IMLebanon

الإصرار على حكومة تكنوسياسية يضع العهد بمواجهة مع اللبنانيّين

كتب د. عامر مشموشي في صحيفة اللواء:

لا يزال رئيس الجمهورية يماطل ويناور، بل ويعاند إرادة الشعب اللبناني الذي يطالب بالحد الأدنى من حقوقه:  إقامة حكومة تكنوقراط من أشخاص أكفاء، نظيفي الكف

في كل يوم تزداد الهوة اتساعاً بين السلطة والشعب، وكل المعطيات في السياسة والميدان تقود إلى استنتاج واحد ثمة من يقود البلاد الىالسقوط الحتمي ويدفع في كل الاتجاهات لبلوغ هذا الهدف. ولا يختلف اثنان على ان ما قاله رئيس الجمهورية في اطلالته التلفزيونية أوّل من أمس، اشعل الغضب الشعبي مجدداً بعدما كانت الأمور في الشارع تميل إلى الهدوء نسبياً إفساحاً في المجال امام السلطة السياسية لإيجاد حل يطفئ نار الثورة، ودخلت البلاد مجدداً في المجهول المعلوم.

وبمعزل عن الالتباسات التي احاطت بالمواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية بات شبه مؤكد ان السلطة السياسية لا تبحث عن حل يطفئ نار الثورة التي عمت كل لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه بل عن حل يناسب مصالحها وأهدافها ويحافظ على مكاسبها السلطوية غير عابئة بوجع النّاس. انها حال من انعدام الثقة المطلقة بين السلطة والشعب لا يُمكن ان تؤدي إذا ما استمرت عليه، ولم تعِ السلطة نتائجها المدمرة، وتسارع قبل فوات الفرصة الاخيرة التي ما زالت متوافرة إلى تقديم تنازلات تريح الشعب، وتدفعه إلى اخلاء الساحات الا الى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.

والحل الذي يخرج البلاد من هذا الوضع المأزوم، قدّمه الثوار للسلطة السياسية على طبق من ذهب ويقتصر كخطوة أولى لا بدّ ولا مهرب منها على تشكيل حكومة تكنوقراط من أشخاص اكفاء نظيفي الكف والسمعة تأخذ على مسؤوليتها إصلاح الحال وانتشال البلاد من الهاوية التي شارفت على السقوط فيها، وهم أي رباب السلطة يُدركون تماماً ان غير ذلك لا ينهي المشكلة، وكما سمعوا ذلك من كل الدول الحريصة على هذا البلد وعلى امنه واستقراره لقد سمعوه من مجموعة دول الدعم، ومن المنسق الخاص للأمين الأمين العام للأمم المتحدة، ومن الموفد الفرنسي الذي جال أمس على عدد من كبار المسؤولين وسلمهم رسالة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، تتضمن فيها باستعجال تأليف حكومة مستقلة نظيفة، تحظى بثقة الشعب اللبناني الثائر قبل ان تحظى بثقة المجلس النيابي الذي فقد ثقته بالسلطة الحاكمة، بعدما استمع إلى مقابلة رئيس الجمهورية أوّل من أمس، والتي أدار فيها ظهره لهذا الشعب الثائر وحتى بكل النصائح الدولية التي اسديت إليه قبل ظهوره على وسائل الإعلام بساعات قليلة. فلماذا لا يزال رئيس الجمهورية يماطل ويناور، بل ويعاند إرادة الشعب اللبناني الذي يطالب بالحد الأدنى من حقوقه وهو إقامة حكومة تكنوقراط من أشخاص اكفاء، نظيفي الكف، يشكلون فريق عمل واحد يأخذ على عاتقه مسؤولية تحقيق مطالب الشعب خلال فترة زمنية لا تتجاوز الستة أشهر، فهل صحيح ان هذه الحكومة كما قال عنها الرئيس غير موجودة الا في القمر، وفي حال إن وجدت ستكون عاجزة عن تسيير الشؤون السياسية المحكومة بمجلس النواب، ويقتضي نتيجة لذلك البحث عن حكومة تكنوسياسية تحظى بثقة مجلس النواب أو أكثريته أي حكومة تكون نسخة طبق الأصل عن الحكومة المستقيلة التي ثبت فشلها الذريع واوصلت الشعب الى حالة اعلان الثورة على المنظومة السياسية الحاكمة من دون أية استثناءات. اما إذا كان مرد رفض رئيس الجمهورية من موقعه المسؤول عن البلاد والعباد إلى القلق من جر لبنان إلى حيث لا يريد فريق سياسي يخشى على مكتسباته وضماناته وسلاحه، فالضمانة الاكيدة ان المرحلة ليست الا الىالانقاذ الاقتصادي، وما مهلة العشرة أيام التي منحها البنك الدولي للسلطة اللبنانية لتشكيل حكومة جديدة نظيفة وموثوقة سوى اقوى دليل على صحة ذلك.

إزاء هذا الواقع، نصحت أوساط سياسية داخلية والاوساط الدبلوماسية بأن الوضع بات يحتاج ليس إلى إدارة الظهر كما فعل رئيس الجمهورية في مقابلته الإعلامية إلى كل النصائح بل كان يفترض به ان يقدم التنازلات المطلوبة لتهدئة الوضع وفي مقدمتها القبول بحكومة التكنوقراط ليحدث بذلك صدمة إيجابية كما فعل الرئيس سعد الحريري بمبادرته تقديم الاستقالة تخرج البلد من النفق المظلم، بدلاً من التمادي في المكابرة والعناد كما هو اللامبالاة الذي ظهر به رئيس الجمهوري ليل أوّل من امس أو حال انعدام المسؤولية، التي أدّت إلى إشعال النار في الشارع، إلى العودة ليس إلى المربع الأوّل، بل إلى ما قبل الصفر.

وسط انسداد كل أفق الحل أو التسوية التي كان يُمكن ان تنقذ هذا البلد من الحالة التي وصل إليها، نجح البازار الحكومي بموجة من التسريبات المتعمدة من جهات معينة بالتكليف والتأليف عنوانها اعتذار الحريري عن التشكيل الأمر الذي نفته بشدة اوساطه مستغربة استخدام عبارة الاعتذار وهو لم يكلف بعد بالمهمة، واعتبرت مصادر مقربة ان هدف هذه التسريبات يأتي في سياق الضغط على الحريري لحمله على الرضوخ للشروط التي يحاول رئيس الجمهورية وحليفه حزب الله فرضها عليه، ومنها تشكيل حكومة تكنوسياسية تضمن الحصانة السياسية للحزب في هذه المرحلة الإقليمية والدولية البالغة الدقة، وأكدت المصادر ان الحريري عند موقفه بضرورة تأليف حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص تتولى تنفيذ أجندة اقتصادية محددة تتضمن ورقة حكومته الإصلاحية خلال مُـدّة ستة أشهر.

وأشارت إلى ان هذا الاقتراح ما زال يصطدم بالاصرار على حكومة تكنو-سياسية أي حكومة قريبة بمواصفاتها من الحكومة المستقيلة مع بعض التحسينات، وهذا الاقتراح جاهر به رئيس الجمهورية في مقابلته أوّل من أمس وسبق ان جاهر به الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في كل مواقفه الأخيرة.