IMLebanon

حقاً إنها ثورة!

كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:  

مضى أكثر من أربعة أسابيع والشعب اللبناني بكل طوائفه ومذاهبه وانتماءاته السياسية، ما زال يملأ الساحات نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، شباباً وشابات وأطفالاً، طلاباً ونخباً، وينادي بصوت واحد يتردد صداه في سماء تلك الساحات التي لم تعد تتسع، لتذهب كل المنظومة السياسية التي حكمت البلد على مدى أكثر من ثلاثين عاماً فعاثت فيه فساداً وإفساداً إلى أن وصل الى حافة الانهيار وبات أكثرية الشعب يعيش الحرمان والفقر والبطالة والضياع، وبصوت واحد أيضاً دعا إلى تغيير النظام القائم، بنظام مدني جديد عبر انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون انتخابي خارج القيد الطائفي. الا يعتبر كل ذلك ثورة حقيقية، وإذا لم يكن بكل ذلك فماذا يكون إذن، هل يكون انتفاضة كما يدعي البعض زوراً أم يكون مجرّد حراك مطلبي يحصل عادة في أكثر دول العالم والدول المحيطة بنا.

الحقيقة، يجب أن تقال وهي أن ما أقدم عليه هذا الشعب هو ثورة بالمعنى الدقيق للكلمة، لأن الثورة تعني تغيير النظام القائم بنظام جديد يحقق العدالة والمساواة وينهي وجود المنظومة السياسية التي تضع يدها على النظام وتمعن في استغلال الشعب، وتفقيره وإذلاله.

وهذا تماماً ما فعله النظام القائم في لبنان، طيلة الثلاثين سنة الماضية، وما زال يتمسك به كأداة في أيديهم يستخدمونها للبقاء في السلطة وتوريثها إلى الأولاد والأحفاد من بعدهم، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تسخيف ما يحصل على الساحات العامة، باعتباره حراكاً مطلبياً أو انتفاضة أو مجرّد تظاهرة احتجاج أملتها ظروف معينة، فالذي يعيشه لبنان هذه الأيام هو ثورة حقيقية مثل كل الثورات التي شهدتها المجتمعات في شرقنا العربي وفي الكثير من دول العالم والتي نجحت في إحداث التغيير المطلوب وأدت إلى إسقاط الأنظمة الديكتاتورية والعسكرية والشمولية، وأقامت أنظمة ديمقراطية تحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع من دون استثناء أو تمييز كما هو الحال في لبنان الذي يدعون زوراً انه أحد أعرق دول العالم في ديمقراطيته، القائمة على مبدأ حكم الشعب بواسطة الشعب، ولأجل الشعب في حين ان الشعب فيه لا صوت له ولا سلطة ولا أي من الحقوق التي أقرتها كل المواثيق الدولية، والتي كان من نتائجها ما يشهده العالم بإعجاب على الساحات العامة منذ أكثر من خمسة أسابيع من دون حتى إستراحة المحارب كما يقول المثل اللبناني المعروف.

نعم إنها الثورة الحقيقية التي هدفها الأول والأخير هو تغيير النظام الحالي المبني على الطائفية والمذهبية وإقامة نظام لا طائفي يحقق العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص بين جميع أبنائه بوصفهم لبنانيين وليس على أساس المحاصصة الطائفية والزبائنية والتبعية كما هو الحال مع هذا النظام الطائفي الذي أعطى تلك المنظومة حق الاستئثار بالسلطة وامتصاص دم هذا الشعب باسم الطوائف والحفاظ على حقوقها من خلال تقاسم خيرات الوطن وتوزيعها على جيوبهم لبناء القصور باسم الديمقراطية المزيفة.

حقاً انها ثورة حقيقية، لإسقاط النظام العفن الذي فرق بين الشعب ليسهل استغلاله من قبل تلك المنظومة التي لم يعد لها بعد الآن أي مكان في المجتمع اللبناني الذي أصبح اليوم واحداً، عابراً لكل الطوائف والمذاهب والمناطق، وليعلم هؤلاء أن الحساب آت وإن تأخّر بعض الوقت.