IMLebanon

الاختناق السوريّ وما يخشاه “الحزب”

كتب وليد شقير في صحيفة “نداء الوطن”:

يُصرّ “حزب الله” على ربط الحراك الشعبي بمخطط خارجي. يتخوّف من الإتيان بحكومة تكنوقراط أو من غير أحزاب السلطة، باعتباره انصياعاً لرغبة أميركا في إبعاده عن الحكومة، في إطار تضييقها عليه وعلى إيران في المنطقة.

يستغرب قادة الحراك الشعبي قلق “الحزب” في وقت لم يطرح أي من المجموعات الكثيرة المشاركة فيه لا مسألة دوره الإقليمي ولا مسألة سلاحه، لأن الانفجار الشعبي قام على احتقان اللبنانيين جراء تفاقم أحوالهم المعيشية وإذلالهم، خصوصاً الشباب العاطل من العمل، بسبب سياسة أحزاب السلطة الفاشلة على الصعيد الاقتصادي. بقيت الهتافات ضد أمينه العام السيد حسن نصر الله محدودة على رغم توجيه “الحزب” بعض مناصريه ضد الحراك بحجة التعرض لرمز ديني، فأدى القمع البشع ضد المتظاهرين الى نتيجة معاكسة عند اللبنانيين والجمهور الشيعي، حتى لدى منضوين في “الحزب” نفسه.

يعتبر الناشطون في الحراك أن “الحزب” هو الذي يطرح مسألة السلاح وارتباطه بإيران، عبر تبرير إصراره على التمثيل السياسي في الحكومة في مواجهة المخططات الأميركية. ويرون أنه يتجاهل بذلك أن سبب اشتراك جزء من جمهوره في الحراك، متفلتاً من قيود قيادته هو الوضع المعيشي. وإزاء ربط “الحزب” ومحللي الممانعة بين استهداف إيران في العراق وفي لبنان، يكرر الاستنتاج الشائع بأن الانتفاضة في المناطق العراقية الشيعية شهدت هتافات من نوع “إيران برا برا” وإنزالاً لصور رموز طهران، بينما الأمر مختلف في لبنان. وحيث أنزلت صور نصر الله فإن هذا جاء باعتباره واحداً من رموز السلطة، لا فعل هويته السياسية الإيرانية. وهو أمر طال الزعامات الأخرى أكثر على امتداد لبنان. الثابت أن السواد الأعظم من المشاركين في الثورة، غير مكترث بالسياسة الإقليمية لـ”الحزب” وسلاحه، ولا بربطها بما يجري في العراق فالمحرك في البلدين هو الوضع المعيشي، حتى لو جاء تحميل طهران مسؤولية ترديه في العراق أكثر وضوحاً مما هو عليه في لبنان.

“الحزب” نفسه، عندما يطرح هواجسه، هو الذي يضيء على دور السياسة الإيرانية في لبنان، في التردي الاقتصادي. فتحالفاته في السلطة لحماية دوره الإقليمي، والتي اضطرته إلى تجاهل ما بلغه الفساد، وإغراق البلد في المحاصصة على حساب معالجة الأوضاع الاقتصادية، يفسران قلقه على إضعاف هؤلاء الحلفاء، وبالتالي إضعافه هو، في أي حكومة مقبلة أولويتها استعادة الثقة من أجل إطلاق التصحيح المالي، وليست مهمتها التصدي لدور “الحزب” الإقليمي، أو مشاركة أميركا في حملتها ضده.

واحد من أسباب اختناق لبنان هو تحوله الرئة التي يتنفس منها النظام السوري و”الحزب” إزاء العقوبات التي فرضتها واشنطن عليهما. لم يعد سراً أن بضع مليارات من الدولارات سحبت من لبنان إلى سوريا، إما عبر شركات الأوف شور والاعتمادات التي فتحتها في مصارف لبنانية لاستيراد البضائع المحظورة عن طريق بيروت، والتي لا يسدد إلا القليل منها، أو عبر شراء كميات من الدولارات من الصيارفة لتزويد المصرف المركزي في دمشق بها، أو عبر تشجيع السوريين الميسورين على سحب أموالهم من المصارف اللبنانية إلى دمشق… ما أدى إلى شح السيولة في لبنان وإلى أزمة السعرين لصرف العملة. ناهيك عن بيع “الحزب” النفط الإيراني المحظور أميركياً، المهرب عبر سوريا ثم تحويل ثمنه إلى الدولار.

ما روج له وزير الخارجية جبران باسيل مطلع الشهر الماضي بالقول إن لبنان سيتنفس من الرئة السورية اقتصادياً، لتبرير استعادة العلاقات مع دمشق، تحول اختناقاً لبنانياً من تلك الرئة.

ما يقلق “الحزب” الآن أن “الرئة السورية” تختنق نتيجة انسداد الرئة اللبنانية، وإقفال المصارف وتحديدها لأسقف السحوبات والتحويلات وفرضها أذونات للاستيراد.

هذا من نتائج “وحدة المصير والمسار” وتوحيد ساحات المواجهة رغماً عن شعوب دولها. و”الحزب” يخشى حكومة تقفل أبواب الرئة اللبنانية لسوريا التي تحمّل لبنان ما يعجز اقتصاده عن تحمّله.