IMLebanon

“المعلومات” يوقع بـ”رجل المخابرات”!

كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:

خطفت مجموعة مؤلفة من لبنانيّين وسوري وفلسطيني رجل الأعمال السوري بشّور سعادة. نُفِّذت عملية الخطف بنجاح ليتّصل العقل المدبّر للعملية بزوجة المخطوف من تركيا، التي فرّ إليها، طالباً منها دفع مبلغ ١٤٥ مليون دولار أميركي، على أنّها أموالٌ له في ذمّة زوجها. بدأت المفاوضات بذريعة أنّ الدافع خلافات مالية، ليتبيّن أنّ أحد المشتبه في تنسيقهم عملية الخطف رتيب متقاعد في استخبارات الجيش، سبق أن نفّذ أبرز العمليات النوعية لمصلحة المديرية. واللافت أن المخطوف ادّعى على خصومه بعد تحريره، ثم عاد وتراجع عن الادعاء

لم يكن كامل س. رتيباً عادياً في مديرية المخابرات. يكاد يكون أحد أكثر عناصر المديرية الأمنية والعسكرية نشاطاً. من ينسى عملية اختطاف عماد ياسين، أحد أمراء تنظيم «داعش» في مخيم عين الحلوة. لقد كان كامل أحد المنفّذين الأساسيين لهذه العملية. كذلك كان له دورٌ أساسي في جمع معلومات عن خاطفي العسكريين وسحب الجثث التي اعتُقد بداية أنّها للعسكريين المخطوفين. مكث أياماً في جبال القلمون التي كانت تغطيها الثلوج، ليتمكن مع ضباط من سحب الجثث، قبل أن يتبيّن أنّها تعود لآخرين. فضلاً عن دوره في محاولة اغتيال أمير «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلّة بالسُّمّ، فضلاً عن عشرات العمليات الأمنية التي شارك فيها رجل المهمّات الخاصة بوصفه مخطّطاً حيناً، ومشاركاً في التنفيذ أحياناً كثيرة. يكاد الرتيب المتقاعد كامل س. يترك بصماته على العديد من العمليات النوعية التي رفعت من شأن مديرية المخابرات في الجيش خلال السنوات التي ذاع فيها صيت الإرهاب بين عامَي ٢٠١٣ و ٢٠١٨. غير أنّ ما لم يكن متوقّعاً أن يتورّط كامل س. في عملية خطف رجل أعمال سوري، ليس لدواعٍ أمنية، وإنما بسبب خلافات مالية على مبالغ ضخمة تصل إلى ١٧٥ مليون دولار بحسب ما يقول لـ «الأخبار». فماذا حصل؟

تكشف مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنّ كامل س. كلّف سائق تاكسي، فلسطينيَ الجنسية، مراقبة رجل الأعمال السوري بشّور سعادة بعدما أرشده إلى مكان منزله وسيارته في الحازمية. وذلك بناءً على اتفاقه مع شريكه وهو رجل أعمال سوري آخر يُدعى جمال ع. الذي يشاركه في الأعمال التجارية وعمليات تهريب الدخان إلى رومانيا وأوكرانيا. ولهذه الغاية، وبناءً على طلب جمال ع.، استعان الرتيب المتقاعد بالمدعو بسام ش. ليُكلّفه بتنفيذ عملية الخطف مقابل مبلغ قدره ٢٠ ألف دولار. وبدأ بسام المذكور إجراءات التنفيذ. استعار سيارة رباعية الدفع من صديقه بذريعة أنه يحتاج إليها لأمور عائلية لعدة أيام، استبدل لوحات السيارة بأخرى مزوّرة. عمد بعدها إلى وضع حاجب للرؤية على الزجاج. وانطلق برفقة كل من أحمد ش. وعلي ع.

في اليوم الأول، فقدوا أثر هدفهم في الحازمية. وفي اليوم الثاني، تعقّبوه طيلة النهار بين السوديكو وبرج حمود والحازمية. وقد تنبّه بشّور إلى وجودهم عندما كان في منطقة برج حمود، فحاول الهرب منهم باتجاه منزله في الحازمية، محاولاً تضليلهم عبر سلوك طرقات فرعية. وعندما اعتقد أنّهم فقدوا أثره، دخل ليركن سيارته داخل أحد المباني السكنية. ونزل ليهرب مشياً على الأقدام، إلا أنّ سيارة الجيب اعترضت طريقه وترجّل منه الثلاثة، شاهراً كل منهم مسدساً حربياً، ليعمدوا إلى ضربه على رأسه وخاصرته بعد ادعائهم أنّهم عناصر من أمن الدولة. وأصعدوه إلى متن الـ«جيب» بالقوة، حيث رموا هاتفه الخلوي وعصّبوا عينيه ثم نقلوه إلى مكتب كامل س. الذي تسلّمه وأصعده إلى مكتبه ليساعده شخص آخر بتقييده. وأعطياه دواء أفقده وعيه. وعمدوا بعد ذلك إلى نقله داخل صندوق بيك أب أسود اللون إلى بلدة ياطر الجنوبية، حيث تسلّمه المدعو عباس ب. لينقله إلى أحد منازل الرتيب المتقاعد في القرية حيث كان بانتظارهما المدعو أيمن س. شقيق زوجة كامل. وقد تولّى حراسته كل من: عباس وأيمن المذكورين. وبحسب الرواية الأمنية، فقد أُبقي المخطوف في منزل كامل أربعة أيام قبل أن يُنقل إلى الطبقة السفلية في منزل مازن س. (الموجود في سوريا) من دون علمه. وفي ذلك اليوم، سافر كامل إلى تركيا لمقابلة جمال ع.

وقعت عملية الخطف في السابع من الشهر الجاري. وفي الثالث عشر منه، أُجبر المخطوف على إرسال تسجيل صوتي موجّه إلى زوجته بواسطة هاتف يُستعمل للمرة الأولى إلى رقم هاتف كامل س. ثم عمد الأخير إلى إرساله إلى هاتف جمال ع. الذي أرسله بدوره إلى زوجة المخطوف عبر تطبيق الواتساب. في التسجيل، طلب المخطوف من زوجته حل الخلاف المالي مع جمال المذكور. وفي اليوم التالي، ودائماً بحسب الرواية الأمنية، أُجبر على توقيع تعهّدات تُفيد بأنّ لجمال المذكور في ذمته مبلغ ١٤٥ مليون دولار، أُرسلت إلى زوجته. وقد طلب جمال منها سحب هذه المبالغ من مصرف في لبنان أو الخارج بالتعاون مع شقيق زوجها الموجود في أوكرانيا، لكنّها تذرّعت بأنّ المصارف مقفلة واستمهلته أسبوعاً واحداً.

في تلك الأثناء، كان فرع المعلومات يرصد سائق كامل س. حيث عمد إلى توقيفه مع ابن كامل القاصر، قبل أن يُترك الأخير. وقد توصّل المحققون إلى اكتشاف أنّ السائق تولّى عملية رصد المخطوف، ليتوسّع التحقيق. سُحبت داتا الكاميرات وجرى رسم خريطة اتصالات لمحاولة تحديد العناصر المشاركة. وبعد مرور ١١ يوماً على عملية الخطف، تمكن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من تحرير المخطوف بشّور سعادة بعد اكتشاف مكان احتجازه في بلدة ياطر الجنوبية، وتوقيف معظم المشاركين في عملية الخطف، باستثناء كامل وشريكه جمال ع. الموجودين في تركيا.

وعلمت «الأخبار» أنّ المخطوف المحرّر بقي معصوب العينين طوال فترة اختطافه. ولم تُزل العصبة عن عينيه إلا لتوقيع التعهّد. ولدى اكتشاف مكان احتجازه، كان مقيّداً بأصفاد معدنية وعيناه معصّبتان. وبمجرّد أن فكّت العناصر الأمنية العصبة عن عينَي المخطوف، انتُزع الجلد معها. وقد تسبب ذلك في حصول تورّمات في عينيه.

في مقابل الرواية الأمنية، تواصلت «الأخبار» مع كل من: كامل وشريكه جمال ع. الموجودين في تركيا. نفى الرتيب المتقاعد تهمة تورطه في الخطف، مؤكداً أنّ دافعه استعادة ديون له في ذمّة المخطوف بشّور س. قيمتها ١٧ مليون دولار بدل ثمن دخّان، كاشفاً أنّ لشريكه جمال حساباً لدى بشّور يبلغ ١٧٥ مليون دولار. يروي كامل أنّ الأعمال التجارية بينهم بدأت منذ عام 2000 في تجارة الدخان بين اليونان ورومانيا وسويسرا والصين وألمانيا، مشيراً إلى أنّه لا علاقة له بالخلاف المالي القديم بين جمال وبشّور. وذكر أنّه كان قد اتّصل بمنفّذ عملية الخطف بسّام، طالباً إليه وقف التنفيذ، لكنه فوجئ بإبلاغه من قبل الأخير أنّ الهدف صار في حوزته. وأضاف الرتيب المتقاعد إنّه لدى سؤاله عنه من قبل عدد من المسؤولين الأمنيين، لم يُنكر وجود المخطوف لديه. بدوره، جمال ع. قال لـ«الأخبار» إنّه وقع ضحية بشّور سعادة ونوّاف س. اللذين كانا يعملان لديه في رومانيا، مستعيداً فخّاً نصباه له عندما أرسلا له طائرة عسكرية من نوع «إيليوشين» لديها القدرة على حمل ٢٠ دبابة، محمّلة بالدخان المهرّب ومرسلة باسمه إلى مطار بوخارست عام ١٩٩٨. يذكر أنّ هذه الحادثة تسببت بترحيله من رومانيا بعد سجنه لعام. وكشف أنّه طوال هذه السنين كان يحاول استعادة أمواله، إلى أن لجأ إلى وزير لبناني سابق وعده بمساعدته قبل أن ينقلب عليه ليقف إلى جانب بشّور. وذكّر بأنّه وسّط عدداً من الأشخاص في لبنان ليتّفق مع بشّور سعادة على مبلغ قدره ١١٤ مليون دولار، لكن الأخير لم يلتزم.
اللافت أن بشّور سعادة ادّعى على خاطفيه، بعد تحريره، ثم عاد وتراجع عن الادعاء!