IMLebanon

الحلّ لم يعد اقتصادياً

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

 

الناس في الشارع مشغولون منذ نحو شهر في بناء وطن، والمسؤولون خلف المكاتب مستمهلون ويتفقون على تقسيم الحصص”. قالها ثائر أثناء جلسة نقاش في ساحة الشهداء، عشية تصدّر خبر تكليف الوزير السابق محمد الصفدي رئاسة الحكومة. هذا التعليق استدعى ردّاً من سيدة تظهر عليها علامات العمر بالقول “الناس بالناس والقطة بالنفاس”، في إشارة الى أن هموم الناس الكبيرة تُقابَل بانشغال مكوّنات السلطة بأمورهم الخاصة الصغيرة.

الأسماء المتداولة لتشكيل الحكومة العتيدة، التي من المفترض أن تكون المدخل السريع لتأمين بعض الحلول العملية للأزمة الإقتصادية، تُعقّد الأمور أكثر مما تشفي الجروح. ولعل هذه التغريدة لأحد الناشطين في الثورة “يعني خجّلتنا هالسلطة قد ما عم تقدّملنا خدمات…ساعة مقابلة مستفزّة… ساعة تكليف سيّئ!!! كلّو استنهاض للشارع. من وين هالكرم؟”، خير دليل على عقم السلطة في تقديم ما يُرضي الشارع، ويُخلّص الإقتصاد من المحنة التي أُوقع بها. منعطف خطير

عجز السلطة، بعد 30 يوماً على اشتعال الثورة والغضب الشعبي في الشارع، عن تقديم أي حلول جدّية للأزمة الإقتصادية، أدخل البلد في منعطف خطير. فاليوم (البارحة) توقفت المستشفيات عن تقديم الخدمات، وعجزت أكبرها عن تأمين علاجات السرطان وغسل الكلى، وقبلها توقفت كل الشركات عن الإستيراد، نتيجة رفض المصارف تحويل الأموال الى الخارج. البنوك تستمر بإقفال أبوابها، متذرّعة بإضراب الموظفين، بانتظار جلاء الوضع. الدولار شبه مفقود من الأسواق. انخفاض قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي، امتص 20 في المئة من القدرة الشرائية للمواطنين، وأكثر من نصف الشركات بدأت باتباع سياسة “نصف راتب”. هذه المؤشرات الخطيرة لم تعد نظرية بل انعكست الى مآسٍ على أرض الواقع.

التعامل التجاري بين الشركات أو حتى بينها وبين الافراد تحوّل الى نقدي “cash”، ولم يعد أحد يقبل بـ”الشيكات” أو “الحوالات المصرفية” أو “التقسيط” كأساليب دفع، “معك دولار أهلاً وسهلاً بك، ما معك الله معك”، يُعيد أحد المقاولين ما قاله له التاجر عند محاولته تسديد ثمن مدفوعاته بموجب “شيك”. هذا الواقع الذي يترافق مع إقفال البنوك ووضع حد “سخيف” للسحوبات النقدية بالعملات الأجنبية، مع إقتطاع نسبة تتراوح بين 5 و10 في الألف، وفراغ الصرافات الآلية من الدولار، بدأ يُنذر بانهيار وشيك.

عضو مجلس إدارة أحد المستشفيات الكبيرة يقول إن “النقص في الادوية والأدوات الطبية وصل الى الخط الاحمر، من بعد استنزافنا للمخزون. ومن بقي من المؤسسات التجارية يسلّم المستلزمات الطبية، لم يعد يقبل الا بتسديد الفواتير نقداً وبالدولار. فمن أين نأتي بالدولار؟ وبأي ثمن؟ وما هي انعكاسات هذا الوضع على المرضى؟” أسئلة كثيرة، جوابها مجهول معلوم.

الاقتصاد” يأتي لاحقاً

في معرض تعليقه على المسار الجديد الذي أخذته الأزمة، وإصرار البعض على تقديم أوراق اقتصادية للحل، يقول الإقتصادي روي بدارو، إن “الكلام بالارقام والمؤشرات، والتحليل بمنطق علم الإقتصاد لم يعد ينفع، فالحل اليوم هو محض سياسي”. أما بالنسبة للأوراق والإجتماعات وعصر الدماغ “فهي كانت تنفع قبل أشهر أو حتى أسابيع، أما اليوم فلم تعد ذات معنى. وان لم تستطع هذه السلطة الخروج سريعاً بتشكيلة تُعيد الثقة بالدولة والإقتصاد في الداخل والخارج، تكون تحفر قبرها وقبر البلد بيدها”.

المطلوب لحل الازمة بحسب الخبراء شرطان اساسيان: إيقاف محاولات إخراج الدولار من لبنان، وإعادة تدفق الودائع الاجنبية الى الإقتصاد، شرطان بحسب بدارو”لن يتأمّنا طالما أن هناك جهات داخلية متسلّحة، مربوطة ورابطة الوضع اللبناني بالصراع الإقليمي. وفور حل هذه العقدة تُحل بقية المشاكل”. هذا الواقع المستجد المترافق مع نقص كبير بالسيولة بالعملة الأجنبية، سيُجبر مصرف لبنان على إفلات حبل سعر الصرف، لكن ليس على طوله، انما لحدود 2000 ليرة. وعند استقراره على هذا السعر واطمئنان المواطنين على عدم صعوده أكثر، سيلجأ قسم كبير من مكتنزي الدولار الى بيعه، وبالتالي إعادة تحريك العجلة الإقتصادية وتأمين السيولة الضرورية لاستمرار الإقتصاد.

المستشار الإقتصادي هادي الأسعد يرى أننا “فقدنا ترف تضييع الوقت، وكل يوم تأخير بتقديم الحل الذي يتوافق مع مطالب الثوار المحقة، باقتصاد عادل ودولة غير فاسدة، تؤمّن أبسط مقومات الحياة الكريمة لأبنائها.. نكون نغرق أكثر فأكثر”. وعلى عكس ما يحاول الكثيرون تسويقه يقول الأسعد ان “المشكلة التي نحن فيها اليوم ليست بسبب الإنتفاضة، بل ان الأزمة هي التي دفعت بالمواطنين الى النزول الى الشارع”. وبرأيه فإن واحداً من شروط الإصلاح الداخلي، هو “حكومة تنال أيضاً ثقة الخارج، وتدفعه الى إعادة الإستثمار وضخ الأموال في لبنان ومساعدته على الخروج من المأزق”.

يقف لبنان اليوم على بُعد أمتار قليلة من تصنيف جديد من وكالة “ستاندرد أند بورز”، يُتوقع أن يضع لبنان في خانة caa3 أي في مرحلة التخلّف عن سداد الديون، مع حظوظ قليلة بإمكان معاودة السداد، وهذه ستكون “القشة التي ستقصم ظهر البعير”.