء احزاب الثامن من آذار. والمعلوم ان الخطاب الطائفي، المستمر في زمن العقوبات الاقتصادية الأميركية على حزب الله، يضاعف التوتر بين أطياف الشعب اللبناني وينشر افانين العداوات، ويصب زيتها على نار الوضع المعيشي المتدهور والبطالة التي لامست نسبة الـ 41 بالمائة.

ولمن يقول اين كمن خطاب التيار الطائفي، اعود واذكره قرار بلدية الحدث العونية بعدم تأجير شقق سكنية في المدينة لغير المسيحيين، التذكير بمعركة سوق الغرب 1989، واغتصاب حكم من احكام الدستور عبر الباس مندرجات وظائف الفئتين الثالثة والرابعة رداء الـ 6 والـ 6 مكرر والحاق الضرر بالمواطنين الشبّان الناجحين في تلك الوظائف سواء من خصوم العهد أو من الحلفاء وبقيت وظائفهم اسيرة قضبان التعصب الديني في بيت الشعب، وواقعة شتم الوزير باسيل في بعلبك ما زالت عالقة في اذهان معاليه، وعلاوة على ذلك فقد احجم الرئيس عون عن اقرار قانون منح ابناء المرأة اللبنانية المتزوجة من مواطن اجنبي الجنسية اللبنانية لهم لأسباب مذهبية ضيقة. وأكمل التيار اخطاءه الطائفية حتى اصابت سهامها عاصمة الشمال طرابلس، اذ يفيد الاستاذ توفيق سلطان، الذي يملك باعا طويلا في العمل الحزبي والسياسي لموقع سفير الشمال الالكتروني، بتاريخ 9 تموز 2019، ان الوزير جبران باسيل اعترف بعد اكثر من سنتين بأنه ضد مشروع تأمين الكهرباء لطرابلس 24 على 24 وانه ضد فدرلة مشاريع الطاقة خصوصا من محطات الغاز الثلاث، ويضيف سلطان بأن النهج الذي اعتمده باسيل على طاولة مجلس الوزراء اتى عقب 18 جلسة لإقرار الموازنة، وهذا المشروع الانمائي لطرابلس يؤمن لها الكهرباء خلال تسعة اشهر بسعر اقل من البواخر بعشرين بالمائة لأن لا سمسرات فيه، وهو مشروع محمي بقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن ان التيار الوطني الحر احرج حلفاءه والدولة السورية بالتحديد جراء استمراره بإحياء ذكرى 13 تشرين الأول 1990، اما السؤال المطروح هل أنّ الحراك الشعبي المستمر مدعوم ام عفوي؟ عمليا، يمكن القول بأن واشنطن تدعم الحراك مستغلة ثغرة احدثها فساد الطبقة السياسية اللبنانية التي افقرت شعبها وجوّعته وهجرته وشردته، لكن الرهان الأساسي لواشنطن يبقى نجاح الحراك في نزع سلاح حزب الله، فهي ساهمت الى حد كبير في حدوثه من خلال عقوباتها الاقتصادية على الحزب، عندما لجأت الى خيار الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون، القائل: إن الدول التي نعجز عن اجتياحها، يجب ان بجعل اقتصادها يصرخ من داخل ربوعها. أما الرئيس الحريري ورغم تأييده الضمني لنزع سلاح الحزب، الاّ انه يرفض فكرة نزعه اذا كان ذلك سيؤدي الى حرب اهلية في لبنان، وقد اعلن مرارا وتكرارا ان نزع هذا السلاح يتم بتوافق اقليمي ودولي بين دول كبرى. ان كل المؤشرات تدل على ان واشنطن مستفيدة من تلك الثورة بدليل انه بتاريخ 22/10/2015 قال وليد فارس الذي كان قد شغل منصب احد مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون الخارجية، لاسيما منطقة الشرق الاوسط لموقع ايكون نيوز والمرصد العربي بوست وموقع الاندبندنت باللغة العربية، ان هذه الثورة اللبنانية سوف تطيح باتفاقية الطائف، وستنهي الوجود العسكري لمليشيا حزب الله.

ان ما نشهده اليوم في لبنان ما هو الا صراعا سياسيا حادا ومعركة كسر عظم بين موسكو وواشنطن للفوز بالورقة اللبنانية بدليل انه بتاريخ 21/10/2019 قالت نشره قناة الكرملين RT في نسختها الروسية ان الوضع في لبنان تستغله قوى خارجية، وان الحراك اللبناني يهدد بتدمير السلام الهش بين الطوائف اللبنانية، اما الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية التابع للأكاديمية الروسية ستانيسلاف ايفانوف فقد افاد بأن الحفاظ على النظام والأمن في لبنان هو لصالح روسيا، وان اي اضطراب امني للوضع في لبنان سوف ينعكس على الوضع الداخلي في سوريا، فيما اعتبر السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين بتاريخ 9 تشرين الأول 2019، ان ازمة العملة في لبنان هي خطة اميركية لإحداث الفوضى فيه، بهدف ضرب حزب الله ومن خلفه خصوم اميركية في المنطقة. لا شك ان حزب الله سيرفض حكومة تكنو قراط ان من خارج الاحزاب السياسية او من داخلها فهو يريد حكومة سياسية يكون له حلفاء اقوياء فيها تمنع الخصوم من القاء القبض علي سلاحه ويعتبر ان مطلب المتظاهرين بحكومة تكنو قراط مطلب موجّه ضد بقاء السلاح في حوزته، وما زال يعتبر ان التيار الوطني الحر يجب ان يبقى حليفا قويا له لأنه ما زال يضفي على سلاحه شرعية برلمانية قوية. من هنا، وفي احلك ظروف تمر فيها البلاد تفوق خطورتها مشهد ما قبل انفجار الحرب الاهلية عام 1975، المطلوب من المعارضين المطالبين بحقهم المكتسب، وهم يشكلون الطبقة الفقيرة في لبنان والطبقة الرازحة تحت نير خط الفقر المدقع والعوز الشديد، وانا فرد منهم، التحلي بالواقعية والادراك بأن حروب الالغاء على الأحزاب السياسية المتجذرة في الحياة السياسة اللبنانية منذ عقود طويلة من الزمن، حروب خاسرة ستعود وتحرق الاخضر واليابس في لبنان، فالمطلب هذا تعجيزي بامتيار، لذا يبقى الحوار بين اصحاب الحقوق، والذين اخلوا بالوعود وتناسوا الواجبات، هو الحل الوحيد، فالورقة الاصلاحية ليست سيئة، وعلى المعارضة الشعبية البدء فورا بالحوار خطوة خطوة، ويجب ان تعمل على تحقيق اهم المطالب وباكورتها استعادة الاموال المنهوبة، وقيمتها مرعبة واعادة الاملاك البحرية الى كنف الشعب اللبناني، وتخفيض رواتب الوزراء والنواب وتخفيض الضرائب على المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية وايجاد فرص عمل لتخفيض البطالة والعمل على حل مشكلة النازحين السوريين مع المجتمع الدولي اولا والمطالبة الفورية بإقرار المادة 95 من الدستور، مع استمرار التظاهرات في الساحات حتى يتحقق اكبر قدر ممكن من المطالب، من دون العودة الى قطع الطرقات والأوتوستراد الدولي، وليكن شعارنا دوما وحده الوعي يحصن السلم الأهلي.